القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المنشورات

هل الأشاعرة لا يعرفون التوحيد الذي بعث الله به الرسل؟ Do Ash'ari do not know the monotheism that was sent by the messengers?

 

ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا


هل الأشاعرة لا يعرفون التوحيد الذي بعث الله به الرسل؟ 

Do Ash'ari do not know the monotheism that was sent by the messengers?

 

بقلم: د. الحسين بودميع

 

من أغرب انتقادات "السلفيين" التي يوجهونها للأشاعرة اتهامهم بأنهم لا يعرفون التوحيد الذي جاءت به الرسل –وهو الذي يسمونه توحيد الألوهية-، وأنهم لا يعرفون إلا توحيد الربوبية الذي "يقر به المشركون"، ولا يعرفون معنى (لا إله إلا الله).

إن أي طالب علم يعلم أن معظم علماء المسلمين في الفقه والأصول والحديث والتفسير والعقيدة... على مذهب الأشاعرة ليستغرب أشد الاستغراب أن يقال عنهم: إنهم لا يعرفون التوحيد الذي جاءت به الرسل، وإني والله لو لم أقف على ذلك بنفسي في كتب "السلفيين" لما استطعت أن أصدقه بحال؛ فهل الأمر على ما يزعم "السلفيون"؟ أصحيح أن الأشاعرة لا يعرفون "توحيد الألوهية"؟

هذا ما سنحاول أن نجليه في هذه المقالة بعون الله؛ فاصبر على قراءتها إلى منتهاها لتعرف حقيقة مذهب الأشاعرة في التوحيد.

رابط الموضوع مسموعا

في البداية أبادر فأقول: لا أراني في هذا المقام ملزما بالتعرض لقضية تقسيم التوحيد إلى: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وما أثير بشأنه من الجدل بين:

* من يتحمس له ويعده أصيلا في نصوص الشرع؛ كما يُعلم باستقرائها، جاريا على ألسنة وأقلام علماء السلف ومَنْ بعدهم قبل ابن تيمية، ولو بالمعنى، ويرى أن في نصوص الوحي ما يشهد له، خاصة في قسميه الأولين، وأنه متى تقرر وجود المعنى في الشرع لم يضرَّه حداثة المصطلح؛ إذ لا مشاحة في الاصطلاح كما عُلم.

* ومن يأباه، ويعده من ابتداع ابن تيمية، ويرى (الإله) و(الرب) مترادفين في الاستعمال الشرعي، ولم ير –من ثَمَّ- فرقا بين (توحيد الألوهية) و(توحيد الربوبية)، فلا وجه ولا حاجة للتقسيم.

أولا: تصريح "السلفيين" برمي الأشعريين بعدم معرفة التوحيد الذي بعثت به الرسل:

ولكن ما يجب الوقوف عنده من نقد "السلفيين" الحنابلة للأشعرية في هذا الباب هو زعمهم أن علماء الأشاعرة لا يعرفون التوحيد الذي بعث الله به الرسل، وهو الذي يسمونه "توحيد الألوهية"، وأن منتهى ما يقررونه في كتبهم عن التوحيد هو ما يقر به المشركون من توحيد الخالقية أو توحيد الربوبية، وهذا الزعم لا يكاد يخلو منه كتاب من كتبهم العقدية التي تصدوا فيها لنقد الأشاعرة.

فقد قال حفيد محمد بن عبد الوهاب؛ عبد الرحمن حسن: "والأشاعرة أخطأوا في ثلاث من أصول الدين؛ منها تأويل الصفات، وهو صرفها عن حقيقتها التي تليق بالله...، وأخطأوا أيضا في التوحيد، ولم يعرفوا من تفسير لا إله إلا الله إلا أن معناها: القادر على الاختراع، ودلالة لا إله إلا الله على هذا دلالة التزام؛ لأن هذا من توحيد الربوبية الذي أقر به الأمم ومشركو العرب"([1]).

وكان من نتائج أطروحة عبد الرحمن المحمود للدكتوراه (موقف ابن تيمية من الأشاعرة) قوله: "يمكن أن يقال: إن المذهب الأشعري أخذ السمات التالية: ... التوحيد: هو توحيد الربوبية فقط، ويدخلون فيه نفي الصفات الخبرية التي تقتضي عندهم تجسيماً، لأن هذا يخالف -عندهم- حقيقة التوحيد، أما توحيد الألوهية فلا يشيرون إليه في كتبهم"([2]).

وقرر في موضع آخر من هذه الأطروحة أن "الألوهية- عند الأشاعرة- هي القدرة على الاختراع والخلق، فمعنى لا إله إلا الله: لا خالق إلا الله"([3]).

وصاغ في موضع آخر عنوانا يضمر أن التوحيد عند العلماء الأشاعرة غير التوحيد الذي جاءت به الرسل؛ ونصه: "ثانيا: التوحيد عند الأشاعرة وحقيقة التوحيد الذي دعت إليه الرسل"([4]).

وذكر أن من تفسيرات الأشاعرة للتوحيد: (أنه تعالى واحد في أفعاله لا شريك له، وأن الله رب كل شيء وخالقه)، ثم نقل تحته عن ابن تيمية قوله تعليقا على هذا التفسير: "وهذا معنى صحيح، وهو حق، وهو أجود ما اعتصموا به من الإسلام في أصولهم، حيث اعترفوا فيها بأن الله خالق كل شيء ومربيه ومدبره"([5])، ثم قال الباحث: "والخطأ الذي وقع فيه الأشاعرة هنا هو أنهم فهموا أن هذا هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأنه المقصود بشهادة أن لا إله إلا الله، ومن المعلوم أن هذا التوحيد قد أقر به المشركون، ولم ينكره أحد من بني آدم"([6]).

وأكد هذا المعنى في مبحث آخر مضيفا أن التوحيد الذي دعت إليه الرسل لم يعرفه الأشاعرة ولم يبينوه؛ فقال: "فتوحيد الربوبية كان المشركون مقرين به، وهو نهاية ما يثبته هؤلاء المتكلمون إذا سلموا من البدع فيه ـ كما يقول شيخ الإسلام - أما التوحيد الذي جاءت به الرسل فلم يعرفوه ولم يبينوه"([7]).

وجاء في الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة –وهي محررة على الخط "السلفي" الحنبلي، وقد اعتمدت غالبا في المبحث الخاص بالأشعرية على رسالة سفر الحوالي في نقد الأشاعرة – قول محرروها: "التوحيد عند الأشاعرة هو نفي التثنية والتعدد بالذات ونفي التبعيض والتركيب والتجزئة...، وبذلك جعل الأشاعرة التوحيد هو إثبات ربوبية الله عز وجل دون ألوهيته"([8]).

ويقرر الشيخ سفر الحوالي أن "التوحيد عند أهل السنة والجماعة [يقصد ابن تيمية وأتباعه] معروف بأقسامه الثلاثة، وهو عندهم أول واجب على المكلف، أما الأشاعرة قدماؤهم ومعاصروهم فالتوحيد عندهم هو نفي التثنية أو التعدد ونفي التبعيض والتركيب والتجزئة...، ومن هذا المعنى فسروا (الإله) بأنه الخالق أو القادر على الاختراع...، أما التوحيد الحقيقي وما يقابله من الشرك ومعرفته والتحذير منه فلا ذكر له في كتب عقيدتهم إطلاقاً، ولا أدري أين يضعونه؟ أفي كتب الفروع ؟ فليس فيها. أم يتركونه بالمرة؟ فهذا الذي أجزم به"([9]).  

وقال ابن عثيمين في شرح التدمرية بعد أن ذكر أقسام التوحيد الثلاثة: "وبهذا التقرير عن أقسام التوحيد يتبين غلط عامة المتكلمين في مسمى التوحيد حيث جعلوه ثلاثة أنواع:

الأول: أن الله واحد في ذاته لا قسيم له، أولا جزء له، أولا بعض له.

الثاني: أنه واحد في صفاته لا شبيه له.

الثالث: أنه واحد في أفعاله لا شريك له.

وبيان غلطهم من وجوه:

أحدها: أنهم لم يدخلوا فيه توحيد الألوهية وهو أن الله تعالى: واحد في ألوهيته لا شريك له فيفرد وحده بالعبادة، مع أن هذا النوع من التوحيد هو الذي من أجله خلق الجن والإنس...

الوجه الرابع: قولهم: (واحد في أفعاله لا شريك له)؛ وهذا أشهر أنواع التوحيد عندهم، ويعنون به أن خالق العالم واحد، ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب وأن هذا معنى (لا إله إلا الله)؛ فيجعلون معناها: لا قادر على الاختراع إلا الله.

ومعلوم أن هذا خطأ من وجهين:

الأول: أن هذا الذي قرروه قد أقر به المشركون الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم لم يجعلوا لله شريكاً في أفعاله...

الثاني: أن تفسيرهم (لا إله إلا الله) بهذا التفسير الذي ذكروه أي إنه لا قادر على الاختراع إلا الله، يقتضي أن من أقر بأن الله وحده هو القادر على الاختراع دون غيره فقد شهد أن لا إله إلا الله وعصم دمه وماله"([10]).

ونقل بعضَ هذا الكلام "سلفي" مصري مفسرا لفظ المتكلمين في كلام ابن عثيمين بالأشاعرة والماتريدية؛ فقال ناقلا: "قولهم (أي الأشاعرة): واحد في أفعاله لا شريك له؛ وهذا أشهر أنواع التوحيد عندهم (أي الأشاعرة والماتريدية)، ويعنون به: أن خالق العالم واحد، ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب، وأن هذا معنى (لا إله إلا الله)؛ فيجعلون معناها: لا قادر على الاختراع إلا الله"([11]).

وقرر أن "اعتقاد الأشاعرة أن معنى (لا إله إلا الله) أي لا قادر على الاختراع إلا الله"([12]).

وكرر ذات الزعم منيف العتبي في بحثه للدكتوراه؛ إذ ادعى أن الأشاعرة قصروا مفهوم التوحيد في توحيد الربوبية، وأنهم لا يعرفون توحيد الألوهية، ولا يذكرونه في كتبهم؛ فقال: "وقد انصب اهتمام علماء الأشاعرة على تقرير توحيد الربوبية وإثبات أن خالق العالم واحد، وأنه لم يصدر عن خالقين، وتوهموا أن هذا هو الغاية في التوحيد، ثم فسروا الإله على ضوء هذا الفهم القاصر لمعنى التوحيد الذي جاء به محمد ع؛ فتوهموا أن الإلهية هي القدرة على الاختراع، والإله هو الرب الخالق الرازق المدبر...، ثم أهملوا توحيد العبادة، فلا نجد له ذكرا في كتبهم الكلامية"([13])

وبنبرة أوغل في الغلو، وأبعد في البغي على علماء الأشاعرة ناقش كاتب "سلفي" يُدعى عبد الله بن حسين الموجان الدكتورَ عمر كامل الذي رد على رسالة الحوالي في كتابه: (كفى تفريقا للأمة باسم السلف)؛ فقال تحت عنوان: (تقسيم التوحيد): "بدأ الدكتور عمر تعليقه على هذا الجزء بالتعجب: (كيف يجزم د. سفر بأن الأشاعرة يجهلون معنى التوحيد ومعنى (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؟

ونحن نقول: يا دكتور عمر نعم يجهلون معناها الذي أُرسِلَ به نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم [كذا !!!]؛ فإنهم حرفوا معناها...، ولا يعرفون أن (إله) بمعنى (مألوه) أي معبود.

أليس هذا تحريفاً؟؟ أليس هذا يدل على أنهم لم يعرفوا التوحيد الذي أرسل الله به الرسل وأنزل به الكتب؟؟"([14]).

وبعد صفحة كرر فيها ذات الكلام السابق نقْلُه عمن تقدم من الباحثين "السلفيين" قال: "ألست معي الآن أن الأشاعرة لم يعرفوا معنى (لا إله إلا الله) فعلاً"([15]).

هكذا توارد الباحثون "السلفيون" على اتهام الأشاعرة بأنهم يحصرون مدلول التوحيد في توحيد الربوبية الذي يقر به المشركون، وأنهم لم يتعرضوا لذكر توحيد الألوهية، وبنوا على ذلك أن الأشاعرة يجهلون معنى كلمة لا إله إلا الله –التي تعني أن لا معبود بحق سوى الله- وأنهم  ما عرفوا التوحيد الحقيقي الذي دعت إليه الرسل، وهو توحيد الألوهية، ولم يعرفوا من معنى (لا إله إلا الله) إلا أن معناها: لا خالق أو لا قادر على الاختراع إلا الله.

كما تواردوا على تقليد بعضهم بعضا في زعم أن المشركين كانوا يعتقدون وحدانية الله في ربوبيته؛ كما قال أحدهم؛ وهو سليمان بن سحمان:  "توحيد الربوبية هو توحيد العبد ربه سبحانه وتعالى بأفعاله الصادرة منه؛ كالخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، وإنزال المطر، وإنبات النبات، والنفع والضر، وتدبير جميع الأمور، إلى غير ذلك من أفعال الرب سبحانه وتعالى، وهذا هو اعتقاد جاهلية العرب فإنهم كانوا مقرين ومعترفين أن الله هو الفاعل لهذه الأشياء، وأنه لا مشارك له في إيجاد شيء وإعدامه، وأن النفع والضر بيده، وأنه هو رب كل شيء ومليكه"([16]).

وأكد عبد اللطيف عبد الرحمن حسن أن "توحيد الربوبية... أقر به المشركون من سائر الأمم الذين آمنوا بربوبية الله وأشركوا في عبادته"([17]).

وهم في كل هذا مقلدون لابن تيمية مرددون لكلامه الذي يغمز فيه المتكلمين –ومنهم الأشاعرة- بأنهم إنما يقررون في كتبهم توحيد الربوبية الذي يقر به المشركون، ولا يعرفون التوحيد الذي بعث الله به الرسل؛ وهو توحيد الألوهية؛ وذلك في مثل قوله في درء التعارض: "والإله هو بمعنى المألوه المعبود الذي يستحق العبادة، وليس هو الآلِه بمعنى القادر على الخلق؛ فإذا فسر المفسر الإله بمعنى القادر على الاختراع، واعتقد أن هذا أخص وصف الإله، وجعل إثبات هذا التوحيد هو الغاية في التوحيد، كما يفعل ذلك من يفعله من متكلمة الصفاتية، وهو الذي ينقلونه عن أبي الحسن وأتباعه، لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله؛ فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء، وكانوا مع هذا مشركين"([18]).

وقوله في كتاب التسعينية: "والمعنى الثالث : من معاني التوحيد عند هؤلاء الأشعرية كالقاضي أبي بكر وغيره هو أنه سبحانه لا شريك له في الملك بل هو رب كل شيء، وهذا معنى صحيح وهو حق وهو أجود ما اعتصموا به من الإسلام في أصولهم([19]) حيث اعترفوا فيها بأن الله خالق كل شيء ومربيه ومدبره...

 وأما التوحيد الذي ذكره الله في كتابه وأنزل به كتبه وبعث به رسله واتفق عليه المسلمون من كل ملة فهو كما قال الأئمة: شهادة أن لا إله إلا الله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له...

 والشرك الذي ذكره الله في كتابه إنما هو عبادة غيره من المخلوقات كعبادة الملائكة أو الكواكب أو الشمس أو القمر أو الأنبياء أو تماثيلهم أو قبورهم... قال تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [يوسف: 106]، قال ابن عباس وعطاء وعكرمة ومجاهد: يسألهم من خلق السموات والأرض فيقولون: الله، وهم مع هذا يعبدون غيره ويشركون به، ويقولون: له ولد، وثالث ثلاثة؛ فكان الكفار يقرون بتوحيد الربوبية، وهو نهاية ما يثبته هؤلاء المتكلمون إذا سلموا من البدع فيه...

 والإله هو المستحق للعبادة فأما من اعتقد في الله أنه رب كل شيء وخالقه وهو مع هذا يعبد غيره فإنه مشرك بربه متخذ من دونه إلها آخر، فليست الإلهية هو الخلق، أو القدرة على الخلق، أو القدم؛ كما يفسرها هؤلاء المبتدعون في التوحيد من أهل الكلام، إذ المشركون الذين شهد الله ورسوله بأنهم مشركون من العرب وغيرهم لم يكونوا يشكون في أن الله خالق كل شيء وربه، فلو كان هذا هو الإلهية لكانوا قائلين إنه لا إله إلا هو"([20]).

فكل الطعون "السلفية" في عقيدة الأشاعرة في باب التوحيد إنما تستند إلى ما جاء في هذين النصين وما في معناهما من كلام ابن تيمية من أن الأشاعرة يجعلون (الإله) بمعنى الآلِه؛ أي الخالق، لا بمعنى المألوه؛ أي المعبود، وأنهم ينقلون عن أبي الحسن تفسيره بمعنى: القادر على الاختراع، وأن من معاني التوحيد عندهم: أنه سبحانه لا شريك له في الملك بل هو رب كل شيء، وأن الكفار كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، وهو نهاية ما يثبته هؤلاء المتكلمون إذا سلموا من البدع فيه، وأن من قصر معنى التوحيد في ذلك منهم لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله.

ثانيا: التعقيب على نقد "السلفيين" للأشاعرة في المسألة

هذا الباب من المواطن التي طاشت فيها أقلام الباحثين "السلفيين"، واشتد شططهم فيها وبغيهم على علماء الأشاعرة.

وقد اشتمل نقدهم للأشاعرة في المسألة على غلطين كبيرين؛ كل منهما صاحبُه على خطر من دينه عظيم:

الأول: زعمهم أن المشركين كانوا موحدين لله توحيد الربوبية!!! وأن ما أقروا به من انفراد الله بالخلق والتدبير لم ينقلهم من الشرك إلى التوحيد المطلوب.

الثاني: دعواهم أن علماء الأشاعرة لا يعرفون التوحيد الذي بعث الله به الرسل، وهو توحيد الألوهية، وأن قصارى ما عرفوه من التوحيد ووقفوا عنده هو توحيد الربوبية!!!

ويتركب من الخطأين نتيجة غاية في الغرابة والخطورة؛ وهي أن علماء الأشاعرة لا يفضلُون المشركين في باب التوحيد؛ إذ هم مثلهم في الاقتصار على توحيد الربوبية الذي لا يخرج به صاحبه من دائرة الشرك!!! وناهيك به  من بغي وشطط؛ لما يتبادر منه من تعريض بكفر علماء الأشاعرة، وهم معظم علماء المسلمين.

1- هل المشركون موحدون توحيد الربوبية؟

أما الزعم بأن المشركين الذين بعثت فيهم الرسل كانوا يقرون بتوحيد الله في ربوبيته؛ فهو زعم بيِّنُ البطلان؛ لمنافاته لواقع المشركين كما حكاه القرآن ودل عليه صحيح الأخبار؛ فإن توحيد الربوبية كما يُعَرِّفه "السلفيون" الحنابلة من غير خلاف بينهم: هو اعتقاد انفراد الله تعالى بالخلق والإيجاد والتدبير والمنع والإمداد، والنفع الضر، والإحياء والإماتة، وغير ذلك مما يختص الله به.

وغاية ما تدل عليه الآيات التي يستشهدون بها في الباب – كقول الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) [لقمان: 25]، وقوله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) [العنكبوت: 63]- هو إقرار بعض المشركين بانفراد الله ببعض أوجه التدبير؛ كالخلق، وإنزال المطر، وإنبات النبات، وتسخير الشمس والقمر؛ والربوبية أعم من ذلك باعترافهم؛ وقد تقدم بين يديك مدلول الربوبية كما يقررونه؛ فالتحقق بتوحيد الربوبية لا يحصل إلا لمن أقر بانفراد الله بكل خصائص الربوبية، ومنها: الإمداد والمنع، والضر والنفع؛ ومن البدهيات أن المشركين ما كانوا ليعبدوا مَن دونَ الله من آلهتهم إلا وهم يثبتون لهم بعض خصائص الربوبية؛ خاصة منها القدرة على الإمداد والمنع، والضر والنفع، وإلا فعبادتهم مع الاعتقاد الجازم بأنهم لا ينفعون ولا يضرون ولا يعطون ولا يمنعون لا يمكن أن تصدر عن عاقل يدرك ما يصنع.

وقد تظافرت الأدلة الشرعية على أن المشركين يعتقدون أن لآلهتهم القدرةَ على النفع والضر، وكذلك يعتقدون في الجن القدرة على النفع ومنع الضر، ومنهم من يثبت للكواكب القدرة على التأثير؛ كإنزال المطر؛ وكل أولئك من خصائص الربوبية كما لا يخفى؛ ومن الأدلة على اعتقاد المشركين ثبوتَ بعض خصائص الربوبية لغير الله:

 1- قول الله تعالى حكاية عن المشركين من قوم هود: (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ) [هود: 54].

قال أبو القاسم البغوي في تفسير هذه الآية: "يعني: لست تتعاطى ما تتعاطاه من مخالفتنا وسب آلهتنا إلا أن بعض آلهتنا اعتراك، أي: أصابك بسوء؛ بخبل وجنون، وذلك أنك سببت آلهتنا فانتقموا منك بالتخبيل؛ لا نحمل أمرك إلا على هذا"([21]).

وقد استشهد ابن تيمية بهذه الآية على أن عبدة الأوثان كانوا  يرجون أوثانهم ويخافونها ويعتقدون أنها تنفع وتضر؛ فقال في رسالة الرد على الأخنائي: "وهؤلاء الذين يعتقدون أن القبور تنفعهم وتدفع البلاء عنهم قد اتخذوها أوثانا من دون الله، وصاروا يظنون فيها ما يظنه أهل الأوثان في أوثانهم؛ فإنهم كانوا يرجونها ويخافونها، ويظنون أنها تنفع وتضر؛ ولهذا قالوا لهود عليه السلام: (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء)" ([22]).

2- قول الله تعالى عن مشركي العرب: (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) [الزمر: 36].

وفي معنى هذه الآية يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أن الكفار عبدة الأوثان، يخوِّفون النبي صلى الله عليه وسلم بالأوثان التي يعبدونها من دون الله، لأنهم يقولون له: إنها ستضره وتخبله، وهذه عادة عبدة الأوثان لعنهم الله، يخوفون الرسل بالأوثان، ويزعمون أنها ستضرهم وتصل إليهم بالسوء"([23]).

وأسند أبو جعفر الطبري عن قتادة أنه قال في هذه الآية: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى شِعْبٍ بِسُقام([24]) ليكسر العزى، فقال سادنها، وهو قيمها: يا خالد أنا أحذركها، إن لها شدة لا يقوم إليها شيء، فمشى إليها خالد بالفأس فهشم أنفها"([25]). فسادن صنم العزى وهو من مشركي العرب يعتقد أن للعزى قدرةً على إلحاق الضر بالناس؛ لهذا حذر خالدا من ضررها وشدتها.

3- قول الله تعالى: (وَاتّخَذُواْ مِن دُونِ اللّهِ آلِهَةً لّعَلّهُمْ يُنصَرُونَ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ) [يونس: 75]؛ ففيه تصريح بأن المشركين يعتقدون أن آلهتهم تملك القدرة على نصرهم، فيعبدونها من أجل ذلك.

قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يقول تعالى منكراً على المشركين في اتخاذهم الأنداد آلهة مع الله؛ يبتغون بذلك أن تنصرهم تلك الآلهة وترزقهم وتقربهم إلى الله زلفى, قال الله تعالى: (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ) أي لا تقدر الآلهة على نصر عابديها بل هي أضعف من ذلك وأقل وأحقر وأدحر, بل لا تقدر على الاستنصار لأنفسها, ولا الانتقام ممن أرادها بسوء"([26]).

وصرح ابن القيم في كتاب إغاثة اللهفان - استنادا إلى هذه الآية ونظيرتها في سورة مريم - بأن المشركين يعتقدون في أصنامهم أنها تجلب لهم النصر وتورثهم العز؛ فقال: "وعاقب من اتخذ معه إلها آخر ينتصر به ويتعزز به: بأن جعله عليه ضدا يُذَلّ به ويُخْذَل به؛ كما قال تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [مريم: 81-82]، وقال تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) [يونس: 74-75]"([27]). وإذا تقرر أن المشركين يعتقدون في آلهتهم القدرة على جلب النصر والعز -وهو من أوجه النفع- فلا وجه بعد ذلك لدعوى أنهم يوحدون الله في ربوبيته.

3- ومما يدل على اعتقاد المشركين أن آلهتهم تنفع وتضر ما أخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه من رواية زياد البكائي، عن حميد، عن أنس؛ قال: قالت لي أم هانئ بنت أبي طالب: "أعتق أبو بكر زنيرة، فأصيب بصرها حين أعتقها، فقالت قريش: ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كذبوا وبيتِ الله، ما يغني اللات والعزى ولا ينفعان، فرد الله إليها بصرها"([28]). هكذا أسندت قريش القدرة على إلحاق الضرر بالناس إلى اللات والعزى؛ إذ نسبوا لها إذهاب بصر هذه المرأة وإصابتها بالعمى؛ فقالوا: "ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى"، فهذا هو مذهب المشركين واعتقادهم بشأن الربوبية، أما توحيد المؤمنين لربهم في ربوبيته فهو ما جرى على لسان الصحابية الجليلة (زنيرة)؛ إذ قالت مبطلة لاعتقادهم: "ما يغني اللات والعزى ولا ينفعان"؛ فأنت ترى أن بين اعتقاد المشركين واعتقاد المؤمنين بونا شاسعا بشأن انفراد الله بخصائص الربوبية.

4- قول الله تعالى: (وَإِنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) [الجن: 6]

قال أبو السعود في تفسير هذه الآية: "كان الرجل من العرب إذا أمسى في واد قفر، وخاف على نفسه يقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، يريد الجن وكبيرهم، فإذا سمعوا بذلك استكبروا وقالوا: سدنا الإنس والجن، وذلك قوله تعالى: (فزادوهم)؛ أي زاد الرجال العائذون الجنَّ (رهقا)؛ أي تكبرا وعتوا"([29]).

فأي توحيد لله في ربوبيته يبقى مع اعتقاد أن الأوثان والجن تشاركه تعالى في التصرف في شؤون الخلق نفعا وضرا وإعطاء ومنعا؟

5- ومما يدل على أن المشركين كانوا يضيفون بعض خصائص الربوبية إلى غير الله ما أخرجه مسلم وغيره عن زيد بن خالد الْجُهَنِيِّ قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِى إِثْرِ السَّمَاءِ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ"؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ؛ فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ"([30]).

فهذا تصريح بأن من الناس من يؤمن بالكواكب؛ أي بتأثيرها ونفعها، وليس الإيمان بها يعني الإيمان بوجودها؛ فإن الجميع مؤمن بوجودها، وقد ذكر الأئمة عند شرح هذا الحديث أن أهل الجاهلية يعتقدون أن الكوكب فاعل مدبر منشيء للمطر.

قال الحافظ ابن عبد البر في كتاب الاستذكار: "ومن قال بقول أهل الشرك من الجاهلية؛ الذين كانوا يضيفون المطر إلى النوء -أنه أمطره- فهذا كفر يخرج من ملة الإسلام"([31]).

وقال رحمه الله في كتاب التمهيد: "وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من قال مطرنا بنوء كذا فهو كافر بالله مؤمن بالكوكب)، وهذا عند أهل العلم محمول على ما كان أهل الشرك يقولونه؛ من إضافة المطر إلى الأنواء دون الله تعالى، فمن قال ذلك واعتقده فهو كافر بالله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النوء مخلوق، والمخلوق لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا"([32]).

وقال الإمام النووي في شرح مسلم: "اختلف العلماء فى كفر من قال: (مطرنا بنوء كذا) على قولين؛ أحدهما: هو كفر بالله سبحانه وتعالى سالب لأصل الايمان مخرج من ملة الاسلام، قالوا: وهذا فيمن قال ذلك معتقدا أن الكوكب فاعل مدبر منشيء للمطر كما كان بعض أهل الجاهلية يزعم"([33]).

فهل يصح بعد كل هذا أن يقال: إن المشركين كانوا يقرون بتوحيد الله في ربوبيته، ويعتقدون انفراده تعالى بالإيجاد والإمداد، والنفع والضر؟

2- هل الأشاعرة لا يعرفون توحيد الألوهية؟

أما الزعم بأن علماء الأشاعرة لا يعرفون التوحيد الذي دعت إليه الرسل؛ وهو الذي يسمونه توحيد الألوهية - ويعني الإقرار بوجوب إفراد الله تعالى بالعبادة - وأن قصارى ما يعرفونه ويقررونه من التوحيد هو توحيد الربوبية، وأن الإله عندهم لا معنى له سوى القادر على الاختراع، وأنهم –من ثم- لا يعرفون من معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) إلا أن معناها: لا قادر على الاختراع أو لا خالق إلا الله؛ أقول: هذا الزعم من أغرب مزاعم "السلفيين" الحنابلة بشأن العقيدة الأشعرية، ومن أظهر مظاهر بغيهم على الأشاعرة؛ وقد قادهم إلى هذا البغي كثير من الأسباب والدواعي المتداخلة؛ أهمها:

ـ التقليد والتنزيه المطلقين لابن تيمية، المعروف بشدته على المتكلمين الأشاعرة خاصة في باب التوحيد بسبب ما كان بينه وبينهم من الخلاف في مسألة التوسل وشد الحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولا يبعد أن يكون مدفوعا إلى تقسيمه التوحيد قسمته الثلاثية المعروفة بالرغبة في إظهار أن تركيز الأشاعرة على ما يسميه توحيد الربوبية، وعدم عنايتهم بما يسميه توحيد الألوهية هو منشأ رأيهم في مسألة التوسل وشد الرحال.  

ـ الخلط بين (التوحيد)، وهو اعتقاد كون الله واحدا في ذاته وصفاته وأفعاله، وهذا هو الذي يركز الأشاعرة على تقريره، وبين (العمل بمقتضى التوحيد)؛ وهو إفراد الله بالعبادة، وهو الذي يسمونه توحيد الألوهية، ويتهمون الأشاعرة بأنهم لا يعرفونه.

ـ التسرع في إصدار الأحكام؛ بعيدا عن مقتضى الأمانة والتحري، وقلة الصبر على البحث والاستقراء لكتب الأشاعرة للتحقق من مذهبهم في المسألة وفهمه قبل نقده.

ـ التعصب على الأشاعرة والمبالغة في سوء الظن بعلمائهم، والرغبة المبيتة في تضليلهم في كل أبواب العقيدة، والحرص على شين مذهبهم بكل السبل انقيادا لهوى النفس في الغلبة. 

وبيان غلط "السلفيين" الحنابلة في هذا الاتهام من أربعة أوجه:

الوجه الأول: أن علماء الأشاعرة وإن ركزوا في كتبهم الكلامية على تقرير وحدانية الله في ذاته وصفاته وأفعاله، فإنهم لم يغفلوا ذكر ما يسميه ابن تيمية "توحيد الألوهية"، بل ذكروه وقرروا وجوبه في كتبهم في العقيدة وفي مصنفاتهم في غير العقيدة كالتفسير والحديث؛ وقد أوقفَنا البحثُ على عشرات من النصوص الأشعرية الصريحة في تقرير ما يسميه متأخرو الحنابلة "توحيد الألوهية"، ومنها على سبيل المثال:

1- قول أبي بكر الباقلاني في كتاب الإنصاف: "ويجب أن يعلم: أن صانع العالم جلت قدرته واحد أحد؛ ومعنى ذلك: أنه ليس معه إله سواه، ولا من يستحق العبادة إلا إياه، ولا نريد بذلك أنه واحد من جهة العدد، وكذلك قولنا (أحد)، و(فرد) ونحو ذلك إنما نريد به أنه لا شبيه له ولا نظير، ونريد بذلك أن ليس معه من يستحق الإلهية سواه"([34]).

2- موقف أبي بكر الباقلاني مع ملك الروم بالقسطنطينية، وما كان منه من مناظرة أساقفة النصارى الشهيرة؛ حين بعثه الملك عضد الدولة البويهي إليه برسالة؛ فأبى حين أُمِر بالدخول على الملك أن يركع له مبالغة في التمسك بمقتضى التوحيد، وقصته في ذلك مشهورة ذكرها كثير من المصادر التاريخية؛ ونصها كما ساقه الحافظ ابن عساكر في تبيين كذب المفتري بإسناده إلى أبي القاسم علي بن الحسن بن أبي عثمان الدقاق وغيره: "أن الملك الملقب بعضد الدولة كان قد بعث القاضي أبا بكر بن الباقلاني في رسالة إلى ملك الروم، فلما ورد مدينته عُرِّف الملك خبرَه، وبُيِّن له محلُه من العلم وموضعه، فأفكر الملك في أمره وعِلْمِه أَنه لا يُكَفِّرُ له([35]) إذا دخل عليه - كما جرى رسم الرعية أن تقبل الأرض بين يدي الملك - ثم نتجت له الفكرة: أن يضع سريره الذي يجلس عليه وراء باب لطيف؛ لا يمكن أحد أن يدخل منه إلا راكعا، ليدخل القاضي منه على تلك الحال، فيكون عوضا من تَكْفِيره بين يديه، فلما وضع سريره في ذلك الموضع أمر بإدخال القاضي من الباب، فسار حتى وصل إلى المكان، فلما رآه تفكر فيه، ثم فطن بالقصة؛ فأدار ظهره وحنى رأسه راكعا، ودخل من الباب وهو يمشي إلى خلفه، وقد استقبل الملك بدبره حتى صار بين يديه، ثم رفع رأسه ونصب ظهره وأدار وجهه حينئذ إلى الملك، فعجب من فطنته، ووقعت له الهيبة في نفسه"([36]).

فصنيع القاضي أبي بكر هذا لم يكن سوى تطبيق عملي صارم لمقتضى توحيد الألوهية، إذ ما حمله عليه إلا ما استقر في نفسه من وجوب إفراد الباري تعالى بالتعظيم والخضوع، وليس لتوحيد الألوهية معنى سوى ذلك، فأبو بكر الباقلاني رضي الله عنه –وهو إمام الأشاعرة في وقته- لم يكن يعرف توحيد الألوهية معرفة نظرية فحسب، بل يتمثله في حياته ويبالغ في تطبيقه عمليا في مواقفه؛ كما رأيت في هذا الموقف وغيره، فهل يصح بعد هذا أن يجازف مجازف برمي الأشاعرة بأنهم لا يعرفون التوحيد الذي جاءت به الرسل؟  

3- قول أبي بكر البيهقي في كتاب الأسماء والصفات: "فمعنى الإله: المعبود، وقول الموحدين: لا إله إلا الله معناه لا معبود غير الله"([37]).

4- قول العز بن عبد السلام: "واعتقاد الأشعري رحمه الله يشتمل على ما دلت عليه أسماء الله...، وأسماؤه مندرجة في أربع كلمات، هن الباقيات الصالحات: الكلمة الأولى: قول: (سبحان الله)؛ ومعناها في كلام العرب: التنزيه والسلب؛ وهي مشتملة على سلب النقص والعيب عن ذات الله وصفاته...، الكلمة الثانية: قول: (الحمد لله)؛ وهي مشتملة على إثبات ضروب الكمال لذاته وصفاته...، ووراءَ ما نفيناه وأثبتناه شأنٌ عظيم قد غاب عنا وجهلناه، فنحققه من جهة الإجمال بقولنا: (الله أكبر)؛ وهي الكلمة الثالثة؛ بمعنى أنه أجل مما نفيناه وأثبتناه...، فإذا كان في الوجود من هذا شأنه نفينا أن يكون في الوجود من يشاكله أو يناظره، فحققنا ذلك بقولنا: (لا إله إلا الله)؛ وهي الكلمة الرابعة، فإن الألوهية ترجع إلى استحقاق العبودية، ولا يستحق العبودية إلا من اتصف بجميع ما ذكرناه"([38]).

5- قوله رحمه الله في كتاب الإمام: "كلمة التَّوْحِيد تدل على التَّكْلِيف بِالْوَاجِبِ وَالْحرَام؛ إِذْ مَعْنَاها: لَا معبود بِحَق إِلَّا الله، وَالْعِبَادَة هِيَ الطَّاعَة مَعَ غَايَة الذل والخضوع، فقد نَص بالاستثناء على أَنه مُسْتَحقّ لَهَا، وَأما نَفيهَا عَن مَا عداهُ فَيجوز أَن يكون حكما بِتَحْرِيم ذَلِك فِي حق غَيره وَهُوَ الظَّاهِر"([39]).

6- قول فخر الدين الرازي في تفسيره: "قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) يدل على أنه لا معبود إلا الله، ومتى كان الأمر كذلك ثبت أنه لا إله إلا الله، فقوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) يدل على التوحيد المحض"([40]).

7- قوله رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (لاَّ إله إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ): "أي سبحانه من أن يكون له شريك في الأمر والتكليف، وأن يكون له شريك في كونه مسجوداً [له] ومعبوداً، وأن يكون له شريك في وجوب نهاية التعظيم والإجلال"([41]).

8- قوله رحمه الله: "لما بين في قوله: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ) أن هذا الكتاب مشتمل على الحق والصدق والصواب، أردفها بعض ما فيه من الحق والصدق؛ وهو أن يشتغل الإنسان بعبادة الله تعالى على سبيل الإخلاص، ويتبرأ عن عبادة غير الله تعالى بالكلية، فأما اشتغاله بعبادة الله تعالى على سبيل الإخلاص فهو المراد من قوله تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً)، وأما براءته من عبادة غير الله تعالى فهو المراد بقوله: (أَلاَ لِلَّهِ الدّينُ الْخَالِصُ)؛ لأن قوله: (أَلاَ لِلَّهِ) يفيد الحصر"([42]).

9- قول الإمام أبي إسحاق الشاطبي الأشعري: "كل علم شرعي فطلب الشارع له إنما يكون من حيث هو وسيلة إلى التعبد به لله تعالى، لا من جهة أخرى, فإن ظهر فيه اعتبار جهة أخرى؛ فبالتبع والقصد الثاني، لا بالقصد الأول، والدليل على ذلك أمور:

أحدها: ما تقدَّم في المسألة قبل أن كل علم لا يُفيد عملا؛ فليس في الشرع ما يدلُّ على استحسانه...

والثاني: أن الشرع إنما جاء بالتعبُّد، وهو المقصود من بعثة الأنبياء عليهم السلام؛ كقوله تعالى: ... (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ) [هود: 1-2]، ... (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 25]. ...، وما أشبه ذلك من الآيات التي لا تكاد تُحصى، كلها دال على أن المقصود التعبد لله، وإنما أُتوا بأدلة التوحيد ليتوجهوا إلى المعبود بحق وحده، سبحانه لا شريك له، ولذلك قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) [محمد: 19]...، ومثله سائر المواضع التي نص فيها على كلمة التوحيد، لا بد أن أُعقبت بطلب التعبد لله وحده، أو جُعل مقدمة لها، بل أدلة التوحيد هكذا جرى مساق القرآن فيها: ألا تُذكر إلا كذلك؛ وهو واضح في أن التعبد لله هو المقصود من العلم"([43]).

والإمام الشاطبي رحمه الله على مذهب الأشاعرة، كما هو واضح من رصد آرائه العقدية في كتبه، وقد كتب أحد الباحثين "السلفيين" بحثا تتبع فيه المواطن التي خالف فيها الشاطبي آراء الحنابلة في العقيدة، وسماه (الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام)، و"حقق" فيه "أنه أشعري المعتقد...، ومرجعه في أبواب الاعتقاد هي كتب الأشاعرة"([44]).

10- تفسير القاضي ناصر الدين البيضاوي قوله تعالى: (قل إني على بينة من ربي) بأن معناه: على بينة "من معرفته وأنه لا معبود سواه"([45]).

11- قول أبي عبد الله القرطبي في تفسيره: "فالله سبحانه معناه: المقصود بالعبادة، ومنه قول الموحدين: لا إله إلا الله، معناه لا معبود غير الله"([46]).

11- وقوله رحمه الله: "قوله تعالى: (لا إله إلا هو) نفى وإثبات؛ أولها كفر، وآخرها إيمان، ومعناه لا معبود إلا الله"([47]).

وأبو عبد الله القرطبي من أئمة الأشاعرة؛ يقول ابن تيمية في كتاب التسعينية: "قال المعظم لأبي المعالي، الناقل لكلامه أبو عبد الله القرطبي وهو من أكابر علماء الأشعرية"([48]).

12- قول القاضي أبي محمد بن عطية تعليقا على قوله تعالى: (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ). [الزمر: 6]: "وهذه الآيات كلها هي معتبر وتنبيه لهم على الخالق الصانع الذي لا يستحق العبادة غيره"([49]).

13- قول أبي العباس القرافي: "والإلهُ: الْمَعْبُودُ، وليس المراد نفيَ المعبود كيف كان [يعني في قولنا: (لا إله إلا الله)] لوجود المعبودين فِي الوجود كالأصنام والكواكب، بل ثَمّ صفة مضمرة؛ تقديرها: لا مَعْبُودَ مُسْتَحقٌ للعبادة إلا الله"([50]).

ولا يخفى على العارف بمذاهب العلماء في أصول الدين أن الإمام شهاب الدين أبا العباس القرافي من أعلام الأشاعرة، ومن طالع كتبه سيدرك أشعريته بيسر، ومن دلائل ذلك قوله في كتاب الذخيرة وهو يحكي مذاهب الناس في مسألة تصويب المجتهدين: "والثاني: قول من قال: كل مجتهد مصيب؛ وهو قول جمهور المتكلمين؛ ومنهم الأشعري والقاضي أبو بكر منا، وأبو علي وأبو هاشم من المعتزلة"([51])؛ فقد نسب نفسه إلى مذهب الأشعري وأبي بكر الباقلاني في قوله: (ومنهم الأشعري والقاضي أبو بكر منا).

14- قول إبراهيم اللقاني في شرح جوهرة التوحيد عند قوله: (على نبي جاء بالتوحيد  *  وقد عرى الدين عن التوحيد): "والمعنى أن الله أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بدعاء الخلق إلى عبادة الله وحده في حال تعدد الأديان وتفرقها؛ حتى استغربوا ذلك فقالوا: (أجعل الآلهة إلها واحدا)...، فدعاهم إلى عبادة الله وحده، وأمرهم بترك ما كانوا هم وآباؤهم عليه من عبادة الأصنام والأوثان، واعتقاد الولدية والصاحبية له تعالى"([52]).   

فهؤلاء عدد غفير من مشاهير أئمة الأشاعرة يذكرون في كتبهم في أصول الدين وفروعه وفي التفسير والحديث ما يسميه متأخرو الحنابلة "توحيد الألوهية"، ويقررون وجوبه، ويفسرون (الإله) بمعنى المعبود، وكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) بمعنى: لا معبود بحق سوى الله؛ فظهر غلط وتسرع من قال من "السلفيين": إن الأشاعرة لا يعرفون من التوحيد سوى توحيد الربوبية، ولا يعرفون من معنى (لا إله إلا الله) إلا أن معناها: لا خالق أو لا قادر على الاختراع إلا الله. وتبين مدى مجازفة سفر الحوالي منهم إذ قال: "أما التوحيد الحقيقي وما يقابله من الشرك ومعرفته والتحذير منه فلا ذكر له في كتب عقيدتهم إطلاقاً، ولا أدري أين يضعونه؟ أفي كتب الفروع ؟ فليس فيها. أم يتركونه بالمرة؟ فهذا الذي أجزم به"، فواضح أن الشيخ لم يطلع على كتب الأشاعرة كلها، إذ لو بحث وصبر على البحث لأوقفه البحث على النصوص الأشعرية التي أوردنا بعضها، وما كان ينبغي له –لو كان الورع حاديه فيما يكتب- أن يقطع بأن "التوحيد الحقيقي" "لا ذكر له في كتب عقيدتهم إطلاقا"، ولا أن ينفي وجوده في كتب الأشاعرة في الفروع ويجزم بأنهم يتركونه بالمرة، بل مقتضى الأمانة والورع أن يقول –إن كان لا بد فاعلا-: (لا ذكر له فيما وقفت عليه من كتبهم). 

الوجه الثاني: أنه لو فرض جدلا أن الأشاعرة لم يذكروا ما يسميه ابن تيمية توحيد الألوهية في كتبهم العقدية لم يكن ذلك عيبا منهجيا بحال؛ إذ هاهنا فرق بين (التوحيد) وهو الإيمان بوحدانية الله، وبين العمل بمقتضى التوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة.

فالتوحيد داخل في ماهية الإيمان بالله، الذي عده النبي صلى الله عليه وسلم أول أركان الإيمان في جوابه جبريل إذ سأله عن الإيمان؛ فقال: "أن تؤمن بالله".

والعمل بمقتضى التوحيد؛ وهو النطق بشهادة أن لا إله إلا الله، والإقرار بوجوب إفراد الله بالعبادة من الإسلام، لهذا لما سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام قال: "أن تشهد أن لا إله إلا الله..." إلخ؛ ففرق صلى الله عليه وسلم بين ما هو من ماهية الإسلام، وهو النطق بشهادة أن لا إله إلا الله، والعمل بمقتضاها وهو إفراد الله بالعبادة، وبين ما هو من ماهية الإيمان؛ وهو الإيمان بالله، ومن الإيمان به سبحانه: اعتقاد وحدانيته، ومن المعلوم أن الأشاعرة يفرقون بين الإيمان والإسلام، وكتبهم في العقيدة إنما وضعوها لتقرير مسائل الإيمان.

ففرْقٌ بين الإيمان بالصفة الإلهية وبين العمل بمقتضاها؛ فلو لزمهم أن يذكروا في كتب العقيدة توحيد الألوهية وهو العمل بمقتضى الإيمان بوحدانية الله، للزمهم أن يذكروا وجوب وكيفية العمل بمقتضى بقية الصفات الإلهية؛ كالسمع والبصر والقدرة .... 

الوجه الثالث: أنه لو فرض جدلا أن الأشاعرة لم يتعرضوا لقضية "توحيد الألوهية" في شيء من كتبهم لم يكن ذلك دليلا على أنهم يجهلونه ولا يعرفونه؛ فإن عدم التعرض لذكر قضية ليس دليلا على الجهل بها؛ أرأيت لو أن مصنفا ألف كتابا في العقيدة، ولم يأت فيه على ذكر الإيمان بالآخرة أو بعض تفاصيله أفيكون ذلك دليلا على جهل ذلك المصنف بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان بالآخرة؟ فإن كان الجواب أن لا، فكذلك من ألف في العقيدة ولم يذكر "توحيد الألوهية" لم يكن عدم ذكره له دليلا على أنه لا يعرفه.   

وقد ألف غير واحد من العلماء المنتسبين لعقيدة الإمام أحمد في مسائل العقيدة والتوحيد، ولم يذكروا في مصنفاتهم توحيد الألوهية ولا توحيد الربوبية.

فلو أخذت مثلا كتاب التوحيد لأبي إسحاق بن خزيمة رحمه الله وقرأته من الغلاف إلى الغلاف فلن تقف فيه لتوحيد الألوهية ولا لتوحيد الربوبية على أثر؛ إذ كل ما تناوله هو إثبات بعض الصفات الإلهية، وإثبات رؤية الله والشفاعة في الآخرة؛ فبعد أن بين في الخطبة سبب تأليف الكتاب عقد جملة أبواب لإثبات صفات الله التالية على الترتيب: صفة النفس، والعلم، والوجه، والعين، والسمع، واليد، والأصابع، والرجل، والاستواء، والعلو، والنزول، والكلام، والضحك، ثم تناول في باقي أبواب الكتاب مسألتي الرؤية والشفاعة، وختم الكتاب ببابين؛ أحدهما في ذكر موضع العرش قبل خلق السماوات، والثاني ضمنه مستدركاتٍ ملحقةً بما تقدم من الأبواب.

أما وحدانية الله في ألوهيته وكذا في ربوبيته فلم يذكر شيئا بشأنها، مع أن مصنفه يحمل اسم كتاب التوحيد؛ فهل يجرؤ "سلفي" أن يقول عن ابن خزيمة: إنه لم يعرف التوحيد الذي بعث الله به رسله بسبب أنه لم يذكر في كتابه "توحيد الألوهية"؟

الوجه الرابع: أن الزعم بأن علماء الأشاعرة وهم معظم علماء المسلمين المبلغين دين الله عن الله لا يعرفون التوحيد الذي بعث الله به الرسل، ويجهلون معنى لا إله إلا الله منكر من القول لا يحل لمسلم التفوه به. وإنَّ نكارته لتغني عن تكلف الرد عليه، ويكفيك لتدرك شناعة هذا الزعم أن معظم المفسرين والفقهاء والأصوليين وشراح الحديث من الأشاعرة؛ فهل يعقل أن يقال عنهم إنهم لا يعرفون التوحيد الذي بعث الله به الرسل؟ هل من الدين أن يجازف المرء بزعم أن عالم المسلمين في وقته أبا بكر الباقلاني، وراوية البخاري أبا ذر الهروي، وإمام الحرمين أبا المعالي الجويني، والإمام المحدث أبا بكر البيهقي، وعالم المغرب القاضي عياض السبتي، والقاضي أبا محمد بن عطية الأندلسي، والقاضي أبا بكر بن العربي المعافري، وأبا بكر الطرطوشي، والإمام أبا عبد الله القرطبي، وأبا العباس القرطبي، والإمام يحيى بن شرف الدين النووي، والحافظ صلاح الدين العلائي، وتلميذه الحافظ أبا عمرو بن الصلاح، وسلطان العلماء العز بن عبد السلام، والسلطان الفاتح صلاح الدين الأيوبي، والفقيه الأصولي شهاب الدين القرافي، والإمام المجدد أبا إسحاق الشاطبي، والمحدث بدر الدين بن جماعة، والأصولي بدر الدين الزركشي، والعالم الموسوعي جلال الدين السيوطي...، وغيرهم من علماء أهل السنة المتمذهبين بمذهب الأشاعرة في الأصول لا يعرفون التوحيد الذي بعث الله به الرسل، ويجهلون معنى كلمة (لا إله إلا الله)؟؟ من يعرف حقيقة التوحيد المطلوب الذي دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يعرفها هؤلاء؟

 



[1] عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، "المطلب الحميد في بيان مقاصد التوحيد+، ط. دار الهداية، الطبعة.1، (1411هـ/1991م)، ص: 340.

[2] عبد الرحمن المحمود، "موقف ابن تيمية من الأشاعرة+: 3/188-189.

[3] نفسه: 3/946.

[4] نفسه

[5] ابن تيمية، "التسعينية+، دراسة وتحقيق: محمد بن إبراهيم العجلان، ط. مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة.1، (1420هـ/1999م): 3/796.

[6] عبد الرحمن المحمود، "موقف ابن تيمية من الأشاعرة+: 3/949.

[7] نفسه: 3/974.

[8] الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة: 1/88.

[9] منهج الأشاعرة في العقيدة: تعقيب على مقالات الصابوني، ص: 20.  

[10]  ابن عثيمين، "تقريب التدمرية+، ط. مدار الوطن للنشر، المملكة السعودية، (1433هـ)، ص: 130-134.

[11]  أبو عبد الرحمن السيد بن أحمد المصري، "تفنيد أهل السنة والجماعة لمذهب الأشاعرة+، ط. مكتبة السنة، القاهرة، الطبعة.1، (1430هـ/2009م)، ص: 108.

[12]  نفسه، ص: 112.

[13]  أثر الفكر الاعتزالي في عقائد الأشاعرة: 2/504-505.

[14]  عبد الله بن حسين الموجان، "الرد الشامل على عمر كامل+، ط. مركز الكون، مكة المكرمة، الطبعة.1، (1427هـ/2006م)، ص: 101-102.

[15]  نفسه، ص: 101.

[16]  سليمان بن سحمان "الصواعق المرسلة الشهابية على الشبه الداحضة الشامية+، ط. دار العاصمة، الرياض، ص: 135.

[17]  عبد اللطيف بن عبد الرحمن، "البراهين الإسلامية في رد الشبهة الفارسية+، ط. مكتبة الهداية، الرياض، الطبعة.1، (1410هـ/1989م)، ص: 100.

[18]  درء تعارض العقل والنقل: 1/226.

[19]  إن المرء وهو يقرأ هذا الكلام لا يستطيع أن يمر عليه دون أن تستوقفه وتستفزه عبارة: "وهو أجود ما اعتصموا به من الإسلام في أصولهم+؛ فإنها كالتصريح بأن الأشاعرة لم يعتصموا بكل الإسلام، وإنما تمسكوا ببعضه دون بعض، وفي ذلك من البغي ومجانبة الاعتدال والإنصاف ما فيه، وبمثل هذه العبارات رسخ في نفوس أتباع ابن تيمية ـ ومنهم "السلفيون+ المعاصرون ـ بغض الأشاعرة واعتقاد ضلالهم، وخروجهم عن دائرة أهل السنة؛ وفي ذلك بغي وجور على السواد الأعظم من علماء المسلمين. 

[20]  كتاب التسعينية: 3/796-801.

[21]  معالم التنزيل: 4/183.

[22]  ابن تيمية، "الرد على الأخنائي واستحباب زيارة خير البرية+، تحقيق: عبد الرحمن بن يحيى الْمُعَلّمي اليماني، ط. المطبعة السلفية، القاهرة، (بلا تاريخ)، ص: 56.

[23]  أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، ط. دار الفكر، بيروت، (1415هـ/1995م): 6/363.

[24]  سُقَام: بضم أوله كغراب: موضع في وادي حِرَاض بالحجاز، كانت قريش قد حمته للعزى، يضاهون به حرم الكعبة. كذا في معجم البلدان، لياقوت الحموي،  باب (السين والقاف وما يليهما).

قال أبو خِراش الهذلي: أمسى سُقامٌ خَلاءً لا أنيسَ به  *  غيرُ الذّئاب ومَرَّ الريح بالغَرِف.

[25]  جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ط. مؤسسة الرسالة، الطبعة.1، (1420هـ/2000م): 21/294.

[26]  تفسير القرآن العظيم: 3/700.

[27]  إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، تحقيق: محمد حامد الفقي، ط. دار المعرفة، بيروت، الطبعة.1، (1395هـ/1975م): 1/359.

[28]  الحافظ ابن حجر، "الإصابة في تمييز الصحابة+، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط. مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية، القاهرة، الطبعة.1، (1429هـ/2008) :13/414.

[29]  أبو السعود محمد بن محمد العمادي، "إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم+، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت، (بلا تاريخ):9/43.

[30]  أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب: بيان كفر من قال: مطرنا بالنوء، رقم (228)، والبخاري في كتاب الصلاة، باب: يستقبل الإمام الناس إذا سلم، رقم (810).

[31]  الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، تحقيق: سالم محمد عطا، ومحمد علي معوض، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة.1، (1421هـ/2000م): 2/438.

[32]  التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي، و‏محمد عبد الكبير البكري، ط. وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، (1397هـ): 24/380.

[33]  شرح النووي على مسلم: 2/248.

[34]  كتاب الإنصاف، ص: 32-33.

[35]  (لا يُكَفِّرُ له): أي لا يسجد له، وكذا قوله بعد: (عوضا من تَكْفِيره بين يديه)؛ أي من سجوده؛ في أساس البلاغة للزمخشري، مادة (كفر): "وكَفَّر العِلْجُ للملك تكفيرا: إذا أومأ إلى السجود له+.

[36]  تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، للحافظ ابن عساكر الدمشقي، ط. دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة.3، (1404هـ)، ص: 218.

انظر القصة أيضا في ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض، تحقيق مجموعة محققين؛ منهم محمد بنشريفة، وابن تاويت الطنجي، ط. مطبعة فضالة، المحمدية، المغرب، الطبعة.1، صدر المجلد 7 سنة (1982): 7/61-62. والكامل في التاريخ، لابن الأثير، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة.1، (1407هـ/1987م): 7/401. والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم، لأبي الفرج بن الجوزي، ط. دار صادر، بيروت، الطبعة.1، (1358): 7/256. والبداية والنهاية، لأبي الفداء إسماعيل بن كثير، ط. مكتبة المعارف، بيروت، (بلا تاريخ): 11/350.

[37]  الأسماء والصفات: 1/58.

[38]  الملحة في اعتقاد أهل الحق، مطبوع ضمن رسائل في التوحيد، تحقيق: إياد خالد الطباع، ط. دار الفكر المعاصر، بيروت، ودار الفكر، دمشق، الطبعة.1، (1415هـ/1995م)، ص: 13-14.

[39]  أبو محمد عز الدين بن عبد السلام، "الإمام في بيان أدلة الأحكام+، تحقيق: رضوان مختار بن غربية، ط. دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة.1، (1407هـ/1987م)، ص: 168-169.

[40]  فخر الدين الرازي، "مفاتيح الغيب+، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة.1، (1421هـ/2000م): 1/148.

[41]  نفسه: 16/31.

[42]  نفسه: 26/209.

[43]  الموافقات، تعليق مشهور حسن. ط ابن عفان، الخبر-السعودية، الطبعة.1، (1417هـ/1997م): 1/73-75.

[44]  الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام، ص: 2.

[45]  أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ط. دار الفكر، بيروت، (بلا تاريخ): 2/414.

[46]  الجامع لأحكام القرآن، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت، (1405هـ/1985م): 1/103.

[47]  نفسه: 2/191.

[48]  التسعينية: 3/902.

[49]  المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة.1، (1413هـ/1993م): 4/590.

[50]  الذخيرة، تحقيق: محمد حجي، وآخرَيْن، ط. دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة.1، (1994م): 2/57.

[51]  نفسه: 1/145.

[52]  برهان الدين اللقاني، "عمدة المريد لجوهرة التوحيد+، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة.1، (1436هـ/2015م): 1/108-109.

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. الحمد لله على تمام البحث في المسألة، فقد أخذت وقتا طويلا وتطلبت جهدا كبيرا. جعل الله العمل خالصا.

    ردحذف

إرسال تعليق

اكتب تعليقا تراه مشجعا أو مفيدا

التنقل السريع