الآفاق الدراسية والمهنية
لخريج نظام التعلم العتيق بالمغرب
(Antique education in Morocco)
بقلم: د. الحسين بودميع
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العلمين، عليه أتوكل وبه أستعين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه.
أما بعد
فإن الغاياتِ المنشودةَ من نظام التعليم العتيق تتجاوز بكثير المآرب الفردية الخاصة؛ فالتعليم العتيق في المغرب يراد منه أن يكون حصنا منيعا يحمي ثوابت الأمة وهويتها الدينية واللغوية، ويحفظ تراثها العلمي والحضاري؛ عن طريق الاستمرار في تكوين وإعداد أجيال من العلماء المتمكنين من علوم الشريعة وعلوم اللسان العربي القادرين على حملها لمن بعدهم؛ حفظا لها من الدروس والانمحاء، وحرزا لهوية الأمة من التلاشي والاضمحلال تحت ضغط الثقافات الوافدة.
ولكن لا يمنع من تحقق هذه المرامي والأهداف: أن تكون لطالب العتيق مطامح فردية وتطلعات شخصية ينشد تحصيلَها من خلال سلوك درب هذا النظام التعليمي، الذي صار يفتح أمام الطالب آفاقا دراسية ومهنية واعدة بعد أن عمِلَتْ الدولة مشكورة على تجسير ما بينه وبين التعليم العام؛ فما هي الآفاق الدراسية الجامعية التي تنفتح أمام الطالب الحاصل على باكالوريا التعليم العتيق؟ وما هي المسارات المهنية التي تتاح له بعد التخرج وإنهاء الدراسة الجامعية الأساسية وما بعدها؟
لمقاربة الجواب عن هذين السؤالين جاءت هذه المداخلة إسهاما في توجيه وإرشاد طالب الشريعة والدراسات القانونية، وهو الهدف الذي ترومه هذه الندوة الوطنية التوجيهية، التي ينظمها مشكورا مركز المنار للدراسات القانونية والفقهية.
المحور الأول
الآفاق الدراسية لخريج التعليم العتيق
رجوعا إلى النصوص التشريعية ذات الصلة، وتأسيسا على الاختيارات الأكاديمية الفعلية لخريجي التعليم العتيق من الأفواج السابقة تبين أن باكالوريا التعليم العتيق تتيح لحاملها كل الخيارات الدراسية المتاحة أمام حاملي باكالوريا القطب الأدبي والأصيل من التعليم العام؛ حيث يمكنه ولوج كل المؤسسات الجامعية غير العلمية، ومتابعة الدراسة فيها إلى مرحلة الدكتوراه.
ومن النصوص التشريعية المشار إليها قانون التعليم العتيق مثلا؛ فقد جاء في مادته 17:
"يقبل تلاميذ وخريجو مؤسسات التعليم العتيق الناجحون في سنة من سنوات طور من أطوار التعليم الابتدائي أو الإعدادي أو الثانوي، لمتابعة الدراسة في السنة الموالية من نفس الطور أو الطور الموالي بمؤسسات التعليم العمومي مع اعتماد المرونة في اعتبار شرط السن في حقهم".
والمؤسساتُ المتاحُ ولوجُها لخريج العتيق صنفان:
الصنف الأول: المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح؛ وهي:
ـ كليات الآداب والعلوم الإنسانية بكل شعبها.
ـ كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، شعبة القانون.
ـ كليتا الشريعة.
ـ كلية أصول الدين.
ـ كلية العلوم الشرعية.
الصنف الثاني: المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المحدود وهي المؤسسات التي لا يلجها الطالب إلا بعد انتقاء واجتياز مباراة الولوج؛ مثل:
ـ المؤسسات التابعة لجامعة القرويين؛ كمعهد القراءات والدراسات القرآنية، ومؤسسة دار الحديث الحسنية، ومدرسة العلوم الإسلامية بالدار البيضاء، وجامع القرويين بمختلف مسالك الدراسة فيه (النهائي العتيق، وسلك العالمية العليا، ومسلك الخط العربي).
ـ معاهد التعليم العتيق التي تضم طور التعليم النهائي العتيق؛ كمعهد الشيخ خليل ببني ملال، ومعهد الإمام مالك بطنجة، ومعهدي أبي بكر الصديق وفاطمة الفهرية بفاس...
وإذا كان تلميذ التعليم العتيق لا يمتاز عن تلميذ التعليم العام من الناحية القانونية فيما يتعلق بولوج هذه المؤسسات؛ فإن تلميذ العتيق –متى كان متميزا في دراسته- يمتاز عن غيره من ناحية الأهلية للدراسة الجامعية:
ـ أولا: بأن حظوظه أوفر من حظوظ غيره في ولوج المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، بسبب استيفائه شرط حفظ القرآن الذي يشترط في المترشحين لها.
ـ ثانيا: بأنه أكثر أهلية للتميز دراسيا في التخصصات الشرعية والعربية، ومن ثم للقبول في تكوينات الماستر والدكتوراه؛ وذلك بفضل التكوين الكثيف الذي تلقاه في مراحل التعليم العتيق في علوم العربية والعلوم الشرعية والذي يمتاز في الغالب بالشمول والاستيعاب.
المحور الثاني
الآفاق المهنية لخريج التعليم العتيق
الآفاق المهنية المفتوحة في وجه طالب التعليم العتيق هي ذاتها الآفاق المهنية المتاحة لجميع خريجي المؤسسات الجامعية غير العلمية في التعليم العام، حيث تتيح له الشهادة الجامعية المسلمة من إحدى المؤسسات المذكورة:
1ـ الترشح لوظيفة التعليم بكل أطواره؛ معلما في المرحلة الابتدائية، وأستاذا للغة العربية أو التربية الإسلامية في الطور الإعدادي أو الثانوي، وأستاذا للتعليم العالي في الدراسات العربية أو الإسلامية أو القانونية.
2ـ الترشح لبعض الوظائف التي تعلنها وزارة الأوقاف في الإرشاد الديني أو التعليم العالي.
3ـ الترشح لبعض وظائف وزارة العدل؛ كخطة العدالة، أو المحاماة، أو القضاء.
فطالب التعليم العتيق لا يختلف عن خريج التعليم العام من جهة قانونية الترشح والولوج إلى هذه الوظائف، وإن كان طالب العتيق قد يفوق في أهليته لبعضها الطالبَ العادي.
ويبقى الحديث عن القيمة القانونية لشهادة العالمية التي تسلمها معاهد التعليم العتيق لطلابها بعد إنهاء الطور النهائي من التعليم العتيق؛ هل هي معترف بها؟ وهل تتيح لحاملها حقا في ولوج الوظيفة العمومية؟
الجواب في إشهاد صادر عن وزير الأوقاف تحت رقم 09، ، بتاريخ 17 يونيو 2014، ونصه: "بناء على القانون 1301 في شأن التعليم العتيق...، وبناء على منشور الوزير الأول رقم 2007/18؛ بتاريخ 19 شتنبر 2007 في موضوع إدماج حملة شهادة العالمية في التعليم العتيق في الإدارات العمومية؛ يشهد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بأن شهادة العالمية شهادة وطنية، تطابق مدةُ الدراسة بها مدةَ تحضير الإجازة الوطنية، وتخول لحاملها نفسَ الحقوق التي يتمتع بها حاملُ الإجازة الوطنية المسلمةِ من الجامعات لمغربية+.
فهذا الإشهاد المستند إلى المراجع القانونية المذكورة يؤكد أن شهادة العالمية –مع تميزها الاعتباري- لا تختلف قانونيا عن شهادة الإجازة العادية.
ومما يفسر ذلك ما جاء مثلا في قانون خطة العدالة الحالي رقم 16.03 الصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 2 مارس 2006؛ حيث نصت المادة 9 منه على ما يلي: "يعفى من المباراة ومن الامتحان المهني مع وجوب قضاء فترة تمرين لمدة ثلاثة أشهر بمكتب عدلي:
ـ قدماء القضاة الذين زاولوا مهامهم بهذه الصفة مدة 5 سنوات على الأقل.
ـ حملة شهادة العالمية المسلمة من جامعة القرويين.
ـ حملة شهادة الدكتوراه المحصل عليها بالمغرب من دار الحديث الحسنية أو من إحدى كليات: الشريعة، أو اللغة العربية أو أصول الدين، أو الآداب- فرع الدراسات الإسلامية – أو الحقوق – فرع القانون الخاص أو القانون العام+.
فقد جاء فيه إعطاء حملة شهادة العالمية ذات القيمة القانونية المعطاة لحملة باقي الشهادات المماثلة؛ من تمكينهم من ولوج وظيفة العدالة، وتمييزهم بالإعفاء من المباراة والامتحان المهني عند الولوج لها.
خاتمة
هكذا نرى أن خريج التعليم العتيق تنفتح أمامه –ككل طالب مغربي- أفاق واعدة؛ دراسيا في مختلف التخصصات المعرفية الملائمة، ومهنيا في مختلف مجالات الوظيفة العمومية؛ وهي النتيجة المتوخى وضعها بين يدي حاملي باكالوريا التعليم العتيق من خلال هذه المداخلة.
وفق الله الجميع لكل خير، وشكر للقائمين على الندوة إشرافا ودعما وتخطيطا جهودهم، والسلام عليكم ورحمة الله.
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقا تراه مشجعا أو مفيدا