القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المنشورات

التعبد بذبح الأضحية (Al Odhia): الفريضة الغائبة


 

        التعبد بذبح الأضحية: الفريضة الغائبة  

بقلم: د. الحسين بودميع

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله المتفرد بالإيجاد والإمداد، المستحق للخضوع والانقياد على جهة الانفراد، وصلى الله على خير من خضع لله وانقاد، محمد سيدنا وسيد كل العباد، وعلى آله وصحبه خير الصحب والناد، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والتناد.

وبعد؛  

فمن قواعد الشرع المسلمة أن الأمور بمقاصدها، والأعمال معتبرة بنيات أهلها العاملين لها؛ فرب عادة محضة قلبتها النية عبادة خالصة، يثاب على فعلها، ورب قربة متمحضة للتعبد بها صيرتها النية عادة من العوائد الموروثة، ومعلوم أن الأجر والثواب يعدم عن ممارسة الشعائر متى خلت عن ضابط التعبد بفعلها.

فطبيعة القصد بالعمل واحتساب الأجر عليه وعدمه هو المفرق بين العادة والعبادة، والفيصل بين ما يثاب عليه من ذلك وما لا ثواب فيه.

وقد كان الرعيل الأول من المسلمين ومن اقتفى أثرهم –لفرط تجرد قصودهم لله- يلتمسون بالعمل لدنياهم طريقا إلى الجنة؛ فتصير كل أعمالهم وحركاتهم لذلك عبادة يؤجرون عليها.

ولما طال العهد على الناس، ونسوا مقاصد الشرائع، وتمسكوا برسومها، صار ما محضه الشرع لتعبد الله به من الشعائر عادةً من العادات الخالصة.

ومن الشعائر التي يغيب فيها قصد التعبد لدى كثير من الناس في وقتنا: شعيرة ذبح الأضحية.

فقد أصبحت هذه الشعيرة العظيمة لدى معظم الناس –بحكم الإلف والاعتياد، وبسبب الذهول عن قصد الشارع من الندب إليها- مجرد احتفال موروث بالذبح، واستمتاع عادي بازدراد اللحم، دون أدنى استحضار للغرض من تشريعها، وهو التقرب بقربة الذبح إلى الله، والتماس ما في نحرها من الثواب الجزل.

وقد نبه صاحب الشرع r إلى الفرق بين الأضحية (=العبادة)، واللحم يقدمه أحدنا لأهله (=العادة)؛ ففي صحيح البخاري عن البراء بن عازب t قال: سمعت النبي r يخطب فقال: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ؛ فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ [يعني قبل الصلاة] فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ يُقَدِّمُهُ لِأَهْلِهِ؛ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْء»([1]).

وأرشد إلى أن إسالة دم الحيوان بالذبح تعبدا من أحب القرابين إلى الله؛ كما في جامع الترمذي عن أبي بكر الصديق t أن رسول الله r سئل: أي الحج أفضل؟ [وعند ابن ماجة: أي الأعمال أفضل]؟ قال: «الْعَجُّ وَالثَّجُّ»([2]). و(العج) و(العجيج) في اللغة: مَلْء المكان بالصوت، و(الثج) لغة: الصب، ومنه: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا). [سورة النبأ: 14]؛ لهذا تطابقت كلمة الشراح على أن (العج) في الحديث معناه: رفع الصوت بالتلبية، و(الثج) معناه: إسالة الدم بذبح الهدي والأضاحي.    

ومن مظاهر غياب التعبد بالأضحية في سلوك أغلب المسلمين الآن:

 

 ادخل على الرابط إن أحببت متابعة الموضوع مسموعا

1- التباهي بكبش العيد، والمغالاة فيه؛ ضمنا من الكبار، وتصريحا من الصغار ومن بعض النسوان؛ فتسمع من يفاخر الجيران وأفراد العائلة ويكاثرهم بقوله: كبشنا أسمن وأكبر من كبشكم، خروفنا أجود وأغلى من خروفكم...، فلو استحضر الناس أنها شعيرة تعبدية يتقرب بها إلى الله كالصلاة والصوم، لأدركوا أن لا معنى للتكاثر بها؛ لأن الناس عادة لا يباهي بعضهم بعضا بأعمال الآخرة.

2- التزام كل الأسر بذبحها، مهما بلغ فقرها وعجزها؛ حتى ترى من الناس من يقترض ثمنها من المؤسسات الربوية، فيرتكب الحرام ليتمكن من إتيان سنة مستحبة، وترى منهم من يضطر لبيع ما لا يستغني عنه من أثاث منزله وملابسه وأفرشته، فيتنازل عما لا يعذر بتركه من لوازم عيشه، ليقدر على فعل ما ليس بواجب؛ كل ذلك لدفع معرة ترك ذبح الأضحية عن نفسه وأهله.

ولو استحضر الناس أن الأضحية عبادة محضة ككل العبادات، لعذروا العاجز عنها، كما يعذرون العاجز عن غيرها من العبادات؛ لما تقرر من رفع التكليف بما لا يطاق.

 

 

 

3- عدم التقيد بأحكام الذبح، وقلة الاكتراث بمعرفتها، وسؤال أهل الذكر عنها؛ فتذبح غير المستوفية للشروط، متى كانت صالحة للتباهي بها، ويذبح البعض قبل الصلاة؛ ويذبحها البعض من غير أن يذكر اسم الله عليها عمدا أو استخفافا.

إلى ما سواها من المظاهر التي يدرك من يلحظها بيسر أن الناس في غالبهم قد نسوا القصد الشرعي من تشريع الأضحية، وذهلوا عن البعد التعبدي فيها؛ مما يجعل تذكير الناس بضرورة استحضار قصد التعبد في نحر الأضاحي أمانة في ذمة الدعاة وخطباء الجُمَع والأعياد وغيرهم، لأن من سبل إحياء الدين في نفوس الناس تنبيههم إلى ملاحظة المقاصد والمعاني، وعدم الوقوف عند الرسوم عند أداء الشعائر وتطبيق الشرائع.

وعلى الله قصد السبيل.

 



[1]  صحيح البخاري، كتاب الأضاحي، باب الذبح بعد الصلاة، رقم: (5240).

[2]  جامع الترمذي، أبواب الحج، باب ما جاء في فضل التلبية والنحر، رقم: (827)، وسنن ابن ماجه، كتاب الناسك، باب رفع الصوت بالتلبية، رقم (2924)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، رقم (827).

تعليقات

التنقل السريع