أدلة فرضية الجذور اللاهوتية
للانحياز الغربي لـ "إسرائيل"
(Evidence for the Theological Roots Hypothesis
Western bias towards "Israel")
الحلقة الأخيرة
بقلم د. الحسين بودميع
يستند الطرح الذي يرى أن الانحياز الغربي لـ "إسرائيل" ذو أساس لاهوتي، إلى جملة من الأدلة، تم استخلاصها من تتبع جذور الصهيونية في التاريخ الغربي، ورصد أهداف وأنشطة ومواقف المنظمات الأصولية المسيحية، وتحليل خطابات الزعماء السياسيين والدينيين من اليهود والمسيحيين وتصريحاتهم بشأن الصراع في فلسطين، ورصد تأثير الدين في الثقافة الشعبية، وفي الحياة الخاصة والعامة للزعماء وصانعي القرار في الغرب؛ ومن هذه الأدلة:
الدليل الأول: تجلي البواعث الدينية لدعم "إسرائيل" في تصريحات ومواقف وأنشطة الزعماء السياسيين والدينيين في الغرب.
ويمكن تصنيف تجليات البواعث الدينية هذه إلى صنفين:
الصنف الأول: صنف يعكس الاعتقاد القائل بحتمية بناء "إسرائيل"، وبحق اليهود تاريخيا ودينيا في أرض فلسطين، ومن ثم وجوب تمكينهم منها.
وقد انعكس هذا المعتقد منذ قرون ولا يزال في خطابات وأهداف وأنشطة كثير من المنظمات والزعماء والأفراد العاديين من المسيحيين الغربيين؛ فقد أسس عالم اللاهوت البريطاني توماس برايتمان (1562م/1607م) مع «عدد من المسحيين البروتستانت.. حركة تدْعى (حركة العودة)، وهي حركة منطلقة من إيمان المسيحيين بعودة اليهود إلى فلسطين، وقد اعتقد رواد هذه الحركة أن على العالم أن يساعد اليهود في استعادة فلسطين»([1]).
وبعث المسيحيان الإنجليزيان (جوانا) و (إبنزر كارترايث) عام 1649م من أمستردام، إلى الحكومة الإنجليزية استعطافا جاء فيه: «ليكن شعب إنجلترا وسكان الأرض المنخفضة (هولاندا)، أول من يحمل أبناء وبنات إسرائيل على سفنهم إلى الأرض التي وعد بها أجدادهم: إبراهيم وإسحاق ويعقوب، لتكون إرثهم الأبدي»([2]).
ووجه نابليون بونبارت خلال حملته على الشرق إلى يهود العالم خطابا، يدل على المدى الذي وصل إليه تأثير الثقافة اليهودية ونبوءات العهد القديم على مسيحيي الغرب شعوبا وقادة، ونص الخطاب:
«من نابليون القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسية في إفريقيا وآسيا.
إلى ورثة فلسطين الشرعيين.
أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد، الذين لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبهم اسمهم ووجودهم القومي، وإن كانت قد سلبتهم أرض الأجداد فقط.
إن مراقبي مصائر الشعوب الواعين المحايدين ـ وإن لم تكن لهم مواهب المتنبئين؛ مثل إشعياء ويوئيل ـ قد أدركوا ما تنبأ به هؤلاء بإيمانهم الرفيع من دمار وشيك لمملكتهم ووطنهم، أدركوا أن عتقاء الله سيعودون لصهيون وهم يغنون، وسيولد الابتهاج بتملكهم لإرثهم دون إزعاج فرحا دائما في نفوسهم.
انهضوا إذن بسرور أيها المبعدون، إن حربا لم يشهد لها التاريخ مثيلا، تخوضها أمة دفاعا عن نفسها بعد أن اعتبر أعداؤها أرضها التي توارثوها عن الأجداد غنيمة تقسم بينهم حسب أهوائهم.. ولئن كان الوقت والظروف غير ملائمة للتصريح بمطالبكم .. فإن فرنسا تقدم لكم إرث إسرائيل، في هذا الوقت بالذات، وعلى عكس جميع التوقعات.
إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به، والذي يقوده العدل ويواكبه النصر، جعل القدس مقرا لقيادتي، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة التي لم تعد ترعب مدينة داود.
يا ورثة فلسطين الشرعيين ...
سارعوا، إن هذه هي اللحظة المناسبة ـ التي قد لا تتكرر لآلاف السنين ـ للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم، تلك الحقوق التي سلبت منكم لآلاف السنين وهي وجودكم السياسي كأمة بين الأمم، وحقكم الطبيعي المطلق في عبادة يهوه، طبقا لعقيدتكم، علنا وإلى الأبد»([3]).
فهذا الخطاب الذي أكد فيه نابليون على "الحق اليهودي" في فلسطين استنادا إلى الوعود والنبوءات التوراتية، مهما قيل في دوافعه السياسية، من أن نابليون وظف فيه الخطاب الديني، وعزف فيه على وتر الأمل اليهودي التاريخي في "العودة" إلى فلسطين، لاستمالة اليهود إلى المشاركة في حروبه، أو أنه بالتحديد «حاول الاستعانة باليهود عند حصاره لمدينة عكا في فلسطين»([4])؛ فإنه - كما يقول سالو بارون - «مؤشر على مدى شحن الجو الأوربي بالتوقعات المتعلقة بالمسيح المنتظر»([5]).
ومن تجليات البواعث الدينية في مواقف الزعماء المسيحيين، أن القس الأمريكي وليام بلاكستون قاد حملة لجمع توقيعات على عريضة قدمها عام 1891م للرئيس الأمريكي بنيامين هارسون، للمطالبة بالمساعدة على "إعادة" فلسطين لليهود، وقعها رجال دين، وقضاة، وأعضاء في الكونجرس؛ ومما جاء في العريضة: «لماذا لا نعيد فلسطين لهم [أي لليهود]، إنها وطنهم حسب توزيع الله للأمم، وهي ملكهم الذي لا يمكن تحويله لغيرهم...، لماذا لا تعيد الدول التي أعطت بموجب معاهدة برلين عام 1878 بلغاريا للبلغاريين، والصرب للصربيين، فلسطين لليهود؟»([6]).
وقال القس جون جي ديجل عضو الكونجرس الأمريكي عن ولاية ميشيغان، وهو يتحدث إلى جمع من الصهاينة المسيحيين: «لقد تعلمت دائما أن أعتقد بأن فلسطين وطن الأجداد التاريخي الذي وهبه الله لليهود، وتعلمت كذلك أن الله قضى بأن يعود يهود العالم إلى وطنهم يوما ما»([7]).
وأسست السيدة الأمريكية الثرية (بوبي هرومنس) في الشارع المقابل للسفارة "الإسرائيلية" بكاليفورنيا «كنيسة حيث يتمكن مسيحيون من كبار موظفي الحكومة الأمريكية من أداء الصلاة مرة كل ثلاث ساعات، وعلى مدار الساعة من أجل فداء (ملكية إسرائيل) كل الأرض من النيل إلى الفرات»([8]).
لأن هذه المرأة مثل ملايين الأمريكيين «تعتقد أن الله أعطى كل الأرض المحددة في الإصحاح 15 [من سفر التكوين] إلى يهود القرن العشرين»([9]).
والمراد بما جاء في الإصحاح 15 من سفر التكوين حول الأرض؛ قول الرب لإبراهيم كما يزعم كاتب السفر: «لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات»([10]).
وقال مؤسس (السفارة المسيحية الدولية)، وهي من منظمات الصهيونية المسيحية تأسست عام 1980، بحضور أكثر من ألف رجل دين مسيحي يمثلون 23 دولة، ويوجد مقرها الرئيسي بالقدس المحتلة، قال مؤسسها معبرا عن هويتها: «نحن صهاينة أكثر من الإسرائيليين أنفسهم [وإن] القدس هي المدينة الوحيدة التي تحظى باهتمام الله، وإن الله قد أعطى هذه الأرض لإسرائيل إلى الأبد»([11]).
وجاء في بيان هذه المنظمة بعد مؤتمرها الأول، الذي حرصت على عقده في نفس القاعة التي عقد فيها هرتزل قبل أربعين عاما المؤتمر الأول للحركة الصهيونية: «إن حق إسرائيل في كل فلسطين، هو "حق توراتي"، وإن على العرب توطين الفلسطينيين في الدول العربية، ودعت مجلس الكنائس العالمي في جنيف إلى الاعتراف بالصلة التوراتية التي تربط بين الشعب اليهودي وبين "أرضه الموعودة"»([12]).
الصنف الثاني: صنف يعكس الارتباط الشرطي في عقيدة البروتستانت بين تجمع اليهود في فلسطين ونزول المسيح.
فمنذ بداية عهد "الإصلاح الديني" في أوروبا «ساد الاعتقاد بين البروتستانتيين أن اليهود المشتتين حاليا سيجمعون من جديد في فلسطين للإعداد لعودة المسيح المنتظر»([13]).
ذلك أن «التفسير الحرفي لنصوص سفر الرؤيا قادهم إلى الاستنتاج بأن عودة اليهود كأمة "إسرائيل" إلى فلسطين هي بشرى الألف عام السعيدة»([14]).
إذ «عند إعادة شعب إسرائيل إلى جبل صهيون في أورشليم..، حينها فقط يرى الناس مجيء المسيح إلى العالم ثانية»([15]).
وقد ذكر المؤرخ (سيلي ألدر) أنه منذ « فجر التاريخ الأمريكي كان هناك ميل مسيحي قوي للاعتقاد بأن مجيء المسيح المنتظر يجب أن ينتظر عودة الدولة اليهودية»([16]).
وأوضحت الكاتبة الأمريكية غريس هالسل -التي خبرت عن قرب عقائد الأصولية المسيحية- في كتابها (النبوءة والسياسة) أن «المسيحيين الإنجيليين.. يعتقدون.. أن اليهود شعب الله المختار، وأن عودة المسيح مرتبطة بعودة اليهود إلى إسرائيل، وبطرد أعداء إسرائيل»([17]).
ويكشف عن رسوخ هذا المعتقد في الوجدان الغربي ما تواتر عن زعماء الغرب السياسيين والدينيين، وكذا الأفراد العاديين من تعليل وجوب وحتمية تمكين اليهود من أرض فلسطين، بمحورية دورهم في "خطة الخلاص الإلهي" للمسيحيين، التي ستتوج بعودة المسيح، وإقامة مملكة سعيدة من القدس تمتد لألف سنة، وتنتهي بدخول المسيحيين مع المسيح إلى الفردوس الأبدي.
فقد نشر المستشار القانوني لملك بريطانيا عام (1621) أول مشروع دولي "لإقامة إمبراطورية للأمة اليهودية" بعنوان: (الاستعادة العظمى العالمية)، و«طالب فيه الأمراء المسيحيين بجمع قواهم لاستعادة هذه الإمبراطورية، لأجل عودة المسيح المخلص»([18]).
وأعلن القائد العسكري والسياسي البريطاني أوليفر كرومويل (1599 -1658): «أن الوجود اليهودي في فلسطين هو الذي يمهد للمجيء الثاني للمسيح»([19]).
وهذا اللورد البريطاني أنطوني كوبر شافتسبري (1801-1885).. شقيق زوجة رئيس الوزراء البريطاني بالمرستون، وزعيم حزب الإنجيليين البريطانيين، كان ينظر «إلى اليهود على أنهم يلعبون دورا رئيسيا في الخطة الإلهية حول المجيء الثاني للمسيح، وكما فسر النصوص؛ فإن المجيء الثاني للمسيح سيتحقق فقط عندما يكون اليهود يعيشون في إسرائيل المسترجعة، وانطلاقا من اعتقاده بأن عليه مساعدة الله لتحقيق الخطة الإلهية بنقل جميع اليهود إلى فلسطين؛ فإن اللورد كوبر جعل همه إقناع الإنجليز بأن اليهود (رغم أنهم غلاظ، قلوبهم سوداء، وغارقون في المعصية..) ضروريون بالنسبة للأمل المسيحي في الخلاص»([20]).
وبين اللورد شافتسبري في حوار مع كاتب سيرته (إدوين هودر) مدى تأثير نبوءة المجيء الثاني للمسيح في حياته، فقال: «إن التطلع إلى المجيء الثاني للمسيح، والإيمان بأنه سيحدث قد شكلا المبدأ المحرك والقوة الدافعة في حياتي ، نظرا لأني أنظر إلى كل ما يحدث في العالم باعتباره خاضعا لذلك الحدث العظيم، وفي مكانة ثانوية بالنسبة إليه»([21])، وفي يومياته كتب اللورد.. متسائلا: «لماذا لا نصلي من أجل المجيء الثاني آناء الليل وأطراف النهار..؟ »([22])، وفي تعليقه على ذلك النص من يوميات شافتسبري يقول هودر: «إنه طالما كانت عودة اليهود إلى فلسطين أمرا لا غنى عنه لتحقق ذلك المجيء الثاني "طبقا لما هو متنبأ به في العهد القديم"، فإن شافتسبري لم يخالجه ولو ظل من شك في أن اليهود يجب أن يعودوا، وأنهم عائدون لا محالة إلى أرضهم، ولذا فإن صلواته اليومية انصبت على تحقق ذلك الأمل»([23]).
وقالت جريس هالسل: «إن الإنجيليين التلفزيونيين يخبروننا باستمرار أن الدولة اليهودية تقدم لهم مكانا حيث يقابلون المسيح»([24]).
وقالت لها مسيحية أصولية كانت في صحبتها ضمن رحلة لفلسطين نظمها القس جيري فولويل: «إن المسيح لا يستطيع أن يعود ما لم تكن هناك إسرائيل يعود إليها»([25]).
وقال لها أصولي آخر أثناء نفس الرحلة متمنيا: «إنني أعتقد أن الإرهابيين اليهود سوف ينسفون الأماكن الإسلامية المقدسة، وأن ذلك سوف يتسبب في إثارة العالم الإسلامي، ودفعه لشن حرب مقدسة ضد لإسرائيل، مما يحمل المسيح على التدخل»([26]).
وأسست (بوبي هروماس) منظمة تدعى (الاتحاد المسيحي الأمريكي) بهدف جمع الأموال وإرسالها لشراء الأراضي من الفلسطينيين، لتوسيع المستوطنات اليهودية، وقد أفادت جريس هالسل أن السيدة هروماس أخبرتها: «أن الاتحاد خطط لجمع مئة مليون دولار لشراء أرض للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.. لقد أكدت أن ذلك سوف يساعد على تحقيق النبوءة التوراتية»([27]).
وتقدم الكنيسة التي ذكرتُ آنفا أن السيدة هروماس أسستها قبالة السفارة "الإسرائيلية" في أمريكا جملة من الأنشطة التوجيهية لروادها، منها الاستماع إلى مواد مسجلة حول المبررات اللاهوتية لضرورة دعم إسرائيل؛ قالت جريس هالسل: «دعيت مرة إلى أداء الصلاة في هذه الكنيسة، واستمعت إلى شريط مسجل للسيدة هروماس مدته 45 دقيقة، تشرح فيه ضرورة الحصول الآن على الأرض من الفلسطينيين، وتسليمها لليهود، وإلا.. فإننا نؤخر عودة المسيح»([28]).
وهكذا يتبين من تتبع مثل هذه المواقف أن الفكرة الصهيونية متجذرة في وجدان وثقافة الشعوب الغربية، وأن بذرتها انغرست ونبتت بين المسيحيين قبل نشوء الحركة الصهيونية اليهودية بقرون طويلة.
هذا ويكاد الدارسون يجمعون على أن جذور الصهيونية المسيحية تعود إلى الانقلاب الذي أحدثته حركة "الإصلاح الديني" في أوربا خلال القرن السادس عشر في نظرة المسيحيين إلى اليهود واليهودية، وفي بنية الديانة المسيحية؛ وهذا ما يوضحه:
الدليل الثاني: أن المسيحيين «كانوا قد بدأوا في نشر الفكرة الصهيونية عن الوعي القومي اليهودي الموجه نحو فلسطين قبل عقد المؤتمر الصهيوني الأول بثلاثة قرون»([29])؛ نتيجة التحول الذي أحدثه ما يسمى الإصلاح الديني في أوربا خلال القرن السادس عشر؛ فجذور الفكرة الصهيونية كانت منذ البداية دينية خالصة؛ وترجع جذورها بالتحديد إلى انقلابين جوهريين أحدثتهما حركة الإصلاح الديني في نظرة المسيحيين إلى اليهود وتراثهم الديني واللغوي:
أحدهما: تغيير نظرة المسيحيين إلى اليهود من وضع التدنيس إلى مقام التقديس.
فقد كان المسيحيون الأوربيون قبل عهد "الإصلاح" يعتقدون «أن الله إذا ما اختار اليهودي لأمر ما فإنه للعنة، فاليهود كانوا يعتبرون من الآثمين المارقين، ويوصمون بأنهم قتلة السيد المسيح، ولم يكن هناك ذرة من توارد عاطفي مع المجد القديم للجنس العبري»([30]).
وكانوا يرون «أن اليهود بقتلهم المسيح قد قتلوا الإله»([31])، ويعتقدون «أن اليهودي يطلب دم المسيحي لأغراض الطقوس الدينية، وأنه يسرق الأطفال المسيحيين، ويقتلهم لهذه الأغراض»([32])، كما كان اليهود «متهمين بالسيطرة على الاقتصاد، وبتسميم آبار المياه..، وفي هذا الإطار العام كانو معرضين لحلقات متكررة من العنف والطرد والقتل الجماعي»([33]).
و«كانت القسوة مع اليهود تعد مأثرة يمتدح المسيحيون بعضهم بعضا عليها»، كما يقرر المؤرخ جيمس هوسمر([34]).
ويروي المؤرخ اليهودي الفرنسي جول إزاك «أنه من المألوف إذا طلب طفل يهودي في المدرسة من طفل مسيحي أن يلعب معه، أن يرد عليه الطفل المسيحي قائلا: كلا، إنكم قتلتم المسيح»([35]).
وكان من الطقوس التي تعَوَّد عليها المسيحيون في أوربا في ذكرى صلب المسيح: «إحضار يهودي أوربي إلى الكنيسة أثناء الاجتماع ليصفعه أحد النبلاء المسيحيين أمام الجمع، إحياء لذكرى الضرب والإهانات التي تعرض لها السيد المسيح على أيدي اليهود»([36]).
ولكن هذا الوضع تغير تماما مع ظهور حركات "الإصلاح الديني" في القرن السادس عشر الميلادي؛ فـ«بعد الإصلاح أصبح المسيحيون الأروبيون أكثر اهتماما باليهود، وغيروا اتجاههم نحوهم»([37])، وتحول اليهود تدريجيا في الوجدان الغربي من جماعات منبوذة إلى شعب مقدس مختار، تأثرا باتجاهات زعماء "الإصلاح" وما حملته من تشنيع لازدراء اليهود واضطهادهم، ودعوات للرجوع بالمسيحية إلى أصولها اليهودية؛ ومن هذه الدعوات قول الزعيم "الإصلاحي" الدومينكاني (هنري سانت جون) في خطاب له عن الوحدة المسيحية: «إن اضطهاد اليهود عمل شرير، وعلى أي حال، فنحن بمعنى من المعاني كلنا يهود؛ لأن يسوع كان يهوديا، والدين الذي كان يزاوله كان دين اليهود»([38]).
وكان للموقف الإيجابي لزعيم الإصلاح الألماني مارتن لوثر الذي تبناه في بداية أمره تجاه اليهود أثر عميق في إعادة الاعتبار لهم، وإن كان موقفه منهم مثار جدل كما سنرى؛ ففي خضم معركته مع البابوية، «قدر.. أن التقرب من اليهود أفضل له، فانتقد موقف السلطة البابوية منهم»([39])؛ وكتب كتابه الأول عن اليهود، بعنوان: (المسيح ولد يهوديا)، الذي أصبح فيما بعد شعارا للصهيونية المسيحية، وقد حاول في هذا الكتاب أن يستميل اليهود إلى المسيحية بالتودد إليهم، وحث المسيحيين على تغيير نظرتهم وتعاملهم معهم؛ انطلاقا –كما يقول- من «أن التعامل الفظ الذي تمارسه الكنيسة ضد اليهود هو الذي ينفرهم من المسيحية»([40].
وبين أن هدفه الأول والأخير من الكتاب هو "هداية" اليهود إلى المسيحية، فقال: «سوف أسوق النصوص الواردة في الكتاب المقدس التي تدل على أن يسوع المسيح كان يهوديا، ولد من امرأة عذراء، ولعلي بذلك أكتسب بعض اليهود لاعتناق العقيدة المسيحية»([41]).
وفي إطار رد الاعتبار لليهود ذكَّر المسيحيين بقرابتهم مع المسيح، فقال: «قبل أن نتفاخر بموقفنا يجب أن نتذكر أننا مجرد أمميين أغراب وأباعد، أما هم (اليهود) فأقارب وبنو عمومة وأخُوَّة للرب (المسيح)»([42])، وقادته رغبته الجامحة في استمالة اليهود إلى أن غالى في إطرائهم بقوله: «إننا [أي المسيحيين] كالكلاب الذين لا مكان لهم سوى تحت المائدة لالتقاط الفتات الذي يتساقط من موائد أسيادنا اليهود...، فهم السادة ونحن العبيد»([43])، مما حدا بالكنيسة الكاثوليكية إلى أن «هاجمته.. باعتباره مخربا "يهوديا، أو على الأقل شبه يهودي" للمسيحية»([44]).
وكان لوثر يتوقع أن هذه المبالغة في إطراء اليهود والتودد إليهم ستقودهم حتما للدخول في دين المسيحية أفواجا، وأنه إن تقرب إليهم شبرا فسيتقربون إليه باعا، ولكن هذه الأحلام تكسرت على صخرة تصلب اليهود على طبائعهم ودينهم، فخاب أمله فيهم، مما جعله ينقلب عليهم انقلابا كليا،«بعد أن أمضى في هذا المنحى أكثر من عشرين عاما»([45]).
وألف في نقدهم والتحريض عليهم كتاب (اليهود وأكاذيبهم) الذي أعلن فيه توصله إلى أن اليهود «من طفولتهم قد ارتضعوا سُم الكراهة لسيدنا المسيح مع اللبان من أثداء أمهاتهم، فلا أمل في إصلاحهم»([46])، لأنهم «الشعب الشرير المتصلب.. الذين لم يؤثر فيهم عامل من عوامل الردع»([47])، بل إنهم بدل أن يستجيبوا لمبشريهم بالمسيحية يعملون هم جاهدين على تهويد المسيحيين، وهذا ما حذر منه لوثر أتباعه بقوله: «اعلم يا عزيزي المسيحي أنه ليس بعد الشيطان عدو أكثر سما من اليهودي المحض، الذي يجهد أن يراك قد تهودت واتبعته»([48])، وبلغ من نقمته عليهم أن دعا إلى اتخاذ اجراءات مشددة ضدهم منها:
- منعهم من أن تكون لهم معابد.
- أن تصادر كتبهم: (كتب الصلوات، وأسفار التلمود..)، بحيث لا يبقى منها سطر واحد في متناولهم.
- أن يمنعوا من تمجيد الله بمسمع من النصارى([49]).
هكذا كان موقف لوثر أخيرا من اليهود، ولكن النصارى البروتستانت أسسوا علاقتهم مع اليهود على ما جاء في كتابه الأول (المسيح ولد يهوديا)، وليس في مواقفهم ما يعكس الرأي الأخير لمؤسس المذهب، ولعل هذا الأمر المستغرب عائد إلى تشجيع الكتاب الأول ونشره في مقابل منع الكتاب الثاني وحجبه لما فيه من "اللاسامية" التي تجند لمحاربتها اليهود ونصارى الغرب على حد سواء؛ ويدل لهذا ما ذكره بعض مؤرخي المسيحية أن اليهود نشروا كتاب (المسيح ولد يهوديا)، «ووزعوه على نطاق واسع في أوربا، بل أوصلوه إلى فلسطين»([50]).
أما كتاب (اليهود وأكاذيبهم) فقد أكد ناشر الطبعة الإنجليزية الأولى منه، «أن بعض الكنائس اللوثرية منعته من كلياتها»([51])، وهو الرأي الذي عليه اللوثريون المعاصرون؛ فقد «أعلن ممثلو الاتحاد العالمي للوثريين المجتمعين في مؤتمرهم في استوكهولم في السويد، في.. يوليوز 1983 عن عدم التزامهم بكل ما صدر عن لوثر بشأن اليهود، وعبر مؤتمر الكنيسة اللوثرية الأمريكية المنعقد في مدينة سانت لويس..، 1983.. عن أسف اللوثريين وعدم علاقتهم بالملاحظات المتطرفة التي سبق لمارتن لوثر أن أبداها تجاه اليهود»([52]).
ويمكن أن يقال إن مواقف لوثر الممجدة لليهود «حاول أن يتراجع عنها لاحقا، لكن الوقت كان قد هرب من بين يديه»([53])، لأن العشرين عاما التي كانت تفصل بين الكتابين، كانت كافية ليغير الكتاب الأول نظرة البروتستانت لليهود، لا سيما وأن اليهود قد عملوا على نشره على أوسع نطاق كما تقدم.
ثم إن فكرة الكتاب الأول؛ وهي أن المسيح يهودي، وأن المسيحية تعود في أصلها لليهودية، تستند إلى أدلة ذات قوة إقناعية كبيرة لدى المسيحيين؛ ومنها:
- أن نسب المسيح في صدر الأناجيل نسب "يهودي" بالمعنى العرقي، يتصل بداود عن طريق يوسف النجار.
- أن المسيح قال فيما نسبه إليه كُتّاب الأناجيل: «لمَ ْأُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيل الضَّالَّة»([54])
- أنه قال أيضا فيما نسب إليه : «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنقُضَ النَّامُوسَ [التوراة] أَو الأَنبْياءَ ما جِئْتُ لأَنقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ»([55]).
أما ما جاء في الكتاب الثاني فإنما هو انفعال عكس خيبة أمل لوثر في تنصير اليهود، ويركز أساسا على الانحراف السلوكي لهم.
وخلاصة القول أن مواقف زعماء "الإصلاح" الإيجابية من اليهود، كانت عميقة الأثر في التحول الذي عرفه وضع اليهود في أوربا، حيث انقلب وضعهم في الوجدان المسيحي من جماعات منبوذة مدنسة إلى شعب مقدس؛ مما أثار عطف المسيحيين على آمالهم في العودة إلى أرض فلسطين.
التغيير الثاني الذي أحدثته حركة "الإصلاح الديني" في مسار تهويد المسيحية وإحياء التراث العبري: إعادة الاعتبار لإلزامية الكتاب المقدس العبري (العهد القديم)، للمسيحيين؛ حيث دعا "الإصلاحيون" إلى ضرورة التقيد بأحكامه وبأحكام العهد الجديد باعتبارهما "كتابا مقدسا" واحدا، يجب فهمه والعمل به حرفيا، ويحق لكل فرد تفسيره دون الرجوع إلى الكنيسة، خلافا لما درجت عليه الكنيسة التقليدية من التفسير الرمزي للعهد القديم، وقصر حق التفسير على الكهنة.
وقد عمل زعماء "الإصلاح" على ترجمة الكتاب "المقدس" إلى اللغات الأوربية، ودعوا إلى اعتقاد عصمته، والالتزام به حرفيا على أنه كلمة الله([56])، فنتج عن ذلك أن«عم الأدب التوراتي، وصارت التوراة مصدرا للمعلومات التاريخية، فتقلص أو اختفى التاريخ الشامل لفلسطين ليقتصر على الوجود اليهودي فقط»([57])، و«أثار الاهتمام بالأدب التوراتي وتفسيره اهتماما عاما باليهود وعودتهم إلى فلسطين»([58])؛ حيث «تحولت فلسطين في الضمير البروتستانتي من الأرض المقدسة للمسيحيين [كما كان يرى الكاثوليك]، إلى أرض الشعب المختار، فآمن البروتستانت بأن اليهود لا بد عائدون إلى الأرض المقدسة كما جاء في النبوءات التوراتية»([59]).
كما «وُجه المؤمنون البروتستانت في عصر الإصلاح الديني وعصر النهضة إلى الاهتمام.. بكتب القبالة اليهودية، [أي كتب التصوف اليهودي]... ومع القبالة يدا بيد، بدأ اجتياح رؤى المسيحانية ([أي ترقب قدوم] المسيح المنتظر)، والعصر الألفي السعيد الذي سيعقب مجيئه»([60]).
فتولد بذلك الرافدان الأساسيان للمشروع الصهيوني في نسخته المسيحية؛ وهما: الاعتقاد بحق اليهود في أرض فلسطين تاريخيا ودينيا، ووجوب تمكينهم منها، وانتظار قدوم المسيح ليحكم العالم من فلسطين بعد تجمع اليهود فيها، والربط الشرطي بين الأمرين؛ وكان ذلك هو الباعث الحقيقي لكل المواقف والأنشطة المسيحية التي تتابعت منذ قرون الإصلاح إلى أن أفضت إلى ولادة الحركة الصهيونية اليهودية، وقيام دولة "إسرائيل".
الدليل الثالث: أن الولاء لـ "إسرائيل" أمر متجذر في ثقافة الشعوب الغربية باعتباره قربة دينية، ويعد هذا الولاء هدفا معلنا لكل المنظمات المسيحية الإنجيلية، التي تركز عقائدها «على التنبؤ بأن دولة إسرائيل سوف تلعب دورا جوهريا في خطة الله الخاصة بالآخرة»([61])، وتعرف هذه المنظمات تصاعدا وامتدادا ملفتا في الغرب، حتى إن كثيرا من الزعماء السياسيين والعسكريين وصانعي القرار متأثرون بأفكارها، أو منتمون إليها.
أما عن كون تأييد إسرائيل هدفا معلنا لمنظمات الأصولية المسيحية، فيبدو واضحا في أسمائها وأهداف تأسيسها وأنشطتها؛ وفي هذا الجدول تلخيص لعينة من تلك المنظمات وبعض أهدافها وأنشطتها، كما ذكرها الدكتور يوسف الحسن في بحثه المنوه به سابقا([62]):
المنظمة |
أهــدافهــا |
أنشطتها في دعم "إسرائيل" |
مؤتمر القيادة المسيحية الوطنية لأجل "إسرائيل" |
- دعم بقاء إسرائيل ورفاهيتها. - تطوير وتكوين جبهة موحدة مع باقي المنظمات لدعم الصهيونية و"إسرائيل". - تشكيل لوبي مسيحي موحد لتأييد مصالح "إسرائيل" |
- تنظيم مؤتمرات لشرح ودعم "قضية إسرائيل". - تنظيم برامج إعلامية وندوات لشرح المبررات اللاهوتية لتأييد "إسرائيل". - جمع التوقيعات وإصدار عرائض وبيانات استنكارية ضد انتقاد "إسرائيل". |
مسيحيون متحدون من أجل "إسرائيل" |
- تعزيز الموقف الصهيوني المسيحي. - تأييد المساعي الصهيونية، ودعم السياسات "الإسرائيلية". |
- إصدار مجلة ربع سنوية، باسم (ساعي القدس ومختار النبوءة)، لشرح الفكر اللاهوتي الصهيوني المسيحي، ونشرة إخبارية شهيرية حول الأوضاع في فلسطين. - تنظيم رحلات سياحية لـ "إسرائيل". |
المصرف المسيحي الأمريكي لأجل "إسرائيل" |
- شراء الأراضي في فلسطين، وتمويل بناء وتوسيع المستوطنات اليهودية؛ لتهويد الضفة الغربية تعجيلا بتحقق النبوءات التوراتية. - الدعم التقني لـ "إسرائيل". |
- جمع التبرعات. - إقامة مشاريع إنمائية. - تمويل وتنظيم دورات تكوينية للتدريب العسكري والتقاني لـ "الإسرائيليين". |
مؤسسة جبل المعبد |
إنشاء الهيكل اليهودي في موضع المسجد الأقصى، باعتباره الخطوة الأخيرة التي تسبق نزول المسيح. |
- إنشاء معهد علمي أثري يهتم بالبحث عن موضع هيكل سليمان، باسم (معهد البحث عن المعبد في القدس). - توكيل محامين للدفاع عن المتطرفين اليهود الذين قاموا، أو هموا بتخريب أجزاء من المسجد الأقصى. - جمع الأموال لتمويل بناء الهيكل. - تقديم مساعدات مالية لتدريب الطاقم الكهنوتي الذي سيشرف على خدمة المعبد، وتنظيم الطقوس فيه. |
وأما عن تصاعد المد الأصولي المسيحي؛ فيدل عليه كثرة أعداد المنظمات المسيحية الأصولية في الغرب، وبالأخص في أمريكا التي تعد فيها هذه المنظمات بالمآت؛ فمنذ عقد الثمانينات تأسست «250 منظمة إنجيلية موالية لإسرائيل، من مختلف الأحجام والعمق في أمريكا»([63])، فما الظن بما سيكون عليه حجمها وأعدادها الآن؟ خاصة إذا علمنا أنها في تزايد مستمر.
وأما عن تأثر زعماء سياسيين وعسكريين غربيين بالفكر المسيحي الأصولي، وانتماء بعضهم لمنظماته؛ فأمر معروف لكل مطلع على سيرهم ومتتبع لتصريحاتهم واعترافاتهم.
فهذا الرئيس الأمريكي الأسبق (رونالد ريجان) كان لا يخفي إيمانه بأفكار التيار المسيحي الأصولي، وكان أنموذجا للزعيم السياسي المتطرف في تدينه، ويرجع ذلك إلى التربية الدينية الصارمة التي تلقاها في البيت؛ فقد كانت والدته - كما يقول بواب سلوس في كتابه (ريجان من الداخل والخارج)- «شديدة التأثير عليه في كل شأن من شؤون الحياة، وخاصة في نشأته الروحية، لقد كانت قارئة للكتاب المقدس، متعبدة جدا، مؤمنة بالمسيح وبالخلاص، وهكذا فإن ريغان نشأ على قراءة الكتاب المقدس وزيارة الكنائس»([64]).
ويقول هو عن نفسه: «لقد تربيت على الكتاب المقدس، وعَلّمْتُه لمدة طويلة في مدارس الأحد»([65]).
وكان شديد الولع بنبوءات آخر الزمان المتعلقة بالهرمجيدون ومجئ المسيح؛ فقد نقلت عنه الكاتبة الأمريكية جريس هالسل أنه قال أثناء مأدبة عشاء جمعته ببعض ندمائه عام 1971م: «إن جميع النبوءات التي يجب أن تتحقق قبل هرمجيدون قد مرت؛ ففي الفصل 38 من حزقيال: (أن الله سيأخذ أولاد إسرائيل من بين الوثنيين، حيث سيكونون مشتتين، ويعودون جميعهم مرة ثانية إلى الأرض الموعودة)، لقد تحقق ذلك أخيرا بعد ألفي سنة، ولأول مرة يبدو كل شيء في مكانه في انتظار معركة هرمجيدون، والعودة الثانية للمسيح»([66]).
وقال في لقاء خاص دعا له بعض قادة الصهاينة المسيحيين؛ منهم جيري فالويل، وجيمي سوجارت وجيمي بيكر: «إن الله يرعى ناسا مثلي ومثلكم، في صلاة وحب نبتهل إليه، فيها إعداد العالم لعودة ملك الملوك وسيد الأسياد»([67])، يعني المسيح، إشارة إلى ما في سفر الرؤيا: «وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب: ملك الملوك ورب الأرباب»([68]).
ويعد الرئيس جيمي كارتر أيضا من الزعماء المتدينين جدا، المتأثرين بالفكر الأصولي، يقول عنه القس بيلي جراهام: «يذهب الرئيس كارتر كل يوم أحد إلى الكنيسة، ويقرأ وزوجته فصولا من التوراة قبل النوم، ولا يشرب الكحول في البيت الأبيض»([69]).
وأكد في حملته الانتخابية عام 1976م، «أن تأسيس دولة إسرائيل هو تحقيق للنبوءة المقدسة»([70]).
وصرح الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون «مرارا أنه ينتمي إلى الأصولية المسيحية الأمريكية»([71]).
وأعلن في خطاب ألقاه في حفل لجمع التبرعات لصالح "إسرائيل" بكندا بتاريخ: 27/07/2002، أنه: «مستعد لحمل السلاح والوقوف في الخندق الأمامي للدفاع عن إسرائيل، إذا ما تعرضت للخطر»([72])، وقد صرح بهذا بعد أن أنهى فترتيه في الرئاسة، مما يؤكد أن أنشطته وتصريحاته الداعمة لـ "إسرائيل" ليست لأهداف انتخابية، وإنما تنبع من التزامات اعتقادية، خاصة إذا استحضرنا أنه كان «قد رفض الالتحاق بالجيش الأمريكي.. في الحرب الأمريكية في فتنام، بحجة عدم اقتناعه بعدالة تلك الحرب»([73]).
وكان جورج بوش الأب «مواظبا على الذهاب إلى الكنيسة، ولكنه مع ذلك كان لا يميل إلى إظهار تدينه بشكل علني... وعندما انتقل آل بوش إلى منطقة النفط في غرب تكساس..، انضموا إلى رابطة المهاجرين من الشرق في الكنيسة المشيخية..، وكان بوش الأب يجمع التبرعات لمبنى الكنيسة، ويُدَرِّس في مدارس الأحد. أما بوش الابن، فقد كان فتى مطيعا يذهب إلى الكنيسة بانتظام، وتقول والدته: إنه كان دائما ما يبدي اهتماما خاصا بقراءة الكتاب المقدس، وفي المدرسة الإعدادية في أندوفر أصبح بوش الابن شماس المدرسة»([74]).
وقال في مذكراته: «لقد كنت دوما شخصا متدينا، ودائما ما كنت أحضر القداس بانتظام، بل قمت بالتدريس في مدارس الأحد»([75]).
غير أن هذه النشأة الدينية لم تمنعه -كما عُلم من سيرته([76]) وكما أثبت في مذكراته([77])- من أن يمضي الأربعين عاما الأولى من عمره سكيرا مدمنا على المشروبات الكحولية، إلا أنه "تاب"، وتلقى «علاجا روحيا على يد بيلي جراهام»([78])؛ الواعظ الأصولي المعروف، الذي اعترف له بوش بالفضل حين قال: «إن جراهام زرع بذور الخرذل في قلبي، وبدأت أتغير»([79]).
فأصبح كما يحكي عن نفسه «يقرأ الكتاب المقدس يوميا»([80])، وكان يقرؤه «سطرا بسطر بانتباه وفي نشوة»([81]).
وقد أظهر في فترة رئاسته من خلال خطبه وتبريرات قراراته تأثرا بالغا بالعقائد الدينية في صيغتها الأصولية، وبلغ به الهوس الديني إلى درجة أن ادعى أن الله استدعاه لتولي منصب الرئاسة في أمريكا ([82])، وأن الوحي يأتيه، و«يشعر أن الله يتحدث إليه»([83])، كما يقول توني إيفانز؛ واعظ تكساس وأحد مستشاريه الروحيين.
وممن ينتمي للفكر الأصولي من السياسيين أيضا: وزير العدل الأميركي السابق (جون أشكروفت)؛ فـ «هو مسيحي أصولي ملتزم جداً بهذا النوع من العقيدة»([84]).
وكذا وزير الداخلية الأمريكي الأسبق (جيمس وات)؛ فقد صدرت منه مواقف تدل على بالغ تأثره بالنبوءات الدينية التي تمثل عصب الفكر الأصولي؛ ومن ذلك تصريحه «للجنة مجلس النواب الأمريكي المعنية بشؤون الغابات والأنهار، أنه لا يقلق كثيرا بشأن تدمير مصادر الأرض، "لأنني لا أعرف كم من الأجيال المقبلة سوف نعتمد عليها قبل أن يعود الرب (المسيح)"»([85]).
ومن المسؤولين العسكريين: العسكري الأمريكي (الكابتن كلايد) وهو - كما تقدمه جريس هالسل- رجل أعمال متقاعد من العمل في الجيش، كان يعمل في الجيش برتبة كابتن في شمال إفريقيا وأوربا خلال الحرب العالمية الثانية؛ فقد شارك في رحلة نظمها القس الأصولي جيري فولويل سنة 1983 إلى الأرض المقدسة، وحينما نزلت قافلة "الحجاج" في تل مجدو دخلت معه جريس هالسل -وكانت ضمن حجاج فولويل- في حوار حول أهمية المكان؛ فقال لها «بصوت عاطفي متهدج: إنني أشاهد الآن ساحة المعركة الأخيرة الكبرى ... إنه مكان المعركة التي تتورط فيها كل الأمم، وستكون المعركة الأخيرة بين قوات الخير بقيادة المسيح، وقوات الشر بقيادة أعداء المسيح»([86])، والمعركة الأخيرة هي معركة هرمجدون.
وتعلق (هالسل) عن كلام (كلايد) بأنها تعرف «أن ما يقوله يؤمن به ملايين من الأمركيين حرفيا»([87]).
والكابتن كلايد أنموذج يعكس مستوى التدين الذي يمكن أن يكون عليه أي جندي عادي، أو عسكري أمريكي يصل إلى مراكز صنع القرار.
الدليل الرابع: إقرار بعض السياسيين الغربيين بأن الانحياز الغربي لـ"إسرائيل" ذو أساس ديني، وأن العلاقة بين الطرفين علاقة عقدية، ويمثل لذلك بالموقف الذي كان قد أدلى به قنصل أمريكي سابق بالمغرب بعد مناظرة بينه وبين رئيس تحرير جريدة لوبنيون (الإدريسي القطوني)، بالقناة الثانية المغربية سنة 1993، ردا على استفسار حول الانحياز الغربي الأعمى لصالح "إسرائيل"، وكان السائل قد ربطه بالتحالفات الاقتصادية والمصالح الاستراتيجية المشتركة، فأجاب القنصل: «لا، أنتم مخطئون... ليس بيننا وبين إسرائيل أي مصالح ولا أي منافع اقتصادية، بالعكس نحن نخسر كثيرا بسب ولائنا لإسرائيل، ومعاداتنا للعرب في قضيتهم الحساسة، فالسعودية أفضل لنا بكثير من إسرائيل من الناحية الاقتصادية، فكيف ببقية بلاد العرب؟ لكن الشيء الذي بيننا وبين إسرائيل، شيء معنوي و ديني، وشيء خاص»([88]).
وكذا خطاب الرئيس جيمي كارتر أمام الكنيست "الإسرائيلي"، في مارس 1979م؛ فقد جاء فيه: «لقد آمن سبعة رؤساء، وجسدوا هذا الإيمان، بأن علاقة أمريكا مع إسرائيل، هي أكثر من علاقة خاصة، بل هي علاقة فريدة، لأنها متجذرة في ضمير وأخلاق ومعتقدات الشعب الأمريكي .. ونحن معا نتقاسم تراث التوراة»([89]).
وفي مناظرة تلفزيونية جمعته مع جورج بوش منافسه في الانتخابات يوم 11/10/2000، قال المرشح الرئاسي آل غور: «إسرائيل يجب أن تشعر بالأمان دوما، علاقتنا مع إسرائيل هي من أقوى الروابط بين دولتين، علاقتنا مع إسرائيل هي علاقة عقائدية وعميقة، وليست عابرة متغيرة بتغير الأحداث»([90]).
الدليل الخامس: كشف زعماء الصهيونية اليهودية عن دور الخلفية الدينية للمسيحيين في إنجاح المشروع الصهيوني.
فقد كتب حاييم وايزمان في مذكراته عن أسباب حماسة الإنجليز للمشروع الصهيوني قائلا: «للقارئ أن يسأل: ما هي أسباب حماسة الإنجليز لمساعدة اليهود، وشدة عطفهم على أماني اليهود في فلسطين؟ والجواب عن ذلك أن الإنجليز.. هم أشد الناس تأثرا بالتوراة، وتدين الأنجليز هو الذي ساعدنا في تحقيق آمالنا؛ لأن الإنجليزي المتدين يؤمن بما جاء في التوراة من وجوب عودة اليهود إلى فلسطين، وقد قدمت الكنيسة الأنجليزية في هذا الصدد أكبر المساعدات»([91]).
وقال في موضع آخر مخاطبا اليهود: «تحسبون أن لورد بلفور كان يحابينا عندما منحنا الوعد بإنشاء وطن قومي لنا في فلسطين... كلا؛ إن الرجل كان يستحيب لعاطفة دينية يتجاوب بها مع تعاليم العهد القديم»([92]).
وعن الخلفية الدينية لصهيونية بلفور، يقول الدكتور شفيق مقار: «إن صهيونية بلفور نتجت عن انكبابه في أيام صباه على دراسة العهد القديم تحت دفع حثيث من والدته المتدينة تدينا عميقا»([93])، فبفضل الحماسة الدينية لوالدته «نشأ وترعرع في أحضان التقاليد البروتستانتية الأسكتلاندية بكل ما تحمله من حب للعهد القديم، وإيمان شديد بعودة اليهود كبشرى بمجيء المسيح المنتظر»([94]).
الدليل السادس: أن المتتبع لخطابات الزعماء الغربيين المتعلقة بـ"إسرائيل" يلمس تفاعلا صادقا من المتكلم مع مضامين الخطاب؛ مما يشي بأن حديثهم عن تأييد إسرائيل المطلق، وتعهدهم بحفظ أمنها، ناشئ عن عاطفة دينية صادقة وإيمان عميق بالقضية، وليس نفاقا سياسيا، أو كلاما استهلاكيا لكسب المنافسة الانتخابية، أو تغطية على البواعث المصلحية والإستراتيجية؛ إذ من الثابت في التحليل النفسي للخطاب: أن المتكلم لا يتفاعل مع خطاب فرضت عليه مضامينة، وتظهر عليه برودة المشاعر إذا كان غير مؤمن بما يقول، وإذا حاول إن يتظاهر بالتفاعل ظهر تكلفه.
الدليل السابع: أنه ثبت بالاستقراء والتتبع أن «الخطاب السياسي لنخب وقيادات عسكرية ومدنية ودينية كثيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، لا يستخدم مصطلحات (الالتزام الأدبي، أو الأخلاقي، أو التراث المشترك) إلا مع إسرائيل، وليس مع أي دولة أخرى، مهما بلغت درجة العلاقة بينهما»([95])؛ مما يوحي بأن علاقة الغرب بـ"إسرائيل" لا تحكمها الأعراف التي تحكم العلاقات الدولية، وإنما هي علاقة فريدة تمليها قناعات دينية خالصة.
الدليل الثامن: ما تقدم في المبحث السابق من أن هناك دولا ذات أهمية استراتيجية بالغة للغرب، ومع ذلك لا تحظى عنده بشيء مما تحظى به "إسرائيل"، وأن ثمة دولا تستميت في دعم إسرائيل مع أنها لا تربطها أي مصالح استراتيجية معها، ولا تأثير للوبي اليهودي فيها، ولا نجد مبررا لانحيازها لـ "إسرائيل" إلا البواعث الدينية.
خلاصة المقالات الست
في دراسة وتحليل موقف الدكتور عبد الوهاب المسيري من جذور الانحياز الغربي لـ "إسرائيل"
إن تفسير ظاهرة معقدة ذات أبعاد مركبة –كقضية انحياز الغرب "لإسرائيل"- يتطلب استحضار كل أبعادها وأسبابها، وألا ينظر إليها حصرا من زاوية واحدة.
وبناء عليه فإن تبني الغرب للمشروع الصهيوني تأسيسا وتنفيذا وحماية، وانحيازه المطلق لـ "إسرائيل" ذو أبعاد مركبة وأسباب وبواعث مختلفة؛ منها ما هو ديني، وما هو حضاري، وما هو استراتيجي واقتصادي، ومن دواعيه ما هو إرادي واختياري، ومنها ما هو متجاوز لإرادة الحكومات الغربية، لكونه مرتبطا بجهات نافذة ذات علاقة بجماعات الضغط الصهيونية (اليهودية والمسيحية)، وإنما تتفاضل هذه الأسباب بحسب درجة ونسبة تأثيرها قوة وضعفا.
وهذا التفسير المركب هو الذي نحاه الدكتور المسيري في تحليل المسألة إلا أنه رجح البعد الاستراتيجي للقضية على بقية الأبعاد؛ ذلك أن تأسيس دولة "إسرائيل" إنما هو تنفيذ للمشروع الصهيوني، و«المشروع الصهيوني... إنما هو مشروع استعماري غربي»([96]) –كما يرى-؛ خططت له القوى الغربية ونفذته وحمته –كباقي مشاريعها الاستعمارية- لتحقيق مصالحها الاستراتيجية؛ فكان من البدهي القول بأن العامل الإستراتيجي هو العامل الحاسم في توجيه مواقف الغرب من الصراع في فلسطين، والباعث الأقوى له على الانحياز للدولة الصهيونية.
أما جماعات الضغط الصهيونية فهي –على قوتها- هامشية التأثير عند المسيري في السياسات الغربية و-بالتحديد- في الموقف الغربي من الصراع في الشرق الأوسط والانحياز لـ"إسرائيل"؛ لكون أطروحة اللوبي الصهيوني تستند إلى الفكرة التآمرية "البروتوكولية" –كما يسميها- وهي عنده فكرة تبسيطية اختزالية ذات منطلقات تخمينية ضعيفة، ولأن سياسات الغرب تجاه القضية ذاتية الأسباب واستعمارية البواعث، كانت قبل ظهور اللوبي، ولو افترض اختفاء جماعات الضغط لبقي موقف الغرب من الصراع كما هو.
أما العقائد الدينية فأقل العوامل تأثيرا في الموقف الغربي من القضية الفلسطينية في تحليل الدكتور المسيري؛ بسبب من أنموذجه التفسيري الذي يحرص على تنحية الاعتبارات الدينية عن منهجه التحليلي للأحداث ومواقف صانعيها عموما، وبسبب من رؤيته للحضارة الغربية الحديثة وفلسفتها التي جعلته «يشعر أن الحداثة الغربية تدور في إطار العقلانية واللاعقلانية المادية والعلمانية الشاملة... [نشأ عنها] عالم بدون إله... عالم نسبي لا توجد فيه ثوابت ولا مطلقات ولا قيم عالمية... عالم انفصل فيه العلم عن القيمة وعن الغائية الإنسانية... حضارة استهلاكية عقلانية مادية.. انتهت إلى موت الإنسان والطبيعة بعد أن أعلنت بصلف وخيلاء موت الإله»([97])؛ فإنسان نشأ في مثل هذا العالم، وتشكلت في إطاره نظرته لله والطبيعة والإنسان لا يمكن أن يكون للدين تأثير في مواقفه.
لكن في الدارسين غير المسيري من يرى أن العوامل الثلاث مرتبة حسب درجة تأثيرها في الموقف الغربي من الصراع في فلسطين على عكس ترتيبها عنده؛ حيث يعتبرون البعد العقدي الأشد تأثيرا في التبني الغربي للمشروع الصهيوني، ثم يأتي تأثير اللوبي الصهيوني، ثم العامل الاستراتيجي.
ولا يبعد أن يكون هذا الطرح هو الأقدر على تفسير الانحياز الغربي لـ"إسرائيل"؛ فإن أي دراسة متأنية لتاريخ وتطور وضع اليهود في الغرب، والتغير العميق الذي طرأ على الديانة المسيحية، بعد ما سمي بالإصلاح الديني، وما نتج عنه من إحياء للتراث اليهودي، وانتعاش للنبوءات التوراتية والإنجيلية المتعلقة بآخر الزمان، وبالأخص ما يتعلق منها بمجيء المسيح، بما انعكس على تطور عميق في نظرة مسيحيي الغرب إلى اليهود ووضعهم ودورهم في التاريخ، وأهمية تجمعهم في أرض فلسطين باعتباره شرطا موضوعيا لازما للخلاص المسيحي، من خلال عودة المسيح في آخر الأيام، إن من شأن دراسة كهذه أن تثمر لدى الدارس قناعة ثابتة بأن وراء التبني الغربي للمشروع الصهيوني قناعات دينية راسخة بوجوب إنشاء إسرائيل ودعمها وحماية أمنها، وضمان بقائها واستمرارها، وأن هذه القناعات الدينية هي العامل الحاسم الكامن وراء الانحياز الغربي لـ"إسرائيل".
[1] بيان نويهض الحوت، "فلسطين: القضية – الشعب- الحضارة"، ط. دار الاستقلال للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة.1، (1992م)، ص: 291-292
[2] ريجينا الشريف، "الصهيونية غير اليهودية"، ص: 55
[3] Franz kobler. Napoleon and the jews. pp : 7-55 ، عن ريجينا الشريف، "الصهيونية غير اليهودية"، ص: 106-107، وقد أنجز المؤرخ الفرنسي هنري لورانس دراسة حول هذا الخطاب، انتهى فيه إلى أنه «بيان مزور»، انظر: "بونبارت والإسلام بونبارت والدولة اليهودية"، تأليف هنري لورانس، ترجمة بشير السباعي، ط. دار مصر العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة.1، (1998)، ص: 73، ولكن محمد حسنين هيكل أورد الخطاب ، في كتاب: "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل: الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية"، ط. دار الشروق، القاهرة، الطبعة.1، (1996)، ج.1، ص: 31-32، وذكر في تعليق في الهامش، رقم.1، ص: 33؛ أن الباحث المصري الدكتور أحمد حسين الصاوي عثر عليه ضمن وثائق الحملة الفرنسية على مصر، في خزائن وزارة البحرية الفرنسية.
[4] عبد الوهاب الكيالي وآخرون، "موسوعة السياسة"، ط. المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة.1، (1979): 3/657.
[5] Salgo W. Baron. A Social and Religious History of the jews.vol 2. p : 327 ، عن ريجينا الشريف، "الصهيونية غير اليهودية"، ص: 110.
[6] يوسف العاصي الطويل، "الصليبيون الجدد"، ص: 69.
[7] ريجينا الشريف، المرجع السابق، ص: 270.
[8] جريس هالسل، المرجع السابق، ص: 22.
[9] نفسه.
[10] سفر التكوين: 15/18.
[11] يوسف الحسن، "جذور الانحياز"، ص: 82.
[12] نفسه، ص: 83.
[13] ريجينا الشريف، المرجع السابق، ص: 30.
[14] نفسه، ص: 38.
[15] بربارا توخمان، "الكتاب المقدس والسيف":1/138.
[16] Selig Adler. America and The Holy Land : A Colloquim American Jewish Historical Quarterly. Vol. 62. No.1. September. 1972. P: 40 . ، عن ريجينا الشريف، المرجع السابق، ص: 185.
[17] النبوءة والسياسة، ص: 89.
[18] يوسف الحسن، "جذور الانحياز"، ص: 22.
[19] جريس هالسل، المرجع السابق، ص: 104.
[20] نفسه، ص: 104-105.
[21] The Life and Work of Shaftesbury Edwin Hodder.، (بلا تحديد الصفحة)، عن شفيق مقار، المرجع السابق، ص: 147.
[22] نفسه.
[23] نفسه.
[24] جريس هالسل، المرجع السابق، ص: 114.
[25] نفسه، ص: 95.
[26] نفسه، ص: 77.
[27] نفسه، ص: 136.
[28] نفسه، ص: 137.
[29] ريجينا الشريف، المرجع السابق، ص: 8.
[30] هيلاري بولوك، "اليهود"، ص: 210، عن إميل أمين، "ذئاب في ثياب حملان: مختصر قصة الأصولية الأمريكية"، ص: 42.
[31] روجي جارودي، "فلسطين أرض الرسالات السماوية"، ص: 139.
[32] أحمد شلبي، "اليهودية"، ط. مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، الطبعة.8، (1988م)، ص: 95.
[33] جونثان جولد بيرج، "قوة اليهود في أمريكا"، ص: 22.
[34] James Hosmer. The Jews. P. 138 ، عن أحمد شلبي، "اليهودية"، ص: 96.
[35] كامل سعفان، "اليهود تاريخ وعقيدة"، ص: 50.
[36] إميل أمين، المرجع السابق، ص: 31.
[37] جريس هالسل، المرجع السابق، ص: 103.
[38] محمود نعناعة، "الصهيونية في الستينات: الفاتكان واليهود"، ط. الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة (1994م)، ص: 76.
[39] إميل أمين، المرجع السابق، ص: 30.
[40] نفسه، ص: 30.
[41] نفسه، ص: 30.
[42] نفسه، ص: 31.
[43] نفسه، ص: 31.
[44] شفيق مقار، المرجع السابق، ص: 71.
[45] مارتن لوثر، "اليهود وأكاذيبهم"، ترجمة محمود النجيري، ط. مكتبة النافذة، الجيزة، الطبعة.1، (2007)، مقدمة المترجم، ص: 34.
[46] مارتن لوثر، "اليهود وأكاذيبهم"، ص: 62.
[47] نفسه، ص: 75.
[48] نفسه، ص: 99.
[49] نفسه، ص: 143-145.
[50] نفسه، ص: 42.
[51] نفسه، ص: 49.
[52] يوسف الحسن، "البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي- الصهيوني"، ص: 25.
[53] إميل أمين، المرجع السابق، ص: 42.
[54] إنجيل متى: 15/24.
[55] نفسه: 5/17
[56] مما تناقض فيه لوثر أنه دعا إلى اعتقاد العصمة الحرفية للكتاب "المقدس" بعهديه، والالتزام به حرفيا على أنه كله كلمة الله، مع أنه يعترف بأن اليهود قاموا «بتحريف التوراة، وتزييف كلامها من أولها إلى آخرها، مضيفين إلى ذلك تفاسيرهم المضلة»؛ "اليهود وأكاذيبهم"، ص:76.
[57] يوسف الحسن، "جذور الانحياز"، ص: 21.
[58] ريجينا الشريف، المرجع السابق، ص: 25.
[59] بيان نويهض الحوت، "فلسطين: التاريخ- الشعب- الحضارة"، ص: 286.
[60] شفيق مقار، المرجع السابق، ص: 85
[61] هوارد فاينمان، "بوش والله"، تقرير منشور بمجلة نيوزويك الأمريكية، عدد 10 مارس 2003، ترجمة: نهى سلام، مطبوع ضمن كتاب عادل المعلم، "مقدمة في الأصولية المسيحية الأمريكية"، ص: 41.
[62] انظر يوسف الحسن، "البعد الديني في السياسة الأمريكية"، ص: 138-146.
[63] جريس هالسل، المصدر السابق، ص: 141.
[64] نفسه، ص: 45.
[65] نفسه.
[66] نفسه، ص: 48.
[67] نفسه، ص: 148.
[68] سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي: 19/16.
[69] يوسف الحسن، "جذور الانحياز"، ص: 47.
[70] فؤاد شعبان، "من أجل شعبان"،ص: 223، وروجي جارودي، "فلسطين أرض الرسالات السماوية"، ص: 145.
[71] فؤاد شعبان، المرجع السابق، ص: 220.
[72] نفسه، ص: 221.
[73] نفسه.
[74] هوارد فاينمان، "بوش والله"، تقرير منشور بمجلة نيوزويك الأمريكية، عدد 10/03/2003، مرجع سابق، ص: 36.
[75] عادل المعلم،المرجع السابق، ص: 51.
[76] هوارد فاينمان، "بوش والله"، المرجع السابق، ص: 36.
[77] نفسه، ص: 50.
[78] هانز هوينج وجيرهارد شبورل، "حروب الرحمة"، المرجع السابق، ص: 15.
[79] نفسه، ص: 16.
[80] نفسه، ص: 11.
[81] هوارد فاينمان، "بوش والله"، المرجع السابق، ص: 37.
[82] نفسه، ص: 38.
[83] هانز هوينج وجيرهارد شبورل، "حروب الرحمة"، المرجع السابق، ص: 16.
[84] بول فيندلي، حوار مع أحمد منصور، ضمن برنامج (بلا حدود)، بث في قناة الجزيرة بتاريخ: 06/03/2002
[85] جريس هالسل، المرجع السابق، ص: 20.
[86] نفسه، ص: 31
[87] نفسه، ص: 34
[88] نضال هديب، "أسس التحالف الصهيوني الأمريكي"، مقال منشور بمجلة "المتابع الاستراتيجي"، الصادرة عن مركز الكاشف للمتابعة والدراسات الاستراتيجية، عدد كانون الثاني 2007، ص: 13.
أصغ إلى أبي زيد المقري الإدريسي، في محاضرة مسجلة بعنوان: "هل أمريكا دولة علمانية؟"، وهي منشورة بموقعه: http://www.abouzaid.com.
[89] يوسف الحسن، "جذور الانحياز"، ص: 7.
[90] فؤاد شعبان، "من أجل صهيون"، ص: 218-219.
[91] مذكرات وايزمان، ص: 18، عن أحمد شلبي، "مقارنة الأديان: اليهودية"، ص: 109.
[92] يوسف العاصي الطويل، المرجع السابق، ص: 112.
[93] شفيق مقار، المرجع السابق، ص: 83.
[94] ريجينا الشريف، المرجع السابق، ص: 160.
[95] يوسف الحسن، "جذور الانحياز"، ص: 7.
[96] الموسوعة: 6/90.
[97] نفسه: 1/53.
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقا تراه مشجعا أو مفيدا