أسباب وجذور الانحياز الغربي لـ "إسرائيل"؟
في فكر الدكتور عبد الوهاب المسيري
(The causes and roots of the Western bias towards “Israel“?
In the thought of Dr. Abdel Wahab El-Mesiri)
دراسة تحليلية نقدية
الحلقة 1: مهموم انحياز الغرب ل "إسرائيل" وجذوره ومظاهره
بقلم د. الحسين بودميع
جذور نشأة الفكر الصهيوني، وأسباب تبني الغرب له من أبرز مثارات الإشكال في دراسة الصهيونية؛ ذلك أن السعي إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين لم يكن ينحصر في الأوساط اليهودية، وكانت بواعث وأهداف ووسائل من يسعى لذلك من اليهود ومن غير اليهود شديدة التباين والتناقض؛ فكان بحث جذور الفكر الصهيوني - لذلك- محلا للنزاع بين الدارسين؛ ما بين من يربط نشأة الفكرة الصهيونية بالمنطلقات العقدية لدعاتها الأولين، ومن يرجعها إلى ظهور النزعة الإمبريالية الاستعمارية والتيارات الفلسفية والقومية في الغرب...، ومن يربطها بظاهرة العداء لليهود وما تعرضوا له عبر تاريخهم من صنوف الاضطهاد، وبالرغبة العارمة لدى اليهودي في العودة إلى فلسطين،تحت قيادة المسيح اليهودي المنتظر، هذه الرغبة التي تحولت إلى برنامج عمل بعد دعوة رواد الصهيونية الحديثة أمثال يهوذا القلعي، وتسيفي هيرش، وليو بنسكر، وموشي هس... إلى التخلي عن فكرة انتظار المخلص الذي طال ترقبه، بعد اقتناعهم بأن الخلاص لن يأتي بمعجزة سماوية، إن لم يبادر اليهود بجهودهم العملية والمالية إلى استعادة ما يعدونه "وطنهم التاريخي".
وقد انعكس هذا الاختلاف على تفسير الانحياز الغربي لـ"إسرائيل" وتبنيه المطلق للمشروع الصهيوني.
ما بين من يرى أن المصالح الاستراتيجية التي تحققها القوى الغربية من دعمها لـ "إسرائيل"، وتحالفها معها، هي الباعث الأهم لها على هذا الانحياز.
ومن يذهب إلى أن قوة اللوبي اليهودي في الغرب، وسيطرته على المؤسسات المالية والإعلامية، ونفوذه في مؤسسات صنع القرار؛ هو الذي يقف وراء هذا الدعم.
وآخرين يذهبون إلى أن العقائد الدينية البروتستانتية النبوئية المتعلقة بآخر الزمان، والمتضمنة قداسة "الشعب الإسرائيلي"، وضرورة التجمع اليهودي في فلسطين باعتباره مقدمة ضرورية "لمجيء المسيح ثانية"، ليحقق الخلاص الأبدي للمسيحيين، هي الباعث الحقيقي على الانحياز الغربي لـ "لإسرائيل".
ويعتبر المفكر المصري الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري من أبرز الباحثين المتخصصين في دراسة الفكر الصهيوني؛ فقد أفنى جانبا كبيرا من عمره في دراسة الديانة اليهودية وجماعات اليهود، وتاريخ ومسار الفكر الصهيوني؛ بدأ منذ سنة 1965م([1])، ولم ينته إلا مع رحيله، وقد أودع نتائج بحوثه ودراساته في موسوعته الشهيرة: (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية)، التي أصدرها «بعد ربع قرن من الزمن»([2]) من البحث والدراسة، وقد غدا الدكتور المسيري -لذلك- مرجعا - لا يستغنى عنه - لكل الباحثين العرب في الديانة اليهودية واليهود: تاريخا وعقائد وشرائع، والفكر الصهيوني: جذورا ونشأة ومسارا.
وقد تبنى نظرية خاصة فيما يتعلق بجذور نشأة الفكر الصهيوني؛ وبني عليها رؤيته في تفسير تبني الغرب للمشروع الصهيوني وانحيازه لـ "إسرائيل".
بيد أن استخلاص نظريته وتتبع معالمها في "مجاهيل" موسوعته الضخمة يحتاج إلى إنفاق قدر غير يسير من الجهد والوقت، كما أنه قد لا يوافقه غيره في كل ما تبناه وقرره؛ فاحتاجت نظريته تلك إلى عرض يقرب فهمها، ونقد يبصر بمزالقها.
وهو ما نقدمه في هذه الحلقات.
وسنجعل هذه الحلقة الأولى (1) في عرض شذرات من سيرة الراحل عبد الوهاب المسيري، وفي مهموم انحياز الغرب ل "إسرائيل" وجذوره ومظاهره.
أولا: شذرات من سيرة الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري
عبد الوهاب بن محمد المسيري مفكر مصري من مشاهير رجال الفكر بالعالم العربي في هذا العصر، وسأجتزئ بشذرات من سيرته عن العرض المفصل لحياته وفكره؛ لسببين:
الأول: أنه تولى ذلك بنفسه؛ إذ عرف بنفسه من خلال كتاب: (رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر)؛ فكفانا مؤنة تتبع الوثائق والتقارير والبرامج المعرفة به، لاستخلاص معالم ومراحل حياته، وتحريرها هنا؛ فتكفي إحالة المتطلع إلى معرفة حياته بالتفصيل على كتابه هذا، وهو ميسر الحصول عليه مصورا ضوئيا بصيغة (pdf) على المواقع الالكترونية المختلفة. وهو مرجعي في هذه النبذة.
الثاني: كثرة ما قيل وما كتب في التعريف به؛ في البرامج واللقاءات الإعلامية التي عقدت معه، والندوات الفكرية التي نظمت في شأنه، والكتب والدراسات التي أنجزت حوله أو حول جانب من جوانب فكره.
1- الولادة والمسار الدراسي والأكاديمي
ولد عبد الوهاب المسيري في مدينة دمنهور في مصر في 8 أكتوبر سنة1938 م.
والتحق بمدرسة دمنهور الابتدائية عام 1944م.
وحصل على الشهادة التوجيهية (= شهادة الثانوية العامة) في (أدبي فلسفة) سنة 1955م، وفي السنة نفسها التحق بقسم اللغة الإنجليزية كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، وتخرج منها سنة 1959م، وعين معيداً فيها في العام الذي يليه.
وفي سنة 1963م سافر إلى الولايات المتحدة للالتحاق بجامعة كولومبيا في نيويورك، وحصل منها على شهادة الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن.
وحصل على درجة الدكتوراه في التخصص نفسه من جامعة (رتجرز) بمدينة (نيوبرونزويك) في ولاية نيوجيرسي سنة 1969م، وكانت أطروحته في المقارنة بين الاتجاهات النقدية لكل من الشاعر الإنجليزي (وليام وردزورث) والشاعر الأمريكي (وولت وايتمان)؛ وعنوانها: (الأعمال النقدية لوليام وردزورث ووولت وايتمان: دراسة في الوجدان التاريخي والمعادي للتاريخي).
2- الحياة المهنية
عاد المسيري من أمريكا إلى بلده مصر عام 1969م، وعين أستاذا في قسم اللغة الإنجليزية بكلية البنات التابعة لجامعة عين شمس.
وعين سنة 1970م مستشارا لوزير الإرشاد (محمد حسنين هيكل)، ولم يطل زمان توليه هذا المنصب.
وفي سنة 1971م عين خبيرا للشؤون الصهيونية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، ثم عاد إلى أمريكا ليلتحق بزوجته الأستاذة (هدى حجازي) التي كانت تحضر أطروحتها للدكتوراه.
عمل مستشارا ثقافيا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة؛ من سنة 1975م إلى سنة 1979م.
عمل أستاذا زائرا بجامعة الملك سعود في المملكة السعودية بين عامي: 1983م و1989م، ثم بجامعة الكويت من 1989م إلى 1990م.
3- التوجه السياسي والفكري
لم يكن المسيري – في الظاهر على الأقل- ثابتا على توجه سياسي وأيديولوجي واحد؛ بل عرفت حياته تقلبات وتحولات فكرية مستمرة.
فقد كان لفترة قصيرة في بداية حياته منتميا إلى جماعة الإخوان المسلمين.
ثم تحول عنهم إلى نقيضهم؛ حيث انتمي إلى اليسار المصري وتحديدا للحزب الشيوعي، الذي تربى في أحضانه، وأطال المقام فيه حتى تشرب في كنفه المنهجية الماركسية، والتحليل المادي للتاريخ والحياة بعامة، وتشكلت بين الرفاق الشيوعيين مرجعيته الفكرية، التي ظلت توجه كتاباته، إلا أنه ذكر عن نفسه أنه انتهى إلى مذهبية سماها (الحداثة الإنسانية الإسلامية).
وفي 2004 انضم المسيري لحزب الوسط الإسلامي ليصبح من أوائل مؤسسيه.
وقبل وفاته شغل منصب المنسق العام لحركة كفاية، التي تأسست في نهاية 2004 للمطالبة بإصلاح ديمقراطي في مصر، ومواجهة ما عرف عندهم قبل ثورة يناير بالتوريث؛ أي توريث منصب الرئاسة لجمال مبارك الابن الأكبر للرئيس محمد حسني مبارك.
4- الإنتاج الفكري
الإنتاج الفكري للمسيري غزير، وما صدر له من الأبحاث والدراسات كثير؛ تربو عن الستين كتابا ما بين مبسوط ومختصر ووسط بين ذلك، بيد أن معظم مؤلفاته لا تخرج عن أبحاث مشروعه الرئيس؛ وهو (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية)؛ فما صدر قبل الموسوعة أدرج فيها، وما صدر بعدها مستل منها، وهذا جرد لأعماله الصادرة باللغة العربية، المتصلة بموضوع تخصصه:
? نهاية التاريخ: مقدمة لدراسة بنية الفكر الصهيوني؛ (صدر عام 1972).
? موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية: رؤية نقدية؛ (1975).
? العنصرية الصهيونية (سلسلة الموسوعة الصغيرة)؛ (1975).
? اليهودية والصهيونية وإسرائيل : دراسة في انتشار وانحسار الرؤية الصهيونية؛ (1975).
? الفردوس الأرضي: دراسات وانطباعات عن الحضارة الأمريكية؛ (1979).
? الأيديولوجية الصهيونية: دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة (1981).
? الغرب والعالم: تأليف كيفين رايلي (ترجمة بالاشتراك) (جزءان، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، الكويت (1985).
? الانتفاضة الفلسطينية والأزمة الصهيونية: دراسة في الإدراك والكرامة؛ (1987).
? الاستعمار الصهيوني وتطبيع الشخصية اليهودية: دراسات في بعض المفاهيم الصهيونية والممارسات الإسرائيلية؛ (1990).
? هجرة اليهود السوفييت: منهج في الرصد وتحليل المعلومات (1990).
? الجمعيات السرية في العالم؛ (1993).
? إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد؛ صدر في جزئين عام (1993)، ثم في سبعة أجزاء عام (1998).
? أسرار العقل الصهيوني؛ (1996).
? الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ: رؤية حضارية جديدة؛ (1997).
? من هو اليهودي؟ (1997).
? موسوعة تاريخ الصهيونية؛ (1997).
? اليهود في عقل هؤلاء؛ (1998).
? اليد الخفية: دراسة في الحركات اليهودية الهدامة والسرية؛ (1998).
? موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية : نموذج تفسيري جديد؛ (1999).
? فكر حركة الاستنارة وتناقضاته؛ (1999).
? قضية المرأة بين التحرر والتمركز حول الأنثى؛ (1999).
? العلمانية تحت المجهر، بالاشتراك مع الدكتور عزيز العظمة؛ (2000).
? رحلتي الفكرية ـ في البذور والجذور والثمار: سيرة غير ذاتية غير موضوعية؛ (2001).
? الأكاذيب الصهيونية من بداية الاستيطان حتى انتفاضة الأقصى؛ (2001).
? الصهيونية والعنف من بداية الاستيطان إلى انتفاضة الأقصى؛ (2001).
? فلسطينيةً كانت ولم تَزَلِ: الموضوعات الكامنة المتواترة في شعر المقاومة الفلسطيني؛ (2001).
? العالم من منظور غربي؛ (2001).
? الجماعات الوظيفية اليهودية: نموذج تفسيري جديد؛ (2001).
? من الانتفاضة إلي حرب التحرير الفلسطينية: أثر الانتفاضة على الكيان الإسرائيلي؛ (2002).
? الإنسان والحضارة والنماذج المركبة: دراسات نظرية وتطبيقية؛ (2002).
? مقدمة لدراسة الصراع العربي ـ الإسرائيلي: جذوره ومساره ومستقبله (2002).
? الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، (2002).
? اللغة والمجاز: بين التوحيد ووحدة الوجود؛ (2002).
? العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة؛ (2002).
? الصهيونية والحضارة الغربية الحديثة؛ (2003)
? الحداثة وما بعد الحداثة، بالاشتراك مع الدكتور فتحي التريكي؛ (2003).
? البروتوكولات واليهودية والصهيونية؛ (2003).
? الموسوعة الموجزة؛ (2003).
? تاريخ الفكر الصهيوني: جذوره ومساره وأزمته، ولعله آخر إصداراته؛ (2008).
5- الرحيل
توفي الدكتور المسيري صباح يوم الخميس 29 جمادى الثانية عام 1429 هـ، الموافق3 يوليو 2008، بمستشفى فلسطين بالقاهرة، عن سبعين (70) عاما، بعد صراع طويل مع مرض السرطان، وشيعت جنازته بعد الظهر من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر بالقاهرة، وشارك في صلاة الجنازة آلاف المصريين، من مختلِف التوجهات والتيارات، إضافة إلى عشرات العلماء والمفكرين، ودفن في مسقط رأسه بمدينته دمنهور .
ثانيا: الانحياز الغربي لـ "إسرائيل+: المفهوم – المظاهر – الجذور
لا يتناول الدكتور عبد الوهاب المسيري قضية انحياز الغرب لـ "إسرائيل" باعتبارها علاقة بين طرفين نديين متعادلين ينحاز أحدهما للآخر ويناصره، أو بين منحاز تابع متحكَّم فيه، ومنحاز إليه متبوع متحكِّم، بل باعتبارها علاقة بين راع امبريالي قوي ودولة وظيفية عميلة له، وهي -مثل علاقة الغرب الإمبريالي بأي جيب من جيوبه الاستيطانية الوظيفية- تقوم على التزام المستوطنين بالعمل داخل مستوطنهم لحساب مصالح الحضارة الغربية، على أن يلتزم الراعي الإمبريالي الغربي بحماية المستوطن العميل عسكريا، ودعمه اقتصاديا وسياسيا.
فبعقد مقارنة بين الجيبين الاستيطانيين في فلسطين المحتلة وجنوب إفريقيا مثلا يتضح «مدى عمق مواطن التشابه بينهما؛ نظرا لاشتراكهما في الجذور الفكرية والفعلية»([3]).
ذلك أن الفكر الصهيوني في نظر المسيري إفراز من الإفرازات الكريهية للحضارة المادية الغربية؛ فهو لون من ألوان الفكر المنبثقة عن الرؤية المعرفية الإمبريالية التي لا ترى في الإنسان والطبيعة سوى مادة استعمالية ينبغي توظيفها لصالح "الأرقى" والأقوى، فالصهيونية عنده «ظاهرة غربية استعمارية استيطانية إحلالية»([4]).
وعليه فالدولة الصهيونية صنيعة غربية؛ أسست بإرادة الغرب وتدبيره لتكون «قاعدة عسكرية واقتصادية وثقافية وسكانية للاستعمار الغربي»([5]), وليست دولة قوية مستقلة تخطب الدولُ الأخرى وُدها بالانحياز لها وتأييدها؛ وإنما هي قاعدة استعمارية تابعة للغرب؛ لا تقوى على حماية نفسها بنفسها، و«لا تملك أسباب البقاء بمفردها»([6]).
ومن ثم فـ "إسرائيل" - عند المسيري - دولة ضعيفة تابعة للغرب، لا دولة قوية ذات أذرع نافذة في مراكز القرار هناك؛ فانحياز الغرب لها نابع من إرادته الحرة لخدمة مصالحه، لا من الرضوخ لإرادة الحكومة "الإسرائلية" و"جبروت" اللوبي اليهودي والصهيونية العالمية.
وهذا الفصل معقود لبيان مفهوم الانحياز الغربي لـ "إسرائيل"، وإبراز بعض مظاهره وآثاره، وتتبع جذوره المتصلة بارتباط الفكر الصهيوني بالتشكيل الحضاري الغربي.
المبحث الأول
مفهوم الانحياز الغربي لـ "إسرائيل" وجذوره
أولا: مفهوم انحياز الغرب لـ "إسرائيل"
يفيد لفظ (التحيز) في لسان العرب معنى الانضمام والميل إلى ناحية دون أخرى؛ وفي التنزيل الكريم: ﴿أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ ﴾ [الأنفال: 16]؛ أي مائلا «منضما صائرا إلى جماعة من المؤمنين»([7]).
وتستعمل الكتابات المنجزة عن الصهيونية و"إسرائيل" مصطلح (الانحياز لـ "إسرائيل") في معنى حماية دولة الكيان الصهيوني وضمان بقائها واستمرارها، ودعمها اقتصاديا، وتقويتها عسكريا، وتأييدها دبلوماسيا.
ويستعمل الدكتور عبد الوهاب المسيري للتعبير عن الانحياز الغربي لـ "إسرائيل" تعبيرات: (دعم إسرائيل) و(تأييد إسرائيل) و(حماية الدولة الصهيونية) و(ضمان بقائها واستمرارها)، وأكثر التعبيرت ترددا عن ذلك عنده اصطلاح (ضمان البقاء والاستمرار)؛ كما في قوله: «يتم توظيف هذا الشعب لصالح العالم الغربي الذي سيقوم بدعمه وضمان بقائه واستمراره، داخل إطار الدولة الوظيفية في فلسطين»([8])، وقوله: «نظير أن يضمن الغرب بقاءه واستمراره داخل إطار الدولة الوظيفية»([9])، وقوله: «الولايات المتحدة هي الراعي الإمبريالي للدولة الصهيونية الوظيفية التي تدعمها وتمولها وتضمن بقاءها واستمرارها»([10]).
ثانيا: جذور تبني الغرب للمشروع الصهيوني
يخالف الدكتور المسيري الدارسين لتاريخ الفكر الصهيوني-الـمُنَظّرين الصهاينة منهم والمعادين لليهود – في رأيهم حول جذور الصهيونية؛ فهو لا يرى –كما يرون- أن الصهيونية بدأت مع التاريخ اليهودي نفسه، وأنها لازمت اليهود عَبْر تاريخهم بعد تحطيم الهيكل، وأن ظهورها مرتبط بظاهرة العداء لليهود والمذابح والاضطهاد اللذين تعرَّض لهما اليهود في كل مكان وكل زمان من جهة، وبالرغبة العارمة لدى اليهودي في العودة إلى فلسطين (أرض الأجداد وأرض الميعاد) من جهة ثانية.
ويعلل رفضه لهذا التفسير بأن سبب ظهور الصهيونية «لو كان هو عداء الأغيار لليهود ورغبتهم العارمة في العودة، لكان الأولى أن تظهر الصهيونية إبان حروب الفرنجة على سبيل المثال. وأن الفكر الصهيوني ظهر في الأوساط الاستعمارية الغربية، وهم لا يدينون باليهودية، ولا يوجد عندهم أي تطلُّع للعودة، ولم يتعرضوا لاضطهاد الأغيار»([11]).
والصواب عنده أن «تاريخ الصهيونية جزء لا يتجزأ من تاريخ الحضارة الغربية وما صاحبه من ظواهر»([12])، وأن ظهورها مرتبط بمركب من الأسباب التاريخية والحضارية والفكرية في الغرب؛ أهمها ظهور الإمبريالية الغربية التي تسعى لتسخير شعوب العالم لصالح شعوبها.
وعد من أسباب ظهور الفكرة الصهيونية في الغرب 13 سببا، وبعضها مكرر بصيغ مختلفة، وهي راجعة عند التأمل إلى عشرة أسباب:
1ـ اضطراب موقف الكنيسة الغربية من الجماعات اليهودية ووضع اليهود في المجتمع الغربي؛ ذلك أن رجال الكنيسة يصدرون في موقفهم من أعضاء الجماعات اليهودية عن رؤيتين متباينتين لليهود:
أولاهما: اعتبار اليهود "قتلة الإله" (= المسيح)؛ ما يستدعى كرههم، ومعاقبتهم.
ثانيهما: اعتبار اليهود الشعب الشاهد على "صدق الكتاب المقدَّس" وعلى "عظمة الكنيسة"؛ بتَمسُّكهم بشعائر دينهم التي ترمز إلى الشعائر المسيحية منذ القدم؛ ما يستدعي ضرورة الإبقاء على اليهودية وعلى الشعب اليهودي باعتباره شعباً شاهداً سيؤمن في نهاية الأمر بالمسيحية، ولذا ينبغي حماية اليهود من الدمار والإبادة.
«وهذا الموقف المزدوج هو ما تَحوَّل على يد المفكرين البروتستانت إلى العقيدة الاسترجاعية أو الألفية في القرن السابع عشر الميلادي، ثم تمت علمنته تماماً في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ليصبح فكرة الشعب العضوي المنبوذ التي تعني أن اليهود كتلة بشرية متماسكة متميزة منعزلة عن المجتمع ومنبوذة منه»([13])؛ ما يحتم ترحيله وتوطينه خارج أوربا.
2 ـ ما ترتب عما سمي "الإصلاح الديني" من انتشار الرؤية الألفية التي أصبحت فكرة مركزية في المسيحية البروتستانتية؛ إذ يؤمن كثير من المسيحيين البروتستانت بأنه حينما يعود المسيح المخلِّص سيحكم العالم (باعتباره الملك المقدَّس) هو والقديسون لمدة ألف عام، وهي فترة سيسود فيها السلام والعدل في عالم التاريخ والطبيعة وفي مجتمع الإنسان والحيوان.
وقد ارتبطت الرؤية الألفية ارتباطا شرطيا بتجميع اليهود في فلسطين، وهذا الربط هو المصطلح على تسميته باسم (العقيدة الاسترجاعية)؛ وهي فكرة دينية تذهب إلى أنه كيما يتحقق العصر الألفي، وكيما تبدأ الألف السعيدة التي يحكم فيها المسيح (الملك الألفي)، لابد أن يتم استرجاع اليهود إلى فلسطين تمهيداً لمجيء المسيح؛ حيث يرى الاسترجاعيون أن عودة اليهود إلى فلسطين هي بشرى الألف عام السعيدة، وأن الفردوس الأرضي الألفي لن يتحقق إلا بهذه العودة؛ ولذا، فإن كل من يقف في وجه هذه العودة يُعتبَر عندهم من أعداء الإله، ويقف ضد الخلاص المسيحي.
3 ـ تحول وضع اليهود في المجتمع الغربي من وضع (الجماعة الوظيفية) التي لا يستغني عنها المجتمع إلى وضع الشعب العضوي المنبوذ الذي يجب التخلص منه؛ فقد استجلب اليهود أول الأمر إلى الغرب ليقوموا بدور الجماعات الوظيفية التي يوكل إليها المجتمع القيام بوظائف خاصة لا يمكنه أن يزاولها؛ إما لكونها مشينة؛ كالتنجيم والربا..، أو لكونها متميزة وشاقة؛ كالطب والقتال..، أو لحساسيتها؛ كحراسة الحاكم والتجسس.. ولكن مع حلول عصر النهضة، وتطور المجتمع الغربي من الإقطاع إلى الرأسمالية، و"ظهور البورجوازيات المحلية والدولة القومية التي اضطلعت بكثير من وظائف الجماعة الوظيفية اليهودية"، اهتز وضع هذه الجماعات، ففقدت وظيفتها، وتصاعدت معدلات الكراهية ضدها؛ لأسباب مختلفة؛ من أكبراها الممارسات الربوية الاستغلالية لأعضاء الجماعات اليهودية، وكل ذلك أدى إلى تحولها إلى شعب عضوي منبوذ([14])؛ فبات اليهود يشكلون عبئا على الحضارة الغربية؛ مما استوجب التفكير في نقلهم إلى خارج أوربا.
4 ـ ظهور العلمانية الشاملة -التي تتنكر لغائية الكون، وتنزع القداسة عن كل شيء، وتفصل القيم الأخلاقية والإنسانية عن الإنسان والطبيعة، وتحولهما إلى مادة استعمالية لصالح الأقوى و"الأرقى"- في الفكر الغربي، وسيادة الفلسفات المادية النفعية التي تحكم على مجالات الحياة كافة -وليس على اليهود بمفردهم- من منظور المنفعة. فبدأت فكرة نَفْع اليهود تزداد محورية في الفكر الغربي إلى أن وصلت إلى أوجها في أواخر القرن الثامن عشر، فنشأت فكرة أن اليهود عنصر بشري فائض غير نافع داخل أوربا، ويجب توظيفه وجعله عنصراً نافعاً للحضارة الغربية عن طريق تحويله إلى مستوطنين، بل عن طريق تحويل أعضاء الجماعات كافة إلى عُمَلاء للقوة الاستعمارية الراغبة في الاستفادة منهم، وظهر من المفكرين الغربيين من يقترح توطين اليهود في فلسطين؛ لأنهم جنس معروف بمهارته ومثابرته، ولأنهم سيوفرون رؤوس الأموال المطلوبة، كما أنهم سيكونون بمثابة إسفين في الشرق الأوسط يعود بالفائدة على العالم الغربي بأسره.
5 ـ ظهور الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية التي ترى العالم بأسره مادة استعمالية تُوظَّف وتُحوسَل([15])، لصالح الغرب؛ فقد كانت النزعة الصهيونية متدثرة «بديباجات مسيحية عندما ظهرت في الغرب في القرن السابع عشر، ومع تزايد معدلات العلمنة، ابتداءً من القرن الثامن عشر، ومع انتشار الفلسفات النفعية والعقلانية، بدأت الديباجة المسيحية في الضمور والتواري، وتم تسويغ الصهيونية انطلاقاً من الرؤية المعرفية الإمبريالية وأطروحاتها المادية»([16])؛ حيث وجدت الإمبريالية الغربية في أعضاء الجماعات اليهودية ضالتها باعتبارهم مادة استيطانية تسبب مشاكل أمنية إن بقيت داخل العالم الغربي، ولكنها تستطيع أن تزيد نفوذه إن نُقلت خارجه، وتحولت إلى مادة قتالية؛ تحوسل لحساب الغرب داخل نطاق دولة وظيفية.
وقد عد الدكتور المسيري ظهور الإمبريالية الغربية كقوة عسكرية وسياسية عالمية أهم أسباب ظهور ونجاح المشروع الصهيوني على الإطلاق؛ إذ «لولا أن الإمبريالية الغربية كانت في حاجة إلى دولة استيطانية في فلسطين، لما قامت للصهيونية قائمة»([17]).
6 ـ تَزايُد عدد أعضاء الجماعات اليهودية في شرق أوربا، خصوصا في بولندا، وتَحوُّلها إلى أكبر تَجمُّع يهودي في العالم؛ فبعد انعقاد مؤتمر فيينا في عام 1815، حدث انفجار سكاني بين اليهود؛ حيث كان عدد اليهود في عام 1800 لا يتجاوز 2.500.000، ولم تحل سنة 1938 حتى بلغ عددهم نحو 16.724.000، وكان معظمهم يتركز في شرق أوربا.
ومن أهم العناصر التي ساعدت على هذا الانفجار:
- تحسن الوضعية المادية لمعظم اليهود؛ «ففي شرق أوربا، حيث تَركَّز معظم اليهود، كان دخل أعضاء الجماعة اليهودية أكثر ارتفاعاً وكان أسلوب حياتهم أكثر راحة ووفرة»([18]).
- التماسك الإجتماعي لدى الجماعات اليهودية؛ فقد «كانت الأسرة اليهودية تتمتع بدرجة عالية للغاية من التماسك، الناجم عن التمسك بالقيم الدينية والتقليدية»([19]).
- انتشار عادة الزواج المبكر بين اليهود.
- عدم اشتراك اليهود في الحروب؛ إذ «لم تكن هناك دول كثيرة تقوم بتجنيد اليهود»([20])، علاوة على «أن المنطقة التي تَركَّز فيها اليهود، إبَّان القرن التاسع عشر، كانت منطقة لم تَدُر فيها أية معارك كبرى»([21]).
وهذه الزيادة في حجم الكتلة البشرية اليهودية في العالم الغربي، في روسيا وبولندا على وجه التحديد، قد ساهم في تَفاقُم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لأعضاء الجماعات اليهودية؛ مما أدى إلى ظهور مشكلة يهود الشرق المعروفة باسم (المسألة اليهودية)، التي نجم عنها تدفق المهاجرين اليهود من شرق أوربا إلى غربها؛ ما حدا بساسة الغرب وأثرياء اليهود الغربيين إلى التفكير في ترحيل اليهود إلى خارج أوربا؛ لإبعاد خطرهم.
7 ـ استقرار الجماعات اليهودية غالبا في المناطق الحدودية التي تتنازع حولها الدول؛ «وقد وضع ماركس يده على هذه الخاصية حينما قال: "إن اليهود يعيشون في مسام المجتمع الإقطاعي"، أي على حدوده»([22])، والحدودية تُعبِّر عن وضع الجماعات اليهودية كجماعات وظيفية تضطلع بوظائف خاصة (مشينة أو متميِّزة)، وهو ما يتطلب عزلها عن المجتمع.
ومن أهم الأمثلة على هذه الصفة الحدودية:
- إمبراطورية الخزر اليهودية الصغيرة التي كانت تقع على الحدود بين الإمبراطوريتين البيزنطية والإسلامية
- استوطن أعضاء الجماعات اليهودية، بعد الفتح العربي، في شبه جزيرة أيبريا، وهي المقاطعة المتاخمة للحدود مع العالم المسيحي.
- من أهم المدن التي استقر فيها اليهود بأروبا: مدينة أمستردام عاصمة هولندا، وهي من أهم الموانئ التي تطل على المحيط الأطلنطي، أي أنها تقع على حدود العالم القديم المواجهة للعالم الجديد.
- وُجدت أعداد كبيرة من اليهود في مقاطعتي الألزاس واللورين، على الحدود بين ألمانيا وفرنسا، وهما المقاطعتان اللتان تنازعتهما الدولتان.
- أكبر تَجمُّع يهودي في أوربا وفي العالم الحديث كان في بولندا، وقد هاجر إليها اليهود للاشتغال بالتجارة، واستقروا في وارسو وكراكوف وغيرهما من المدن. وبولندا، من ناحية ما، بلد حدودي؛ يقع بين روسيا وبحر البلطيق، ويربط بين غربي أوربا وشرقيها.
وإذا كانت بولندا دولة حدودية، فإن أكثر أقاليمها حدوديةً هو أوكرانيا التي يعني اسمها (البلد الذي على الحدود)، وقد انتقلت أعداد كبيرة من اليهود إليها بعد ضمها إلى بولندا في القرن السادس عشر، ليقوموا بدور جماعة وظيفية استيطانية مالية تمثل مصالح النبلاء الإقطاعيين هناك.
- في عام 1928، طرحت الحكومة السوفيتية مشروعاً لتوطين اليهود في القرم، وهي من أكثر المناطق حدوديةً في العالم حيث حكمها اليونان والرومان والقوط والهن ويهود الخزر والبيزنطيون والمغول.
- وكان الوضع أكثر سوءاً في الجيب البولندي الذي ضم معظم يهود العالم، أي يهود اليديشية. فقد جرى تقسيم بولندا بين ثلاث دول مختلفة: واحدة منها سلافية (روسيا) والاثنتان الأخريان جرمانيتان (ألمانيا والنمسا).
وقد ساهمت حدودية اليهود داخل الحضارة الغربية في تعميق المسألة اليهودية فيها وفي تحديد شكل الحلول المطروحة لها.
ولو وُجد اليهود في بقعة جغرافية غير حدودية لكان من السهل تحديثهم ودمجهم كما حدث ليهود ألمانيا قبل الهجرة من شرق أوربا، وكما حدث ليهود إنجلترا والولايات المتحدة بعد هذه الهجرة.
ويَصدُر الحل الصهيوني بين الصهاينة المسيحيين واليهود عن هذه الخاصية الحدودية ويتقبلها.
فاليهود، حسب الرؤية الصهيونية المسيحية والرؤية اليهودية، شعب يقف على هامش التاريخ غير اليهودي ولا يساهم فيه كثيراً. وقد تحوَّلت هذه الرؤية إلى فكرة الشعب العضوي المنبوذ، أي اليهود باعتبارهم شعباً عضوياً جذوره ليست في أوربا وإنما في فلسطين، ومن ثم فليس بالإمكان تحقيق القومية اليهودية إلا خارج أوربا (في فلسطين).
8 ـ تعثُّر التحديث في شرق أوربا الأمر الذي دفع بالألوف من اليهود إلى الهجرة نحو أوربا الغربية، وهو ما ولَّد الفزع في قلوب ساستها وأعضاء الجماعات اليهودية فيها؛ فنشأ الفكر الصهيوني حلا للمشكلة، وسبيلا للتخلص من جحافل اليهود اليديشيين المتدفقين على الغرب.
9 ـ عزلة يهود اليديشية ثقافياً، وعجز قطاعات كبيرة منهم عن الاندماج في المجتمع الغربي والتكيف مع الأوضاع الجديدة؛ ما تطلب التفكير في إخراجهم من أوربا.
10 ـ ظهور الفكر العنصري وهيمنته على قطاعات كبيرة في المجتمعات الغربية؛ فالنزعة العنصرية من أهم الأفكار العلمانية الشاملة التي شاعت في الحضارة الغربية في القرن التاسع عشر، والفكر العنصري أو العرْقي يرى البشر جميعاً مادة؛ ولذا فالاختلافات بينهم مادية، كامنة في خصائصهم العرْقية والتشريحية، وأن البشر مادة طبيعية يمكن أن تُوظَّف فتكون نافعة ويمكن أن لا يكون لها نفع؛ ومن هنا تَبرُز أهمية الاختلافات العرْقية كمعيار للتفرقة بين البشر، والخصائص الحضارية ورقي شعب ما وتَخلُّفه هو نتيجة صفاته العرْقية والتشريحية، ومن ثم فتقدُّم أو تَخلُّف شعب مسألة عرْقية متوارثة.
وتنبع الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة من هذا التشكيل العلماني الإمبريالي العرْقي فهي تفترض أن اليهود شعب عضوي يحوي داخله خصائصه العرْقية والإثنية؛ وهذا الشعب غير نافع داخل أوربا، ولكن يمكن نقله إلى أرض خارج أوربا لتوظيفه لصالحها ليتحول إلى عنصر نافع.
وقد استخدمت الصهيونية النظريات العرْقية الغربية لتبرير نقل الشعب العضوي اليهودي المنبوذ من أوربا إلى فلسطين، ولتبرير إبادة السكان الأصليين ليحل أعضاء هذا الشعب محلهم.
المبحث الثاني
مظاهر الانحياز الغربي لـ "إسرائيل"
مظاهر الانحياز الغربي لـ "إسرائيل": تجلياته التي يتبدى فيها الالتزام الغربي بتأييد وحماية الكيان الصهيوني؛ وترجع إلى:
1- التأييد السياسي والدبلوماسي
2- الحماية العسكرية.
3- الدعم الاقتصادي.
ويتجلى تأييد الغرب للكيان الصهيوني سياسيا في:
- تسويغ مذابح الدولة الصهيونية المتكررة بحق الفلسطينيين وغيرهم بأنها ممارسة للحق المشروع في الدفاع عن النفس.
- استعمال "حق" النقض (الفيتو) لإجهاض القرارت الأممية المتضمنة إدانتها؛ فـ«منذ 1982 [إلى 2006] نقضت الولايات المتحدة قرارات مجلس الأمن الدولي المنتقدة لإسرائيل (32) مرة»([23]).
- التجريم القانوني لنقدها باعتباره معاداة للسامية.
- تعهد رؤساء أمريكا في برامجهم وحملاتهم الانتخابية، وبعد انتخابهم، وفي كل مناسبة بحماية أمنها.
وتناول الدكتور المسيري دعم الغرب للكيان الصهيوني اقتصاديا وعسكريا تحت عنوان: (المعونات الخارجية للدولة الصهيونية الوظيفية).
وبين أن مصطلح (المعونات الخارجية) «شامل لا يضم فقط المساعدات الإنمائية، وإنما يضم أيضاً المعونة العسكرية والمعونة الإنسانية»([24]).
وأن «المشروع الصهيوني الاستيطاني الذي يهدف إلى تأسيس دولة وظيفية تجمع بعض يهود العالم وتقوم على خدمة المصالح الغربية في المنطقة مشروع تم تنفيذه برعاية الدول الغربية ودعمها السياسي والاقتصادي»([25]).
ومسألة الدعم الغربي لـ "إسرائيل" عسكريا وماليا –كتأييده لها سياسيا ودبلوماسيا- ظاهرة ومعروفة لا تفتقر إلى إقامة الأدلة على أنها حقيقة واقعة، ولكن لا بأس من الإشارة إلى بعض الأرقام والإحصاءات بهذا الصدد مما أورده الدكتور المسيري وغيره:
- تطوَّرت المساعدات الأمريكية لـ "إسرائيل" بعد حرب أكتوبر عام 1973م «حتى وصلت إلى 3 مليار دولار تقريباً سنوياً طبقاً للإحصاءات الأمريكية الرسمية منها 1.8 مساعدات عسكرية، 1.2 مساعدات اقتصادية»([26]).
- «تحصل إسرائيل على حوالي ربع المعونات الأمريكية كل عام، الأمر الذي جعلها أكثر دول العالم اعتمادا على المعونات الخارجية»([27]).
- "إسرائيل" هي «الدولة الوحيدة في العالم التي تحصل على المعونة الاقتصادية [الأمريكية] نقداً ومرة واحدة، وهو ما يرفع عن كاهلها أعباء مصاريف بنكية تصل إلى 60 مليون دولار»([28]).
- يصل مجموع المساعدات الأمريكية لـ"إسرائيل" إضافة إلى التعويضات الألمانية عن "المحرقة النازية" والجباية اليهودية، منذ عام 1949 وحتى عام 1996، إلى أكثر من 179,4 مليار دولار، موزعة بين 79,6 مليار دولار مساعدات حكومية أمريكية متنوعة، 60 مليار دولار تعويضات ألمانية، 19,4 مليار دولار جباية يهودية، 23,4 مليار دولار أصول أجنبية في إسرائيل([29]).
- حصلت "إسرائيل" منذ عام 1974 إلى 2003، من أمريكا على أكثر من 45 مليار دولار على صورة قروض تم التنازل عنها([30]).
- تتلقى "إسرائيل" من أمريكا منذ عام 1985 ثلاثة مليارات دولار سنويا من المساعدات المباشرة، ما يعني أن حصة كل فرد "إسرائيلي" من المعونات الأمريكية تصل إلى نحو 500 دولار في السنة ([31])، أي حوالي دولار ونصف في اليوم.
- بلغت المساعدات الأمريكية المقدمة لإعادة استيطان المهاجرين السوفييت والإثيوبيين عام 1992، 80 مليون دولار([32])، ولا زالت المساعدات المالية المخصصة لدعم استيطان المهاجرين مستمرة؛ «إذ بلغت 60 مليون دولار عام 2003، و50 مليون دولار عام 2004، والمبلغ ذاته عام 2005»([33]).
- وقع أوباما يوم الجمعة 27/07/2012 قانونا يقضي بتخصيص 70 مليون دولار إضافية من المساعدات العسكرية لإسرائيل، لدعم نظام القبة الحديدية المضادة للصواريخ، الذي سبق أن ساهمت فيه الولايات المتحدة حتى هذا التاريخ بـ 205 ملايين من الدولارات([34]).
- خلال الأيام الأولى لحرب أكتوبر 1973، «أقامت الولايات المتحدة جسراً جوياً بينها وبين إسرائيل، إذ نقلت إلى إسرائيل في أيام قليلة 22 ألف طن من العتاد العسكري لتعويضها عن خسائرها التي مُنيت بها»([35]).
- لا تدخل في هذه الإحصاءات والأرقام المساعداتُ غير الحكومية التي تتلقاها إسرائيل من أفراد ومؤسسات داخل الولايات المتحدة الأمريكية منذ منتصف السبعينيات، التي أصبحت ثاني أكبر مصدر لتدفُّق رؤوس الأموال الخارجية على إسرائيل بعد الحكومة الأمريكية؛ فبعض التقديرات تشير «إلى أن المساعدات التي حصلت عليها إسرائيل من مصادر غير حكومية في الفترة من 1948 إلى 1986 قد بلغت 24.5 مليار دولار»([36]).
[1] انظر د. سعيد شبار، "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية؛ تأليف د. عبد الوهاب المسيري"، دراسة وصفية للموسوعة، منشورة بمجلة إسلامية المعرفة، الصادرة عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي، السنة 7، العدد 27، شتاء 1422هـ/2001م، ص: 173.
[2] نفسه، ص: 174.
[3] المسيري، "الصهيونية والحضارة الغربية الحديثة"، سلسلة كتاب الهلال، الصادرة عن دار الهلال، القاهرة، العدد 632، جمادى2، 1424هـ، غشت 2003م، ص: 6.
[4] نفسه، ص: 3.
[5] المسيري، "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية"، ط. دار الشروق، القاهرة، الطبعة.1، (1999م): 1/161.
[6] نفسه: 7/190.
[7] تفسير معالم التنزيل، لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي، حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر وآخرَيْن، ط. دار طيبة، الرياض، ط.4، (1417هـ/1997م): 3/337.
[8] الموسوعة: 6/17.
[9] نفسه: 6/90.
[10] نفسه: 7/299.
[11] نفسه: 6/89.
[12] نفسه: 6/90.
[13] نفسه: 4/277.
[14] يفسر الدكتور المسيري (الشعب العضوي) بأنه «الشعب الذي يترابط أعضاؤه ترابط الأجزاء في الكائن العضوي الواحد، والذي تربطه رابطة عضوية بأرضه وتراثه». تاريخ الفكر الصهيوني: جذوره ومساره وأزمته؛ ط. دار الشروق، القاهرة، الطبعة.1، (2010م)، ص: 634.
[15] يستخدم الدكتور المسيري في موسوعته لفظة (الحوسلة) اختصاراً لعبارة (تحويل الشيء إلى وسيلة)؛ ضرورة الإيجاز، على غرار التعبير –إرادة الاختصار- بلفظ (البسملة) عن قول (بسم الله الرحمن الرحيم)، وبلفظ (الحَوقَلة) عن قول (لاحول ولا قوة إلا بالله)؛ وهو ما يسمى عند اللغويين بـ (النحت)؛ وهو اشتقاق كلمة من كلمتين أو أكثر، على أن يكون هناك تناسب في اللفظ والمعنى بين المنحوت له والمنحوت منه، وقد أجازت المجامع اللغوية في الوطن العربي النحت عندما تُلجئ إليه الضرورة.
[16] المسيري، "الموسوعة": 6/152.
[17] نفسه: 5/54.
[18] نفسه: 2/215.
[19] نفسه.
[20] نفسه.
[21] نفسه: 2/218.
[22] نفسه: 2/311.
[23] جون مير شايمر، وستفن والت، "أمريكا المختطفة: اللوبي الإسرائيلي وسياسة الولايات المتحدة الخارجية"، نقله إلى العربية: فاضل جتكر، ط. مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة.1، (1427هـ/2006م)، ص: 16.
[24] الموسوعة: 7/38.
[25] نفسه.
[26] نفسه: 7/39.
[27] محمد عبد العزيز ربيع، "المعونات الأمريكية لإسرائيل"، ط. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة.1، (1990م)، ص: 12.
[28] المسيري، "الموسوعة": 7/40.
[29] نفسه: 7/41.
[30] جايمس بتراس، "سطوة إسرائيل في الولايات المتحدة"، ترجمة حسان البستاني، مراجعة وتحرير مركز التعريب والبرمجة ببيروت، ط. الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، الطبعة.1، (1428هـ/2007م)، ص: 74.
[31] جون ميرشايمر، وستفن والت، "أمريكا المختطفة"، وجايمس بتراس، "سطوة إسرائيل في الولايات المتحدة"، ص: 73.
[32] جايمس بتراس، المرجع السابق نفسه.
[33] نفسه.
[34] تقرير إخباري، أذيع يوم الجمعة 27/07/2012، في نشرة الثامنة مساء بقناة الجزيرة.
[35] المسيري، "الموسوعة": 7/39.
[36] نفسه: 7/40.
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقا تراه مشجعا أو مفيدا