منكرو ظهور المهدي المنتظر
من مفكري العصر الحديث
(Those who deny the appearance of the Awaited Mahdi are among the modern thinkers)
بقلم: د. الحسين بودميع
لم يكن الجدل حول مسألة ظهور المهدي في القديم محتدما مثل ما هو عليه في العصر الحديث؛ وقد بدأت إثارة قضيته مع ظهور الحركات الإصلاحية الحديثة، التي ظنت أن إيمان المسلمين بظهور المهدي المنتظر، وتركهم العمل بالأسباب المادية لتحقيق آمالهم وبناء نهضتهم اتكالا على قدومه، من أقوى أسباب تخلفهم، فعمل "رجال الإصلاح" ومن تأثر بهم على التصدي لعقيدة انتظار المهدي وإنكارها؛ فجاء إنكارهم لها ضمن جهودهم "الإصلاحية" التي من ضمنها التصدي لكل الأفكار التي يرونها معيقة للأمة عن أن تتخذ ما تقتضيه قوانين العمران من الأسباب المادية لاستعادة مجدها الحضاري.
وقد انبعث صنف آخر لإنكار المهدي بغرض درء ما يثيره أدعياء المهدوية من القلاقل والفتن في الأمة؛ إذ بين كل فينة وأخرى يظهر في ناحية من نواحي بلاد الإسلام من يعلن نفسه خليفة للمسلمين مدعيا أنه المهدي المنتظر الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، ويترقب المسلمون قدومه؛ فيتبعه دهماء الناس، ويغير بهم على من خالفه وأنكر مهدويته؛ فتنشأ الحروب والفتن، وتشتد الخطوب والمحن، فرأى هذا الصنف في إنكار المهدي قطعا لدابر هذه الفتن بنسف أساسها وهو الإيمان بظهور المهدي.
وفي هذا المقالة عرض ونقد لآراء من شكك في أمر المهدي أو أنكره في العصر الحديث.
المحور الأول: أبرز من أنكر ظهور المهدي في العصر الحديث
من أبرز من تصدى لإنكار عقيدة ظهور المهدي المنتظر في آخر الزمان من مفكري العصر الحديث وما بعده:
1- محمد رشيد رضا:
تصدى الشيخ رشيد رضا لأحاديث المهدي بالإنكار، وتحدث عما رآه ضرر الاعتقاد بقدومه في تفسيره، وفي مناسبات عديدة في مجلة المنار؛ حيث صرح بـ«القول: إننا لا نعتقد بهذا المهدي المنتظر ، ونقول بضرر الاعتقاد به»([1])، و«لا دليل على أن الله تعالى كلف المسلمين باعتقاد ظهور مصلح فيهم معروف باسمه (المهدي)..أوجب عليهم طاعته»([2])
وبالرجوع إلى ما كتبه حول المهدي يتبين أنه استند في إنكاره إلى ما يلي:
أ- «أن أحاديث المهدي لا يصح منها شيء يحتج بِه»([3])؛ بل إن من «يجمع كل ما رووه في مسألة المهدي من الأخبار مرفوعًا وموقوفًا ومرسلاً، ومن الآثار.. يظهر له فيها من الاضطراب والتناقض والتعارض ومن لحن العبارات وأساليبها ما يجزم معه بأنها موضوعة»([4])؛ فإن «التعارض في أحاديث المهديّ .. أقوى وأظهر»([5]) من التعارض في غيرها من أحاديث الفتن وأشراط الساعة، و«الروايات فيه مضطربة يثبت بعضها ما ينفيه الآخر»([6]).
ب- أن «من استقصى جميع ما ورد في المهدي المنتظر من الأخبار والآثار، وعرف
مواردها ومصادرها؛ يرى أنها كلها منقولة عن الشيعة»([7])؛ فـ«رواة خبره محصورون في فرقة واحدة من المسلمين (وهي الشيعة) ولم يوجد له سند إلا من طريقها»([8]).
ج- أن كل عاقل يعرف التاريخ يعلم «أن الاعتقاد بالمهدي المنتظر قد جرَّ على المسلمين شقاء طويلاً، وأخذهم أخذًا وبيلاً، وسفك منهم دماء غزيرة»([9])؛ فـ«قد كان شيوع هذا [الاعتقاد] بين الْمسلمين من أسباب تقاعدهم عما أوجبه الله تعالى في كل وقت من إعلاء دينه، وإقامة حجته وحماية دعوته، وتنفيذ شريعته وتعزيز سلطته، اتكالا على أمور غيبية مستقبلة لا تُسْقط عنهم فريضة حاضرة»([10])؛ فكان ذلك «سببًا في ضعف استعدادهم العسكري، فصاروا أضعف الأمم بعد أن كانوا أقواها، وأشدُّهم ضعفًا أشدهم بهذه العقيدة تمسكًا؛ وهم مسلمو الشيعة في إيران»([11]).
د- أن الله تعالى لو كلف المسلمين باعتقاد ظهور المهدي؛ «لأنزل فيه قرآنًا أو أمر نبيه بأن يبينه للناس بيانًا شافيًا على أنه عقيدة دينية، ولو فعل لنقل ذلك بالتواتر قرناً بعد قرن، ودونوه في كل عقيدة، وكل كتاب حديث، ولما أهمله مالك في مُوَطَّئِهِ والبخاري في صحيحه»([12]).
2- الشيخ الطاهر بن عاشور
اعتبر الشيخ ابن عاشور الاعتقاد بظهور المهدي «مما لصق بأهل السنة من أقوال الرافضة والإمامية حين اختلط العلم»([13])، وقد اعتمد في نقده لعقيدة المهدي، وما روي فيها من الأخبار على ما كتبه ابن خلدون دون أن يحيل عليه؛ حيث ذكر أن ما يرويه أهل السنة في شأن المهدي لا يصح منه شيء، وأن أمثل مروياتهم في ذلك (8 أحاديث) أوردها بأسانيدها متبوعة بذكر من طعن في بعض رواتها نقلا عن ابن خلدون؛ ثم قال: «هذا حال أمثل الروايات في شأن المهدي، وخلاصة القول فيها من جهة النظر: أنها مستبعدة مسترابة، وإننا لو سلمنا جدلا بارتفاعها عن رتبة الضعف؛ فإننا لا نستثمر منها عقيدة لازمة، ولا مأمورات مندوبة بله الجازمة، أما بقية الآثار المروية في هذا الشأن مما هو نازل في الضعف عن مرتبة هذه الطرق وتلك، ما زادتها كثرتها إلا اضطرابا وتناقضا ونَدا عن قصد صانعيها»([14])؛ ومما سوغ به الطعن في أحاديث المهدي زيادة على ما ذكر:
أ- أنها لو كانت «أسانيدها مقبولة لما فات جميعها أو بعضها الإمامين الجليلين البخاري ومسلم في صحيحيهما»([15]).
ب- أنه من غير المقبول أن «نظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم سكت عن التعرض للخلافة من بعده مع عظم أمرها وشرف منصبها في الدين ...ويهتم ببيان [أمر خليفة] قائم يقوم في أمته في آخر الزمان، فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا؟»([16]).
3- أحمد أميـن
ممن سلك مسلك الإنكار لظهور المهدي ورد أحاديثه أحمد أمين؛ فقد حكم في كتابه (ضحى الإسلام) بأن «حديث المهدي .. حديث خرافة»([17]) وأرجع إنكاره إلى الأسباب التالية:
أ- أن الايمان بالمهدي «قد ترتب عليه نتائج خطيرة في حياة المسلمين»([18])؛ وذكر أن أهم هذه النتائج "الخطيرة":
* ما أحيط به «من التنبؤات، والإخبار بالمغيبات، والإنباء بحوادث الزمان ... وكان لكل ذلك أثر سيء في تضليل عقول الناس... كما كان من أثر ذلك الثورات المتتالية في تاريخ المسلمين؛ ففي كل عصر يخرج داع أو دعاة كلهم يزعم أنه المهدي المنتظر ويلتف حوله طائفة من الناس... وهذا كله من جراء نظرية خرافية هي نظرية "المهدية"»([19]).
* نشوء فكرة "القطبية" لدى المتصوفة تأثرا بعقيدة المهدي لدى الشيعة، وما نسجه الصوفيه حول هذه الفكرة من الأوهام والخيالات؛ مما «أفسد على الناس عقائدهم وأعمالهم، وأبعدهم عن المنطق في التصرف في شؤون الحياة، وقعد بهم عن المطالبة بإصلاح الحكم وتحقيق العدل»([20]).
ب- أن عقيدة المهدي –كما يفهم من كلامه- انتقلت إلى أهل السنة من غيرهم؛ فهي قد «نبعت من الشيعة وكانوا هم البادئين باختراعها»([21])، يمنون النفس عن طريقها بعودة الحكم إليهم «بعد خروج الخلافة من أيديهم، وانتقالها إلى معاوية»([22]).
لاحظ أن الكاتب يخلط بين الطائفة الشيعية المنحرفة، ومن مع علي من الصحابة وآل البيت إبان الخلاف، جاهلا أو متجاهلا أن من انتقلت الخلافة من أيديهم إلى يد معاوية بريئون كل البراءة من عقائد الشيعة المحرفة، التي لم تظهر إلا بعد قرون من مضي هؤلاء الصالحين إلى ربهم.
ج- أن الاعتقاد بقدوم المهدي «نظرية لا تتفق وسنة اللّه في خلقه ولا تتفق والعقل الصحيح»([23]).
د- أن كلا من البخاري ومسلم «لم يرو.. شيئا من أحاديث المهدي؛ مما يدل على عدم صحتها عندهما، وإنما ذكرها الترمذي وأبو داود وابن ماجة وغيرهم»([24]).
4- فريد وجدي:
من المنكرين لظهور المهدي أيضا فريد وجدي؛ صاحب دائرة معارف القرن العشرين؛ فقد أورد بعضا مما جاء فيه من الأخبار، نقلا عن كتاب (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة) لأبي عبد الله القرطبي، وعلق عليها بالقول: «هذا ما ورد من الأحاديث في المهدي المنتظر، والناظرون فيها من أولي البصائر لا يجدون في صدورهم حرجا من تنزيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولها؛ فإن فيها من الغلو والخبط في التواريخ، والإغراق في المبالغة، والجهل بأمور الناس، والبعد عن سنن الله المعروفة ما يشعر المطالع لأول وهلة أنها أحاديث موضوعة، تعمد وضعها رجال من أهل الزيغ، أو المشايعين لبعض أهل الدعوة من طلبة الخلافة في بلاد العرب أو المغرب»([25])، ثم قال: «وقد ضعف كثير من أئمة المسلمين أحاديث المهدي، واعتبروها مما لا يجوز النظر فيه»([26]).
وكان ممن يرى هذا الرأي أيضا:
5- حسن البنا: - مؤسس جماعة الإخوان المسلمين - ؛ فقد جاء في كتابه حديث الثلاثاء: «ثم إننا نجد أن الأهواء السياسية جاءت تصف المهدي المنتظر..، فتضع له الأحاديث؛ مثل: (خليفة الله في أرضه المهدي).. لأن الخليفة كان حينئذ (المهدي العباسي)..، فهذا من قبيل الدعاية السياسية، ولذلك فمن حسن الحظ لم نر في السنة الصحيحة ما يثبت دعوى المهدي، وإنما أحاديثه تدور بين الضعف والوضع»([27]).
6- محمد درويش الحوت البيروتي: وهو فقيه حنفي من علماء القرن الثالث عشر (ت 1276هـ)؛ فقد شكك في ثبوت الأحاديث الواردة في هذا الشأن، زاعما أن «في المهدي أحاديث أفردت في التأليف، وكلها فيها مقال»([28]).
7- عبد الرحمن محمد عثمان: وذلك في تعليقاته على كتاب "تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي" للمباركفوري؛ فقد قال المباركفوري في شرح حديث: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَالضَّرَمَةِ بِالنَّارِ»([29]): «قال الخطابي: ويكون ذلك في زمن المهدي، أو عيسى عليهما الصلاة والسلام أو كليهما»، وقال عبد الرحمن محمد عثمان تعليقا: «يرى كثير من العلماء الثقات الأثبات أن ما ورد من أحاديث خاصة "بالمهدي" ليست إلا من وضع الباطنية والشيعة وأضرابهم، وأنها لا تصح نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم»([30].
8- محمد عبد الله عنان: الذي وصف عقيدة المهدي بـ"الأسطورة" في كتابه (تراجم إسلامية)؛ فقد قال في معرض حديثه عن نسب (المهدي بن تومرت) المغربي: «ومن المحقق الذي لا يقبل ذرة من الجدل أن ابن تومرت بربري الجنس..، ومع ذلك فإنه نظرا لانتحاله صفة المهدي والإمام المعصوم لم يعدم رواية تنسبه لآل البيت؛ إذ لا بد –وفقا لأسطورة المهدي- أن يكون المهدي منهم» ([31]).
9- الشيخ محمد الغزالي: فقد قال: «لما ألفت كتابي (عقيدة المسلم) لم أذكر شيئا عن المهدي المنتظر، وعندما خوطبت في ذلك، وقيل لي: لم لم تذكره في علامات الساعة؟ قلت: من محفوظاتي وأنا طالب أنه لم يرد في المهدي حديث صريح، وما ورد صريحا فليس بصحيح! وإذا كان ما ورد لم ينهض إلى تكوين حكم ثابت، فكيف أجعله عقيدة تفصل بين الكفر والإيمان؟»([32]).
10- الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود: ألف في ذلك رسالة سماها (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر) ذهب فيها إلى نفي خروج المهدي، والرسالة قدمها بحثا في مؤتمر للسنة والسيرة أقيم في الدوحة، بعد قيام فتنة جهيمان العتيبي مع "المهدي المنتظر" المزعوم في الحرم المكي([33])، فأراد أن يتصدى لهذه الفتنة وألف رسالته هذه .
وقد اعتمد فيها على كلام رشيد رضا وأحمد أمين وكرر المسوغات نفسها التي استندا إليها في إنكار المهدي، بل قد نقل كلامهما حرفيا في مواضع دون أن ينسبه إليهما، وقد تعقبه على ما ذهب إليه من نفي خروج المهدي، وإنكار أحاديثه جمع من الشيوخ المعاصرين المشتغلين بعلوم الحديث، واشتد نكيرهم عليه؛ وأبرز من تصدى للرد عليه: الشيخ عبد المحسن العباد في رسالته (الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي)، والشيخ حمود التويجري في كتابه (الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر).
المحور الثاني: مسوغات إنكار ظهور المهدي في ميزان النقد
الناظر في المستندات التي سوغ بها المنكرون المذكورون إنكارهم لأحاديث المهدي، سيجد بعضها دعاوى مرسلة بحاجة إلى الإثبات، وبعضها مغالطات واضحة، وبعضها يفتقر إلى مقومات الدليل السليم؛ لانبنائه على مقدمات غير مسلمة، وبعضها صادر عن محض التقليد للسابق، وفيما يلي مساءلة لهذه المستندات، ومحاولة لبيان قصورها عما يرمي إليه أصحابها من إنكار المهدي وما ورد في شأنه:
1- هل ما ورد في المهدي منحصر في الضعيف والموضوع؟
أما دعوى «أن أحاديث المهدي لا يصح منها شيء يحتج بِه»، وأن «أحاديثه تدور بين الضعف و الوضع»، أو أنها «كلها فيها مقال»؛ فدعوى مرسلة، تحتاج إلى إثبات؛ ولا يخفى أنه لا سبيل إلى إثباتها علميا إلا بجمع كل ما ورد في المهدي من الأخبار، ثم دراسة أسانيدها ومتونها دراسة حديثية نقدية على ضوء أصول الحديث، كما هو معلوم من منهج المحدثين في نقد الروايات، وهو ما لم يفعله الشيخ رضا ومن قلده قطعا؛ إذ لو فعل لتحصل لديه «أن الأحاديث الواردة في المهدي فيها الصحيح، والحسن، وفيها الضعيف، والموضوع»([34]).
ويبدوا أن من أصدر هذا الحكم قد اعتمد فيه على طعن ابن خلدون في أحاديث المهدي؛ قال الشيخ رشيد رضا: «ليس في متن البخاري ذكر صريح للمهدي، ولكن وردت فيه أحاديث عند غيره، منها ما حكموا بقوة إسناده، ولكن ابن خلدون عني بإعلالها وتضعيفها كلها»([35])، وقد مر بك قبل قليل أن ابن خلدون لم يستوعب كل ما ورد في المهدي، وأنه قد أقر بسلامة بعض ما ساقه من النقد.
وقد نوهت سابقا إلى أن الشيخ عبد العليم البستوي أنجز خلال بحثه الأكاديمي الذي نال به درجة الماجستير دراسة حديثية نقدية لأحاديث المهدي، اجتمع له فيه (338) حديثا، وانتهى بعد دراستها أسانيد ومتونا في ضوء أصول علم الحديث إلى أن الثابت منها (46) حديثا ما بين صحيح وحسن.
2- هل أحاديث المهدي متناقضة؟
وأما الجزم بأن أحاديث المهدي «فيها من الاضطراب والتناقض والتعارض ومن لحن العبارات» ما يحمل على الجزم بأنها موضوعة، وأن «الروايات فيه مضطربة يثبت بعضها ما ينفيه الآخر» فهو غفلة بينة، إن لم تكن مغالطة ممن زعم ذلك؛ فإن من جمع كل ما ورد في المهدي من الصحيح والضعيف والموضوع، مع ما يورده الشيعة فيه، وقارن بينه سيلحظ لا محالة التناقض والتنافي بين الروايات، ولو أن قائل ذلك فصل الروايات الصحيحة عند مخالفيه عن الضعيفة والموضوعة، وأثبت أن بين الصحيح منها تعارضا لكان لنقده حظ من الاعتبار؛ إذ من المعلوم في الأصول كما تقدم أن من شروط تحقق التعارض بين الدليلين تساويهما في القوة ثبوتا ودلالة، قال بدر الدين الزركشي: «و [التعارض] في الإصطلاح: تقابل الدليلين على سبيل الممانعة. أما شروطه فمنها: التساوي في الثبوت»([36])، وهو بلا شك غير متحقق في الروايات التي ذكروا أن بينها تعارضا وتناقضا يُسَوِّغ ردها برمتها.
فقد ذكر محمد رشيد رضا على سبيل المثال من أوجه التناقض بين أخبار المهدي «أن أشهر الروايات في اسمه واسم أبيه عند أهل السنة أنه محمد بن عبد الله، وفي رواية: أحمد بن عبد الله، والشيعة الإمامية متفقون على أنه محمد بن الحسن العسكري وهما الحادي عشر والثاني عشر من أئمتهم المعصومين، ويلقبونه بالحجة والقائم والمنتظر، ويقولون: إنه دخل السرداب في دار أبيه في مدينة (سر من رأى) التي تسمى الآن "سامرَّا" سنة 265هـ، وله من العمر تسع سنين، وأنه لا يزال في السرداب حيا»([37])، وهكذا اعتبر ما اختلقته الشيعة الإمامية من الروايات حول إمامهم الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري -الذي يزعمون أنه ولد واختفى إلى الآن، وأنه هو المهدي المنتظر-، اعتبر ذلك معارضا للروايات الثابتة عند أهل السنة تعارضا يوجب سقوط الجميع، وهو الذي قل ما يفوت فرصة يتعرض فيها لذكر الشيعة الروافض في تفسيره ومجلته دون أن يطعن فيهم بأنهم أكذب الطوائف، وأنهم يختلقون الأحاديث، ويضعون الروايات على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أئمة آل البيت لنصرة مذهبهم وترويج آرائهم.
ولو طرَّدْنا هذا المسلك الذي سلكه في نقد أحاديث المهدي في نقد جميع الأحاديث؛ بحيث نقضي برد كل ما تناقضت فيه الروايات الشيعية مع روايات أهل السنة، لما سلم من الإنكار منها إلا القليل.
ومن أجل فساد هذا المنهج لم يطرده الشيخ رضا في كل ما كتبه؛ وإليك هذا المثال: جاء في معرض حديثه عن السابقين للإسلام قوله: «وكان أعلاهم فطرة وأزكاهم نفسا أبو بكر الصديق، وسائر الْعشرة الكرام الْمبَشرِين بِالْجنة»([38])؛ فلو اتبعنا مسلكه هذا، وجمعنا كل ما ورد بشأن أبي بكر وسائر الصحابة من الروايات عند أهل السنة والشيعة ثم قارنا بينها، لوجدنا بينها من التناقض ما يقضي -حسب منهجه هذا- ببطلان جل أحاديث المناقب، ويجعل كلامه هذا عن أبي بكر والعشرة باطلا؛ لأن النصوص التي ثبت بها أن "أبا بكر أعلى الصحابة فطرة وأزكاهم نفسا"، وأنه و"سائرالْعشرة الكرام مبَشرون بِالْجنة"، يعارضه ويناقضه وينافيه ما عند الشيعة من الروايات التي تطعن على أبي بكر وغيره من الصحابة، وتعده وسائر من عدا عليا من العشرة كفارا مرتدين، وتجعلهم من أهل النار.
3- أصحيح أن عقيدة المهدي المنتظر منقولة عن الشيعة؟
وأما القول بأن «جميع ما ورد في المهدي المنتظر من الأخبار والآثار منقول عن الشيعة»، أوالزعم بأن أحاديثه «ليست إلا من وضع الباطنية والشيعة وأضرابهم»، وأن فكرة المهدي «نبعت من الشيعة وكانوا هم البادئين باختراعها»؛ فمما لا يجوز صدوره عن مطلع على أخبار المهدي في كتب السنة، مستوعب لنظرية المهدي عند الشيعة؛ فإن عقيدة المهدي المنتظر لدى الشيعة مغايرة تماما لها عند أهل السنة، وإن المطلع على تاريخ هذه العقيدة في مصادر الشيعة يدرك أن قصة المهدي لم تبدأ عندهم إلا بعد موت إمامهم الحادي عشر الحسن العسكري سنة (260هـ) دون عقب، مما اضطرهم –حفاظا على عقيدتهم في ضرورة وجود الإمام- إلى الزعم بأن له ولدا، ولكنه اختفى، وسيظهر بعد غيبة طويلة في آخر الزمان، وهو المقصود بالمهدي في الأحاديث، ثم راحوا يضعون الأحاديث في اختفائه وغيبته.
وإذا كانت الروايات الشيعية بشأن المهدي لم تبدأ في الظهور إلا بعد سنة (260هـ)، فكيف أثبت الإمام أحمد المتوفى سنة (241هـ) مثلا أحاديث المهدي لو كانت "منقولة كلها عن الشيعة" في مسنده؟
ثم إن الزعم بأن «رواة أخبار المهدي محصورون في فرقة واحدة من المسلمين (وهي الشيعة) ولم يوجد له سند إلا من طريقها» يحتاج إثباته إلى عرض أسانيد أحاديث المهدي عند أهل السنة، وإثبات أن كل رواتها من الشيعة، وهو ما لم يفعله رشيد رضا، ولا من قلده في هذا الزعم.
والذي أثبته الباحث في علوم الحديث الدكتور عبد الحليم البستوي في بحثه الذي نوهنا له سابقا أن «الروايات الثابتة [في المهدي] عددها ستة وأربعون رواية، منها إحدى عشرة رواية فقط في رجالها من رمي بالتشيع ومنها أربعة آثار. أما الروايات السبعة المرفوعة، فيها روايتان فقط في قسم الأحاديث الصريحة، وهذا يعني أن الأحاديث المرفوعة الثابتة الصريحة في ذكر المهدي وعددها ثمانية أحاديث فيها حديثان فقط يوجد في رواتها من رمي بالتشيع»([39]).
4- هل الإيمان بالمهدي المنتظر مضر بالأمة؟
وأما دعوى أن الإيمان بظهور المهدي مضر بالأمة من جهة استغلال المهووسين بحب الرياسة من مدعي المهدوية لإيمان الجمهور بقدومه وانتظارهم له، وما ينجم عن ذلك من إثارة للفتن وسفك للدماء؛ فإن وجود هذه الأضرار لا ينكر، ولكن الخلل ليس في الإخبار بظهور المهدي، وإيمان الناس به، وإنما العيب فيمن يستغله لتحقيق مطامحه السياسية والمادية، وفي من يشايعه من الجمهور للأغراض ذاتها، فوجود مثل هذا الصنف من الناس هو مصدر الخطر؛ لأن سعيهم لتحقيق ما يطمحون إليه لا يحتاج إلى مسوغ ديني يركبونه، واتباع دهماء الناس لهم لا يعود إلى إيمانهم بقدوم المهدي؛ وإلا فلم ادعى النبوة من ادعاها من الطامحين للرياسة؟ ولأي مسوغ ديني اتبعتهم أعداد غير قليلة من الناس، وليس خفيا على أحد من المسلمين أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيئين ولا نبي بعده؟
أرأيت لو أن أحدا من علماء بني إسرائيل اتخذ ظهور من استغل بشارات الأنبياء بقدوم نبي آخر الزمان فاعدى النبوة، لو اتخذ ذلك ذريعة لإنكار تلك البشارات، أيكون إنكاره لها مقبولا؟ أم يكون الصواب هو الإقرار بصحة تلك البشارات، والتحذير ممن يستغلها كاذبا من مدعي النبوة؟
إن الإخبار بظهور خليفة عادل من آل البيت في آخر الزمان يقيم الدين وينشر العدل بشارة صحت بها الرواية، فلا يسوغ إنكارها درءا لفتنة من يستغلها، وإنما الواجب توعية الناس بحقيقة أمر المهدي؛ من أنه لا «دليل في السنة الثابتة على أن المهدي يدعو الناس إلى الإيمان بمهديته»([40])، ولا دليل صحيحا على أنه يجب على المسلمين أن يؤمنوا بمهدية رجل معين كما يجب عليهم الإيمان بنبوة الأنبياء المعينين؛ فالأمر لا يعدو أن يكون المهدي واحداً من المجددين الذين يحيون شريعة الإسلام.
وأما الزعم بأن الاعتقاد بقدوم المهدي أورث المسلمين تواكلا، وتركا لما يجب الأخذ به من الأسباب المادية للعمران، وأن ذلك من أسباب تخلفهم؛ فزعم بارد لا نجد له في الواقع رصيدا؛ فإن أكثر الناس سلبية في مجتمعات المسلمين هم ممن ليس للدين عليهم سلطان أصلا، ولو استطلعت آراءهم في المهدي المنتظر لوجدت أنهم لا يعرفون عنه نقيرا ولا قطميرا، بله أن يعلقوا عليه آمالهم لينقذهم مما هم فيه، ثم لو افترضنا جدلا أن سلبية المتواكلين من المسلمين نابعة من إيمانهم بقدوم المهدي المنتظر، لما كان ذلك مسوغا لإنكاره؛ لأن الخلل ليس في الإيمان ببشارة المهدي، وإنما العيب فيمن ترك ما يجب عليه في الحاضر اتكالا على بشارة مستقبلية قد لا تتحقق إلا بعد قرون.
وأيضا إذا كان تخلي بعض المسلمين عن واجبهم في الإسهام في النهوض بأمتهم اتكالا على قدوم المهدي مسوغا لإنكار هذه العقيدة بصرف النظر عن صحة أدلتها؛ فهل سيكون من المقبول إنكار عقيدة القضاء والقدر لأنها تفضي إلى سلبية بعض المسلمين ورضاهم بالعيش في ذيل الأمم، إيمانا منهم بأن تخلفهم قدر محتوم(!!)، وليس من قدر الله مهرب، ويكون من السائغ المطلوب إنكار الآخرة، لأن من المتزهدة من يرى العمل للدنيا غفلة وانشغالا عن الآخرة (!!)، فيكون الإيمان بالآخرة صارفا لمثل هؤلاء عن أن يقدموا لأمتهم شيئا مما تستعيد به رخاءها المادي ومجدها الحضاري؛ أم يكون الصواب تصحيح مفاهيم (الإيمان بالقدر)([41])، و(الزهد) وبيان خطأ الفصل بين (عمل الدنيا) و(عمل الآخرة)، وأن العمل للدنيا إذا اقترن بنية القربة يعد عبادة([42])؟
أليس الصواب هو أن يعمل المصلحون على تسديد فهم الناس لما صح دليله من العقائد؛ بدل أن يتخذوا سوء فهمهم لها ذريعة لإنكارها؟
ثم إن الراجع إلى كلام محمد رشيد رضا حول هذا المسوغ يجده منطويا على دليل بطلانه؛ وهو قوله: إن اعتقاد المسلمين بالمهدي كان «سببًا في ضعف استعدادهم العسكري.. وأشدُّهم ضعفًا أشدهم بهذه العقيدة تمسكًا؛ وهم مسلمو الشيعة في إيران»؛ فإن جعله ضعف شيعة إيران الأكثر تمسكا بعقيدة المهدي دليلا على صحة ما يقول قد يروج في زمانه؛ أما الآن فقد تبين بطلان كلامه، وظهر أن ضعف الإيرانيين في زمن رشيد رضا لم يكن راجعا إلى استمساكهم بعقيدة المهدي، وإنما يعود بالأساس إلى الاستبداد السياسي، والفساد المالي، والاستعمار الثقافي الأجنبي، والتبعية للغرب، وبعد أن قامت الثورة "الإسلامية" بقيادة دينية أكثر تشبثا بأحلام الدولة المهدوية، وتحرروا من هذا الثلاثي المدمر أصبحوا أقوى شعوب المنطقة، وأكثرها إصرارا على الاستعداد العسكري، مع زيادة تمسكهم بعقيدة المهدي.
5- هل يسوغ إنكار المهدي لعدم ذكره في القرآن والبخاري؟
وأما عدم ورود ذكر المهدي في القرآن وفي صحيح البخاري وموطأ مالك، فليس بقادح في صحة التصديق به، ما دامت الرواية قد صحت بظهوره؛ فإن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما أخبر به الله، وعدم ورود الخبر في صحيح البخاري وفي الموطأ لا يعني عدم صحته؛ فإن الشيخين «لم يستوعبا الصحيح في صحيحيهما ولا التزما ذلك»([43])، وكذا مالك.
6- أصحيح أن أخبار المهدي منافية للعقل؟
أما من ادعى منافاة أخبار المهدي لمنطق العقل، فإنه لم يحدد أي أخبار يقصد؟ حتى نرى أهي من قسم المقبول أو المردود؟ فإن كان يقصد ما ورد في المهدي من الأخبار الضعيفة والموضوعة، فلا جرم أن تكون منافية للعقل ولسنن الله في الكون، وإن كان يريد ما صح سنده منها، فليبين وجه منافاتها للعقل، وهو ما لا سبيل إليه؛ فإن «ما صح عندنا نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو إلى أصحابه [من أحاديث المهدي] ..ليس فيه شيء واحد يستبعده العقل والقلب، ولا يحتاج التقدم العلمي والاجتماعي والسياسي إلى إنكار ذلك؛ بل التقدم في حاجة ماسة إلى مثل هذه القيم والأخلاق [التي وصف بها المهدي] في الساسة والحاكم»([44])، وإلا فأي غرابة في أن يظهر حاكم صالح في آخر الزمان يسوس الناس بالإسلام، ويقيم فيهم العدل؟
وإن من الخطأ منهجيا محاكمة ما صح من الأحاديث في قضية ما بما ورد فيها من الروايات الضعيفة والموضوعة؛ فإن ورود أخبار موضوعة مجافية للمنطق في مسألة ما لا يضر ما صح فيها من الروايات؛ بل الواجب قبول المقبول ورد ما سواه، لا رد الجميع؛ فإنه لا يخلو باب من أبواب الدين في العقائد والأحكام من الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ فلو صح رد ما ثبت من السنن لورود أخبار موضوعة تشاركها في بابها، لردت السنن كلها إلا النزر اليسير.
[1] فتوى حول المهدي المنتظر، المرجع السابق المجلد7، ص: 146.
[2] المسائل الزنجبارية، المرجع السابق، المجلد7، ص: 394.
[3] تفسير القرآن الحكيم: 10/460.
[4] المسائل الزنجبارية، المرجع السابق، المجلد7، ص: 394.
[5] تفسير القرآن الحكيم: 9/499.
[6] المسائل الزنجبارية، المرجع السابق، المجلد7، ص: 394.
[7] فتوى حول المهدي المنتظر، المرجع السابق، المجلد7، ص: 145.
[8] المسائل الزنجبارية، المرجع السابق، المجلد7، ص: 394.
[9] منشورات المهدي السوداني، مقال منشور بمجلة المنار، العدد 36، السنة.2، يوم السبت 14 رجب 1317هـ، الموافق 18 نوفمبر 1899م، ضمن المجلد2، ص: 561.
[10] تفسير القرآن الحكيم: 10/460.
[11] فتوى حول المهدي المنتظر، المرجع السابق، المجلد7، ص: 146.
[12] المسائل الزنجبارية، المرجع السابق، المجلد7، ص: 394.
[13] ابن عاشور، "تحقيقات وأنظار في القرآن والسنة"، ص: 51.
[14] نفسه، ص: 60.
[15] نفسه.
[16] نفسه.
[17] ضحى الإسلام، ط. مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، الطبعة.7، (دون تاريخ): 3/ 243.
[18] نفسه: 3/245.
[19] نفسه.
[20] نفسه: 3/246.
[21] نفسه: 3/241.
[22] نفسه.
[23] نفسه: 3/245.
[24] نفسه: 3/237.
[25] دائرة معارف القرن العشرين، ط. دار الفكر، بيروت (دون تاريخ)، مادة (هدى): 9/480.
[26] نفسه: 9/481.
[27] حسن البنا، "حديث الثلاثاء"، ط. مكتبة القرآن للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة (1999م)، ص: 108.
[28] محمد درويش الحوت، "أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب"، ط. دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة.2، (1403هـ/1983م)، ص: 326.
[29] أخرجه الترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء في تقارب الزمان وقصر الأَمل، رقم (2332)، وأحمد في المسند رقم (10956)، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: «إسناده صحيح على شرط مسلم»، وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم (7422).
[30] تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، لأبي العلى عبد الرحمن المباركفوري، أشرف على تحقيقه وتصحيحه عبد الرحمن محمد عثمان، ط. دار الفكر، (دون تاريخ): 6/625.
[31] تراجم إسلامية شرقية وأندلسية، ط. مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة.2، (1390هـ/1970م)، ص: 237.
[32] مشكلات في طريق الحياة الإسلامية، ط. شركة نهضة مصر، الطبعة.7، (2005م)، ص: 105- 106.
[33] جهيمان بن سيف العتيبي كان عضواً سابقاً في الحرس الوطني السعودي، درس العلوم الشرعية في جامعة مكة المكرمة الإسلامية، وانتقل بعدها إلى الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وفي المدينة، التقى بمحمد بن عبد الله القحطاني، أحد تلامذة الشيخ عبد العزيز بن باز؛ وزوجه جهيمان أخته؛ وانضم إليهما آخرون ليشكلوا ما يسمى بجماعة جهيمان التي تنزع إلى التكفير، وترى سلوك سبيل العنف للتغيير، وتعتقد ضرورة تصحيح الوضع الذي تسبب به آل سعود، "الفاقدين للشرعية، بسبب فسادهم وتدميرهم لثقافة البلاد وحضارتها، ونهجهم في اتباع الغرب وموالاته"؛ وتزعم أن محمد عبد الله القحطاني صهر جهيمان هو المهدي المنتظر الذي بشرت به الأحاديث؛ مما يوجب على المسلمين مبايعته خليفة لهم.
فقرروا أن ينفذوا هذه الأفكار ويعلنوا القحطاني المذكور إماما للمسلمين في أول يوم من القرن (15) الهجري، وخططوا لذلك بما يلزم، فلما حل الأجل المسمى شرعوا في التنفيذ؛ فأدوا صلاة الفجر يوم: 1 محرم 1400هـ الموافق 20 نوفمر 1979م بالمسجد الحرام، وبعد الصلاة وقف جهيمان العتيبي وبجانبه محمد بن عبد الله القحطاني، ليعلن أمام المصلين أن محمد القحطاني هو المهدي المنتظر الواجب اتباعه، فطلب منهم مبايعته، وفي هذه الأثناء قامت مجموعة من الرجال التابعين له "والذين تبين فيما بعد أنهم من 12 دولة مختلفة بينهم أميركيان" باستخراج أسلحة خفيفة من توابيت أدخلت قبل الصلاة باعتبارها تحوي جثامين لموتى للصلاة عليهم في المسجد، والحال أنها كانت معبأة بالأسلحة والذخيرة، وتمكن المسلحون من إغلاق الأبواب وسد منافذ الحرم والتحصن داخله، وتمكن عدد من المصلين الذين كانوا داخل الحرم لتأدية صلاة الفجر من الفرار، أما الباقون و"يقدر عددهم بمائة ألف"، فيبدو أن الكثير منهم اضطروا بشكل أو بآخر إلى مبايعة محمد عبد الله القحطاني باعتباره المهدي المنتظر.
وألقى جهيمان خطبة عبر مآذن الحرم أثناء الحصار، بثتها الإذاعات العربية والعالمية ضمنها اتهامات للأسرة الحاكمة في السعودية، وبعض الاعتراضات على نمط الحياه العامه للناس، وكيف استشرى الفساد، وتوجيه دعوات إلى أهل مكة والقوات السعودية الخاصة التي تحاصر الحرم للتوبة والانضمام إلى المسلحين ومبايعة المهدي.
ووجدت الحكومة السعودية نفسها محرجة ومكبلة في مواجهة العملية، وكان لا بد قبل الشروع في أي عمل عسكري من استصدار فتوى تبيح التدخل بالقوة وإدخال الأسلحة إلى داخل الحرم المكي لإنهاء الحصار، وتمكنت السلطات، حسب بعض المصادر، من الحصول "على أصوات 32 من كبار العلماء" لاستخدام القوة ضد حركة جهيمان.
وفي العاشرة صباحا من يوم الثلاثاء 14 محرم 1400 هـ الموافق 4 ديسمبر1979، أي بعد انقضاء أسبوعين على الحصار، بدأت القوات المسلحة السعودية مدعومة بقوات فرنسية الهجوم، واستمر حتى حلول المساء، حيث تمكنت من الاستيلاء على الموقع، وتحرير الرهائن في معركة تركت وراءها نحو 250 قتيلاً وقرابة 600 جريح، وأشارت تقارير إلى استخدام غازات تسببت بشلل المسلحين.
تم أسر من تبقى على قيد الحياة ومن بينهم جهيمان العتيبي، في حين كان محمد بن عبد الله القحطاني بين القتلى. ونفذ في الناجين حكم الإعدام في 9 يناير 1980م. عن موقع وكيبديا الموسوعة الحرة: ar.wikipedia.org، بتصرف.
[34] الألباني، " تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق، لأبي الحسن علي بن محمد الربعي"، ص: 45
[35] فتوى حول المهدي المنتظر، المرجع السابق، المجلد7، ص: 145.
[36] البحر المحيط في أصول الفقه: 4/407.
[37] تفسير القرآن الحكيم: 9/412.
[38] تفسير القرآن الحكيم: 11/110.
[39] الأحاديث الواردة في المهدي في ميزان الجرح والتعديل، القسم الأول، ص:375.
[40] نفسه، ص:383.
[41] كانت للسيد محمد رشيد رضا -الذي ينكر المهدي لأن الناس يتركون العمل اتكالا علي قدومه- جولات من النقد اللاذع في مجلته مع من يتركون العمل اتكالا على القدر؛ فأنكر عليهم سوء فهمهم، وما أنكر عقيدة القدر توقيا لبعض نتائجها في سلوك من يخطئ فهمها، بل أنكر الاحتجاج به والاتكال عليه بدعوى التوكل، مؤصلا كلامه بأن «النبي صلى الله عليه وسلم وهو إمامنا وقدوتنا، لما بعث في دياجير الجهل، وتحكم سلطان الشرور وقبائح العادات في الأمم التي أرسل إليها، لم يقل إن ذلك ما أراده الله، ولم يسلم أمره للقدر بترك العمل، وكذلك الصحابة – رضي الله عنهم- أصابهم من الآلام في السعي ما أصابهم مع أنهم أشد الناس توكلاً على الله وأكملهم تمسكًا بالقدر في طريق الحق؛ فإذا كانوا قدوتنا كما هو الحق، فلماذا لا نقتدي بسيرتهم وننبذ وساوس المبطلين،.. [فـ] الاحتجاج على ترك العمل بالقدر من عقائد الملحدين، وقد جاء الكتاب الكريم بتشنيع اعتقادهم والنعي عليهم فيه .. فلا يسوغ لأحد منا وهو يدّعي أنه مؤمن بالقرآن أن يحتج بما كان يحتج به المشركون» . درس عام في العالم الإسلامي والتعليم، مقال منشور بمجلة المنار، عدد يوم الجمعة 16 شعبان 1321هـ، الموافق 6 نونبر 1903م، ضمن المجلد6، ص: 621.
[42] انظر محمد قطب، "مفاهيم ينبغي أن تصحح"، ط. دار الشروق، القاهرة، الطبعة.12، (1428هـ/2007م)، ص: 173، وما بعدها، وص: 255، وما بعدها، وص: 283، وما بعدها.
[43] أبو عمرو بن الصلاح، "علوم الحديث"، ط. مكتبة الفارابي، الطبعة.1، (1984م)، ص: 10.
[44] عبد الحليم البستوي، "الأحاديث الواردة في المهدي في ميزان الجرح والتعديل"، القسم الأول، ص:379
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقا تراه مشجعا أو مفيدا