أبرز الكتب والرسائل الجامعية
التي كتبها السلفيون المعاصرون في نقد العقيدة الأشعرية
(The most prominent books of the "Salafis" in criticism of the Ash'ari faith)
بقلم د. الحسين بودميع
الخلاف بين أئمة أهل السنة في قضايا الأصول –كالخلاف بينهم في قضايا الفروع- مما مضت به سنة الله في هذه الأمة، وأسباب الخلاف في مسائل العقيدة كأسبابه في مسائل الشريعة، أسباب موضوعية بحتة في الغالب؛ يتصل بعضها بالاختلاف في النص ثبوتا وفهما وتنزيلا، وبعضها بالاختلاف في الأصول الاجتهادية المتبعة في كل مذهب وعند كل إمام، ويرجع بعضها إلى طبيعة ونوع الخصوم الذين باحثهم وحاججهم كل فريق نصرةً للدين، وكل الأئمة –كما نحسبهم بما يوجبه حسن الظن بعامة المسلمين بله بخاصتهم- يروم تنزيهَ الباري جل جلاله عن النقص، ونسبةَ الكمال المطلق له، والدفاعَ عن حياض الحق على قدر المستطاع.
والخلاف بين أهل السنة في العقيدة لا يتجاوز نطاق التفاصيل والفروع إلى حمى الأصول والكليات، فأصول العقائد بحمد الله بمنأى عن أن تكون محلا للنزاع بينهم؛ فالجميع –إلا من شذ- متفق على الاحتكام إلى الوحي والصدور عنه في تقرير العقائد، وكلهم مقر بأسس الإيمان الكبرى المذكورة في جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريلَ إذ سأله عن الإيمان؛ وهي: الإيمان، بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
وعامة الخلاف بينهم في تفاصيل الصفات الإلهية؛ أما وجوب إثبات ما يليق بالله ونفي ما لا يليق بجلاله على وجه الإجمال فلا خلاف فيه بينهم؛ فالجميع مطبق على وجوب وصف الله بكل كمال، وتنزيهه عن كل نقص.
وكذا الأصول الخمسة الباقية؛ فالخلاف فيها لا يكاد يذكر، وما حصل من الخلاف في قضايا القدر فإنما كان لتعلقه بالصفات.
وإذا أردنا رصد مواطن الاتفاق والاختلاف بين مذاهب أهل السنة في أقسام العقيدة حسب التقسيم المتبع في كتب الأشاعرة؛ فإن الخلاف يكاد ينحصر في الإلهيات، أما النبويات والسمعيات ومسائل المفاضلة والخلافة والصحابة فكلها محل اتفاق بين مذاهب أهل السنة الثلاثة على جهة العموم.
ويرجع الخلاف بين الحنابلة والأشاعرة تاريخيا إلى ما كان من الخلاف بين الإمام أحمد وبعض معاصريه؛ كابن كلاب والقلانسي والمحاسبي حول نصوص الصفات التي يوهم ظاهرها التشبيه؛ وما نجم عن ذلك من الخلاف في كلام الله، وأفعاله الاختيارية، والكسب البشري وعلاقته بخلق الأفعال؛ حيث اختار هؤلاء طريقة التنزيه تفويضا أو تأويلا، وتمسك المنتسبون للإمام أحمد بطريقة الإثبات.
وقد كان أبو الحسن الأشعري على مذهب الاعتزال، ولما أعلن توبته عنه رجع إلى مذهب أهل السنة على طريقة هؤلاء الأئمة الذين كانوا في خلاف مع ابن حنبل، فبقي أتباع أبي الحسن على طريقة هؤلاء في التنزيه، بينما تمسك الحنابلة بطريقة إمامهم في الإثبات، فاستمر الخلاف بعد ذلك، ثم تجذر مع استفحال التعصب في الفريقين على مرور الأعصر، حتى زماننا.
ومع ظهور حركة محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية التي اتخذت من المذهب الحنبلي مذهبا لها في الأصول والفروع، كان من الطبيعي - وهي المعروفة باعتنائها بمسائل الاعتقاد والشدة على الخصوم - أن يحيي منتسبوها الصراع القديم مع خصوم المذهب الأشاعرة؛ فكان أن ألفت كتب، وأنجزت دراسات وبحوث، وألقيت دروس من قبل منسوبي هذه المدرسة في نقد المذهب الأشعري، وكشف ما خالف فيه المذهب الحنبلي الذي يدعونه مذهب أهل السنة والجماعة.
وعامة ما صدر في ذلك من الدراسات المعاصرة ينحو نحو تضليل الأشاعرة، ويحرص على تخطئتهم، وإخراجهم عن دائرة أهل السنة والجماعة، وغالبا ما يتبع مؤلفوها منهج المقارنة بين عقيدة الأشاعرة وعقيدة الحنابلة باسم عقيدة أهل السنة والجماعة أو عقيدة السلف، ومحاكمة الأولى للثانية، وقد يصرح بإرادة المحاكمة المذكورة في عنوان الدراسة بأن يلحق بنقد آراء الأشاعرة أو عَلَم منهم عبارة: (في ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة).
وهي صيغة تشعر القارئ من أول وهلة بأن الأشاعرة شيء وأهل السنة والجماعة شيء آخر، وأن على من أراد من الأشاعرة أن يعد في الفرقة الناجية وهم أهل السنة أن يتحنبل ويتبرأ من تمشعره.
ويمكن تصنيف هذه الدراسات بحسب دوافعها التفصيلية ومنهج أصحابها إلى سبعة أصناف:
1- صنف يرصد ما يعد "أخطاء" المذهب الأشعري في كل أبواب العقيدة، وبيان وجه مخالفتها لمذهب السلف (= مذهب الحنابلة).
2- صنف يرصد "أخطاء" المذهب الأشعري في بعض أبواب العقيدة؛ كباب التوحيد أو الأسماء والصفات أو صفة واحدة دون سائرها.
3- صنف يرصد الآراء الاعتقادية لعَلَم من أعلام الأشاعرة، ونقدها.
4- صنف موضوع لنقد كتاب من كتب الأشاعرة والرد على مؤلفه.
5- صنف يرصد ما يراه تأثيرات المذاهب المنحرفة على عقائد الأشاعرة.
6- صنف يبحث موقف ابن تيمية من الأشاعرة عامة أو من علم من أعلامهم.
7- صنف يقارن بين المذهب الأشعري وغيره؛ لبيان مواطن وأسباب "الانحراف" فيه.
وهناك كتب لم تفرد موضوع نقد الأشاعرة بالبحث، بل كتبت في تقرير العقيدة أو شرح متن في العقيدة على مذهب الحنابلة، ويتعرض أصحابها لنقد الأشعرية والأشاعرة في موارد الخلاف، وكتب أخرى وضعت في فنون غير فن العقيدة؛ كالتفسير والحديث، ومناهج العلماء، ولكن يرد فيها نقد الأشاعرة عند التعرض لمسألة خلافية في العقيدة، وتعد فتاوى المبرزين من الشيوخ كابن باز وابن عثيمين وابن جبرين من المظان الهامة لنقد السلفيين الحنابلة للأشاعرة.
ومن أبرز ما صدر من الأبحاث والدراسات الحنبلية المعاصرة في نقد العقيدة الأشعرية وأعلامها:
1- كتاب (الأشاعرة: عرض ونقض)؛ للباحث السعودي سفر بن عبد الرحمن الحوالي،
أصدره مركز البحوث والدراسات، التابع لمجلة البيان بالرياض، وهو كتاب متوسط الحجم يرمي فيه صاحبه حسب ما يفهم من مقدمته، وما لخصه في خاتمته إلى الرد على من يرى أن الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة أو من أهل السنة والجماعة، وإيضاح «أن دعوى أن الأشعرية هي عقيدة عامة المسلمين هي دعوى بلا دليل»([1])، مع اعترافه الضمني في مقدمته بصحة الدعوى واقعا؛ إذ قال: «وليس عجيبا في سنة الله أن يأتي عصر يقل فيه أهل السنة والجماعة ويستضعفون، ويعلو فيه أهل البدعة والفرقة ويسيطرون»([2])، إشارة منه إلى قلة طائفته الحنبلية، وكثرة أتباع العقيدة الأشعرية، وقد سجل الحوالي على الأشاعرة في هذا الكتاب المآخذ التالية:
- القول بوجوب النظر على كل مكلف، وما ترتب عنه من تكفير العوام.
- تغليب العقل على النقل.
- التوسع في التأويل.
- التوسع في التكفير.
- القول بأن نصوص الوحي لا تفيد اليقين.
- إنكار حجية الآحاد في العقائد.
- ارتباط المذهب بالتصوف.
- التلقي عن فلاسفة اليونان وعن الصابئة واليهود؛ وقد ترتب عن ذلك من وجوه الخلل:
أ- الخلل في تفسير التوحيد، وما ترتب عنه من التعطيل وعدمِ التزام مقتضى التوحيد الحق.
ب- نفي الحكمة والتعليل (= تنزيه الله عن الغرض).
ج- الغلط في تفسير أصل نشوء الشرك.
د- الاعتداد بخلاف الفلاسفة في قضايا العقيدة.
- جعل إرسال الرسل من الجائز العقلي.
- حصر دلائل النبوة في المعجزات.
- قولهم بالعصمة المطلقة للأنبياء.
- حصرهم حقيقة الإيمان في التصديق المجرد؛ وما ترتب عنه من تبني مذهب الإرجاء ومن القول بعدم جواز الاستثناء في الإيمان (= أن يقول أحدنا: أنا مؤمن إن شاء الله).
2- منهج الأشاعرة في العقيدة: تعقيب على مقالات الصابوني، لسفر بن عبد الرحمن الحوالي،
وهو رسالة صغيرة جمع فيها المؤلف ردوده على مقالات للشيخ محمد علي الصابوني، وهو من الأشاعرة المعاصرين؛ نشرها في مجلة المجتمع الكويتية([3])، يبين فيها أن اسم أهل السنة والجماعة يسع كلا من الأشاعرة والماتريدية والحنابلة، ودعا بناء عليه إلى توحيد الصفوف بين المسلمين وتناسي هذه الاختلافات الفرعية في العقيدة.
فكان رد الحوالي في رسالته مركزا على إثبات خروج الأشاعرة عن أهل السنة، من خلال ما رصده من مخالفات الأشاعرة للمذهب الحنبلي الذي مَرَدَ على عَدّه الممثل الوحيد لعقيدة أهل السنة، ومن المخالفات التي رصدها في هذا الكتاب زيادة على ما تقدم في كتابه السابق:
- محاولة الأشاعرة التلفيق بين مذاهب السلف ومذاهب المعتزلة
- وصفهم "أهل السنة+ بالحنابلة الحشوية
- قولهم بالكلام النفسي، وأن القرآن عبارة عن كلام الله، وليس هو كلام الله على الحقيقة؛ وأنهم فرقوا بين معنى القرآن وألفاظه، فقالوا: معناه أزلي، وألفاظه مخلوقة.
- قولهم بنفي السببية، وأن الأسباب لا تؤثر بذاتها في المسببات، وأن لا فاعل على الحقيقة إلا الله.
وانتهى في بحثه إلى النتيجة التالية تعقيبا على صالح الفوزان في حكمه بأن الأشاعرة من أهل السنة في غير باب الصفات: «من خلال استعراضي لأكثر أمهات كتب الأشاعرة، وجدت أن موضوع الصحابة هو الموضوع الوحيد الذي يتفقون فيه مع أهل السنة والجماعة، وقريب منه موضوع الإمامة»([4])؛ كذا قال، و(سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ). [سورة الزخرف: 19].
3- ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي، لسفر بن عبد الرحمن الحوالي،
وهو رسالة علمية نال بها المؤلف درجة الدكتوراه تحت إشراف الدكتور محمد قطب، من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، انتقد فيه الأشاعرة في بابي القدر والإيمان؛ وانتهى فيه إلى أنهم من غلاة المرجئة في باب الإيمان، ومن المجبرة في باب القدر.
4- الأشاعرة في ميزان أهل السنة، لفيصل بن قزار الجاسم؛
ألفه صاحبه للرد على الكاتبين: حمد السنان وفوزي العنجري في ما قرراه في كتابيهما: (أهل السنة الأشاعرة: شهادة علماء الأمة وأدلتهم) من كون الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة، وأن عقيدتهم هي عقيدة السواد الأعظم من المسلمين علماء وعامة؛
لهذا ركز بحثه على إثبات نقيض ما قرره الكاتبان، واقتصر في مباحثته لهما على نقد آراء الأشاعرة في باب الصفات، لتركيز الكتاب المنقود عليه، وسجل فيه على الأشاعرة الملحوظات التالية:
ـ الاحتكام إلى العقل وتغليبه على العقل في تقرير العقائد.
ـ القول بالتفويض المعنوي في باب المتشابه من الصفات؛ ونسبته إلى السلف أو تأويل الصفات ونسبته إلى الخلف.
ـ قولهم: لفظي بالقرآن مخلوق، وهو مذهب ابن كلاب.
ـ مخالفة متأخري الأشاعرة لمقالات إمام المذهب.
ـ مخالفتهم للسلف في جواز السؤال عن الله بأين؟
ـ إحداثهم لمقالة الكلام النفسي.
ـ إنكارهم الحرف والصوت عن كلام الله.
ـ نفيهم الصفات الاختيارية؛ لكونها حادثة، والحادث لا يقوم إلا بحادث.
ـ امتناعهم عن اتباع منهج السلف، مع إقرارهم بصحته واحتكامهم إليه في بيان ما يصح من العقائد.
ـ موافقتهم للجهمية والمعتزلة في تأويل الصفات الذاتية الخبرية والفعلية.
ـ نفيهم عن الله جل وتعالى ما لم يرد بنفيه نص كالجسمية والتحيز والجهة والانتقال والزوال.
ـ قولهم في باب القدر بالكسب؛ الذي يعني اقتران القدرة الحادثة بالقدرة القديمة، وأن الحادثة لا تأثير لها في الفعل البتة، وإنما الله أجرى العادة بحصول الفعل عندها.
5- موقف ابن تيمية من الأشاعرة، لعبد الرحمان بن صالح المحمود،
وهو رسالة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الدكتوراه في العقيدة من كلية أصول الدين التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود في المدينة النبوية، ويعد حسب تقديري من أكثر الدراسات السلفية جدية في نقد مذهب الأشاعرة، وإنْ بنِيّةِ تخطئته انطلاقا من أن كل ما خالف مذهب الحنابلة فهو خطأ؛ بسبب ما أنشئ عليه من الاعتقاد بأن مذهب الحنابلة هو وحده مذهب أهل السنة والجماعة والممثل الوحيد لعقيدة السلف، ويظهر أن صاحبه بذل فيه جهدا كبيرا، وقد حاول أن يتسم بقدر من التجرد والموضوعية في البحث، وقد صدر البحث في ثلاث مجلدات من مكتبة الرشد بالرياض سنة 1995م.
وقد استغرق منه التأريخ للمذهب الأشعري ورصد مراحل تطوره والتعريف بأعلامه، وكذا عرض منهج ابن تيمية في نقد الخصوم عامة والأشاعرة خاصة ما يقارب ثلثي البحث، قبل أن يستعرض في ثلثه الأخير انتقادات ابن تيمية للأشاعرة في كتبه؛ خاصة كتاب درء التعارض بين العقل والنقل، وكتاب بيان تلبيس الجهمية، ومجموع الفتاوى، وكتابي النبوات والتسعينية.
وقد خلص فيه إلى أن «من أهم المسائل الكلامية التي خاض فيها الأشاعرة مخالفين لمذهب أهل السنة والجماعة.
- مسألة إيجاب النظر، وأنه أول واجب على المكلف.
- ومسألة دليل حدوث الأجسام على إثبات الصانع، وما ترتب عنه.
- نفي ما عدا الصفات السبع عن الله تعالى من الصفات الفعلية والخبرية. وقولهم بنفي التجسيم الذي رتبوا عليه نفي الصفات.
- تقديم العقل على الشرع عند توهم تعارضهما.
- الميل في باب القدر إلى مذهب الجهمية، وفي باب الإيمان إلى مذهب المرجئة.
- دعوى أن أخبار الآحاد لا تفيد العلم فلا يحتج بها في العقائد.
- وضع المقدمات العقلية والفلسفية في كتبهم ومباحثهم العقدية.
وقد تفرعت عن هذه الأصول الكبار مسائل متعددة متفرقة كانوا في كل واحدة منها سالكين ومتابعين لأقوال طائفة أو فرقة من الفرق المنحرفة عن منهج أهل السنة»([5]).
6- كتاب: الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم فى الصفات والرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية،
للباحث: عبد القادر بن محمد عطا صوفي، وهو أطروحته التي نال بها درجة الدكتوراه في العقيدة، من كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة، وقد صدر في ثلاثة مجلدات عن مكتبة الغرباء الأثرية، سنة (1418هـ)
عرض فيه أهم الأصول التي أسست عليها كبرى المذاهب الكلامية آراءها الاعتقادية المتعلقة بالصفات الإلهية، معقبا عليها بما يراه إبطالا لها.
وقد اعتمد اعتمادا شبه كلي على ما سطره ابن تيمية حول هذه الأصول، سواء في العرض أو النقد؛ وذلك من منطلق أن «شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله... خير من خبرها –في نظري-، وأفضل من رد عليها»([6])، إضافة إلى أنه «العالم الفذ، والإمام البارز، الذي حباه الله تعالى بموهبة استحضار الأدلة، والترجيح بين المسائل، حتى لكأن العلم بين عينيه رضي الله عنه»([7]).
وذكر من الأسباب التي حملته على تناول هذا الموضوع بالبحث أن «الأشعرية والماتريدية تمدان أذرعهما كالأخطبوط في بقاع شتى من العالم الإسلامي، ويسمون أنفسهم زورا بأهل السنة والجماعة»([8])، مع ما عرف من "قوة هذا التيار البدعي، ونشاطه المتواصل»([9]).
وقد تناول بالعرض والنقد أربعة أصول من الأصول التي بنى عليها من وصفهم بالمبتدعة آراءهم في الصفات، وأفرد لكل أصل بابا من أبواب البحث؛ وهي:
1- تقديم العقل على النقل.
2- إثبات وجود الله بدليل الأعراض وحدوث الأجسام.
3- إثبات وجود الصانع تعالى بدليل الاختصاص.
4- إثبات وجوده تعالى بدليل التركيب.
وقد تعرض بالنقد لكل من الجهمية، والمعتزلة، والكُلابية، والأشعرية، والماتريدية، وكل أولئك حشرهم تحت اسم المبتدعة، وحكم عليهم بحكم واحد، وهو ضلال الاعتقاد ومخالفة منهج السلف وعقيدة أهل السنة والجماعة.
ولم يزعه عن هذه المجازفة في تعميم الحكم بالابتداع على كل أولئك ما تقرر تاريخا وواقعا -وباعترافه- من أن المذهبين الأشعري والماتريدي هما مذهب السواد الأعظم من علماء المسلمين، وأن حكمه بالضلال على أصحاب هذه المذاهب كلها يشمل أئمة كبار لا يسع المسلمَ إلا أن يدين لله بتعزيرهم وتوقيرهم؛ كالباقلاني، وأبي ذر الهروي راوي البخاري، والبيهقي، وأبي بكر بن العربي، وأبي الوليد الباجي، وصلاح الدين العلائي، وابن الصلاح، والنووي، والعز بن عبد السلام، وأبي إسحاق الشاطبي، وابن حجر، والسيوطي...
فهؤلاء جميعا أشاعرة، ومقتضى حكم الباحث على الأشعرية بأنهم من طوائف أهل البدع أن هؤلاء الأئمة جميعا مبتدعة خارجون عن دائرة أهل السنة؟
وهم من هم منزلة وعلما وعملا وصلاحا في نفوس المسلمين، مع ما أبلاه كل منهم من البلاء الحسن في نصرة الإسلام وخدمته.
ولا يُدرى كيف يزعم الباحث اتباع ابن تيمية والتأسي به، وابن تيمية ما كان يبدع هؤلاء، ولا كان ينسبهم إلى الضلال والانحراف في الاعتقاد، بل كان يثني على من تقدمه منهم في مواضع من كتبه، ويصف النظار منهم بـ (نظار السنة)، أو(نظار أهل السنة)؛ ومن ثنائه على أعلام الأشاعرة: قوله في درء التعارض بمناسبة تناوله لكلام بعض الناس في بعض أئمة الأشاعرة، مثل ما نقله عن الحسين بن أبي أمامة المالكي قال: سمعت أبي يقول: لعن الله أبا ذر الهروي؛ فإنه أول من حمل الكلام إلا الحرم، وأول من بثه في المغاربة؛ فقال ابن تيمية معقبا: "قلت: أبو ذر فيه من العلم والدين والمعرفة بالحديث والسنة وانتصابه لرواية البخاري عن شيوخه الثلاثة وغير ذلك من المحاسن والفضائل ما هو معروف به...، وأهل المغرب كانوا يحجون فيجتمعون به، ويأخذون عنه الحديث وهذه الطريقة، ويدلهم على أصلها، فيرحل منهم من يرحل إلى المشرق؛ كما رحل أبو الوليد الباجي فأخذ طريقة أبي جعفر السمناني الحنفي صاحب القاضي أبي بكر [يعني الباقلاني]، ورحل بعده القاضي أبو بكر بن العربي فأخذ طريقة أبي المعالي في الإرشاد.
ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف+ درء تعارض العقل والنقل: 2/101-102؛
فأين تعصب وبغي هذا الباحث وأمثاله من إنصاف الشيخ ابن تيمية إمام مذهبه.
ومن المواضع التي وصفهم فيها بنظار السنة قوله: «وأما عدمه [يعني الممكن] فقد قيل: إنه أيضا لا بد له من علة، وهو قول ابن سينا وأتباعه المتأخرين...، وقيل: لا يحتاج عدمه إلى علة، وهو قول نظار السنة المشهورين؛ كالقاضي أبي بكر [يعني الباقلاني]، وأبي المعالي [الجويني]، والقاضي أبي يعلى، وابن عقيل»([10])
هذا ومما سجله هذا الباحث على الأشاعرة من المآخذ:
ـ دعواهم التعارض بين العقل والنقل، وتقديمهم الأول على الثاني.
ـ أخذهم بدليل الأعراض وحدوث الأجسام طريقة لإثبات وجود الخالق سبحانه، والتزامهم لوازمه؛ مما حدا بهم إلى نفي كثير من صفات الله تعالى؛ تعطيلا أو تأويلا؛ ومن لوازمه:
ـ قولهم بامتناع حوادث لا أول لها؛ مما أدى بهم إلى اعتقاد تعطيل الله عن الفعل في الأزل.
ـ إطلاقهم لفظ الجسم نفيا عن الله تعالى؛ مما نتج عنه نفيهم ما يرونه من صفات الأجسام عن الله تعالى؛ كالجهة والتحيز والحركة والانتقال...
ـ قولهم بامتناع حلول الحوادث بذات الله تعالى؛ مما حدا بهم إلى نفي الصفات الاختيارية عنه تعالى.
ـ مخالفة متأخريهم لمتقدميهم في باب الصفات، بسبب كثرة اطلاعهم على كتب المعتزلة من غير اعتصام بالكتاب والسنة؛ مما جعل مذهبهم أقرب إلى مذهب الجهمية منه إلى مذهب الأشاعرة المتقدمين.
ـ أخذهم بدليل الاختصاص في إثبات وجود الصانع مع أنه من أوهى الأدلة، ونفيهم بسببه صفة العلو والجهة.
ـ "فساد" معتقدهم في باب القدر، وأخذهم بمقولة الكسب التي لا تفهم حتى عند ذوي الاختصاص منهم.
6- موقف ابن القيم من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والصوفية، للباحث عواد عبد الله محمد المعتق،
وهو رسالة جامعية نال بها الباحث مضمومة لتحقيق كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم درجة الدكتوراه في العقيدة.
وقد تغيى من البحث كما قال في مقدمته القضاء على معتقدات أهل المذاهب المذكورة؛ «وللقضاء على هذه المعتقدات لا بد من بيانها مع التحذير منها؛ بأنها من عقائد الفرق المخالفة لعقيدة السلف»([11])
وقد تعرض لموقف ابن القيم من الأشاعرة في الفصل الثالث من الجزء الأول من البحث، وعرض فيه موقفه منهم في باب الصفات، وأفعال العباد، والتكليف بما لا يطاق، والتحسين والتقبيح العقليين، ومسألة الجوهر الفرد، وتأثير الأسباب، وسجل عليهم المآخذ التالية:
ـ اقتصار بعضهم على إثبات الصفات الذاتية السبع، وتأويلهم للصفات الفعلية أو نفيها.
ـ نفيهم تأثير القدرة الحادثة في الفعل؛ وقولهم من ثمة بأن أفعال العباد خلق لله وكسب للعبد.
ـ قولهم بالتكليف بما لا يطاق.
ـ نفي الحسن والقبح الذاتيين.
ـ قولهم بالجوهر الفرد أو الجزء الذي لا يتجزأ.
ـ نفيهم الاقتران الضروري بين السبب والمسبب.
7- منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى، لخالد بن عبد اللطيف بن محمد نور،
وهو رسالة جامعية تقدم بها صاحبها لنيل درجة الماجستير في العقيدة من كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة، وصدرت في جزئين من مكتبة الغرباء في المدينة النبوية.
وقصده من البحث هو نقد منهج الأشاعرة في باب الإلهيات خاصة؛ كما هو واضح من العنوان، وذكر في الخاتمة أن اهتمام الدراسة متوجها بالأساس إلى طريق المتأخرين من الأشاعرة؛ كالجويني والغزالي والرازي؛ فقد «كانوا هم المقصودين في هذه الرسالة»([12])، وقد سجل فيها ملحوظات في بعضها تقول على المذهب الأشعري، وبعضها من لوازم المذهب، وجملة مآخذه ترجع إلى ما يلي:
ـ إنكار الصفات الثابتة، كالعلو والاستواء.
ـ قولهم بخلق القرآن في المآل.
ـ مذهبهم في الأفعال يستلزم عدم إثباتها حقيقة.
ـ نفيهم تأثير الأسباب وما أفضى إليه من الميل إلى الجبر في باب خلق الأفعال.
ـ عدم وضوح المنهج الأشعري في توحيد الألوهية.
ـ كون مسالكهم في الاستدلال عصية على الفهم.
8- أثر الفكر الاعتزالي في عقائد الأشاعرة: عرض ونقد، لمنيف بن عايش العتيبي،
وهي رسالة تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراه في العقيدة من كلية الدعوة وأصول الدين، بالجامعة الإسلامية، في المدينة، وغرضه من البحث كما هو واضح من العنوان ومما قرره في مقدمته: إثبات أن الأشاعرة متأثرون في كثير من آرائهم الاعتقادية بمنهج وآراء المعتزلة، وقد التزم منهجيا في كل مسألة بالبدء بعرض مذهب المعتزلة في المسألة من كتبهم، خاصة كتب القاضي عبد الجبار الهمداني، ثم عرض مذهب الأشاعرة فيها من كتبهم المعتمدة، ثم بيان جوانب تأثر الأشاعرة بالمعتزلة في المسألة، ثم نقد مذهب الفريقين، وختْمِ الفصل بتقرير مذهب الحنابلة باسم مذهب أهل السنة والجماعة على أنه الميزان المرجوع إليه لفصل النزاع، معتمدا في ذلك كليا على كتب ابن تيمية، وانتهى إلى أن الأشاعرة قد تأثروا بالمعتزلة في مسائل كثيرة؛ من أهمها:
ـ دليل الحدوث، وإثبات الجوهر الفرد.
ـ تقديم العقل على النقل.
ـ رفض الاحتجاج بخبر الآحاد في العقائد.
ـ القول بوجوب النظر الموصل لمعرفة الله على كل مكلف.
ـ اعتناق بعضهم مذهب المعتزلة في نفي الصفات، وإنكار كونها شيئا زائدا على الذات.
ـ نفي الصفات الخبرية والأفعال الاختيارية.
ـ القول بأن ألفاظ القرآن مخلوقة.
ـ تأويل بعضهم رؤية المؤمنين ربهم بالرؤية القلبية أو مزيد علم بالله كما قالت المعتزلة.
ـ تأويل معاني بعض أسماء الله الحسنى.
والبحث متشح في غالبه بكثير من محاسن البحث العلمي من جدية، واستقصاء، وتحر، وتوثيق، واتساق في المنهج...، ولكن مما يعيبه: أنه يرجع كل توافق في الرأي بين الفكر الأشعري والفكر الاعتزالي إلى تأثر الأول بالثاني، حتى أوهم أن المذهب الأشعري ما هو إلا وجه آخر للمذهب الاعتزالي؛ وإرجاع المشتركات العقدية بين نحلتين أو ملتين دائما إلى تأثر اللاحق منهما بالسابق منهج خاطيء؛ يفضي إلى كثير من الظلم للحقيقة، وكَمٍّ غير يسير من الوهم والإيهام؛ لأن توافق الاجتهادات كثيرا ما يقع اتفاقا من غير تقليد أو تأثر أو اقتباس من اللاحق عن السابق؛ وإلا لزم إرجاع كل ما توافق فيه المذهب الحنبلي مع آراء المعتزلة أو الكرامية أو الفلاسفة إلى تأثر الحنابلة بهذه المذاهب، والقول بأن الجذور الفكرية لمذهب الحنابلة تعود إلى أفكار هؤلاء، وهو ما لن يرضاه الباحث من غيره.
وقد اتبع بعض المستشرقين هذا المنهج في أبحاثهم عن الإسلام؛ فأفضى بهم إلى ادعاء أن الإسلام مقتبس مما سبقه من المذاهب والمناهج والأديان، وهو غلط لا يقره العلم، ولا يرضاه منصف، بله أن يتقبله مسلم.
9- عقيدة الأشاعرة: دراسة نقدية لمنظومة جوهرة التوحيد لبرهان الدين اللقاني على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة، لحسان بن براهيم الرُّدَيْعان،
وهي رسالة جامعية تقدم بها الباحث لنيل درجة الماجستير في تخصص العقيدة، من الجامعة الإسلامية، تحت إشراف سعود بن عبد العزيز الخلف، وقد صدرت في مجلد كبير من 687 صفحة من دار التوحيد للنشر بالرياض، سنة 2013م، وقد تغيى من الدراسة كما قرر في المقدمة: «تحديد ما في الجوهرة من مزالق عقدية وبُعد عن منهج أهل السنة والجماعة، [و] الدعوة إلى الحق في إبراز الباطل ورده، وتأكيد الحق ودعمه؛ من خلال دراسة ما وافق الناظم فيه أهل السنة والجماعة من مسائل وتقريرات في أبواب الاعتقاد»([13])، وقد التزم في بحثه منهجيا البدء بعرض بيت أو أبيات من النظم، ثم توضيح ما يشتمل عليه من الآراء والأحكام، ثم إردافه ببيان مذهب الحنابلة في المسألة الذي يسميه معتقد أهل السنة والجماعة.
وقد سجل على عقائد الجوهرة مآخذ لا تخلو من التقول والتزيد الناجم عن التعصب والرغبة في تضليل الخصم والتقليد في نسبة الآراء الاعتقادية للأشاعرة، وهي:
ـ الاقتصار في إثبات الصفات على صفات المعاني السبع.
ـ إثبات الكلام النفسي.
ـ نفي الحكمة والتعليل.
ـ تجويز معاقبة المطيع وإثابة العاصي على الله.
ـ تقرير عقيدة المرجئة في تفسير الإيمان.
ـ اعتماد مسلك التأويل في باب الصفات مع منعه في قسم السمعيات.
10- عقائد الأشاعرة؛ للشيخ مصطفى باحو،
قدم له الشيخ محمد بوخبزة، أراد به مؤلفه كما قال في المقدمة أن يحقق به رغبة كانت تراوده مند وقت طويل، ولم يجد تلبية لها فيما صدر من المؤلفات في الأشعرية، وهي جمع عقائد الأشاعرة في المسائل الكبار، وإحصاء اختلافاتهم في مؤلف واحد انطلاقا من كتبهم، مع بعض التعليقات اليسيرة مما تمليه الضرورة، ووعد بأن يتبعه بكتاب نقدي يناقش فيه اختياراتهم ويقارنها بعقائد السلف، وعنوانه: (بين الأشاعرة والسلف الصالح)، إلا أنه لم يصدر لحدود كتابة هذه الأسطر.
ومؤلفه كغيره من متعصبي الحنابلة لم يستطع أن يتجرد من حنبليته، وهو يعرض عقائد الأشاعرة، ويبدي ملحوظاته عليها؛ حيث يكتب بخلفية أن اجتهادات الحنابلة هي فقط المعبر عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وكل رأي خالفها فهو خطأ بلا ريب.
11- نقض عقائد الأشاعرة والماتريدية،
لخالد بن علي المرضي الغامدي، وهو كتاب كبير صدر من دار أطلس الخضراء بالرياض في 590 صفحة، وضعه مؤلفه «في بيان عقيدة الأشاعرة أتباع أبي الحسن الأشعري، والماتريدية أتباع أبي منصور الماتريدي، ومذهبهم في أركان الإيمان وأصول الدين وأبواب الاعتقاد...، وبيان تلبيسهم على المسلمين [!!!] وكشف حقيقة مذهبهم..، ومدى مخالفتهم لأهل السنة والجماعة والسلف الصالح، وبيان ما وافقوا فيه أهل السنة»([14])، وهدفه كما قال أن يكون الكتاب نصحا لـ «بغاة الحق من الأشاعرة والماتريدية...، لعلهم إلى ربهم يرجعون [!!!]، [ومنارا لـ] لطلاب العلم من أهل السنة ممن يريد معرفة حقيقة هذا المذهب خصوصا ممن ابتلي بمخالطة أصحابه...؛ فيحتاج أن يعرف ما عند القوم من باطل وشر [!!!] فيتقيه ويحذره، أو يدعوهم للحق»([15])، وما سطره فيه مما يعده مخالفات منتسبي المذهبين يدل على شدة تعصبه ضدهم وحرصه على إثبات مخالفتهم في جميع أبواب الاعتقاد لمذهب الحنابلة الذي يعده وحده مذهب أهل السنة والجماعة، ومن عرف مذهب الفريقين سيدرك أن ما نسبه إلى الأشاعرة ونظرائهم الماتريدية من المخالفات معظمه تقول وتزيد عليهم، وأكثره من اللوازم البعيدة للمذهب.
12- العقيدة السلفية في كلام رب البرية وكشف أباطيل المبتدعة الردية،
لعبد الله بن يوسف الجديع، وهو أنموذج من التآليف المتخصصة في باب واحد من أبواب الاعتقاد، صدر عن دار الصميعي بالرياض، في مجلد كبير من 475 صفحة؛ أراد به مؤلفه «نصر اعتقاد السلف والأئمة من أهل السنة والجماعة (= الحنابلة)، وإبطال البدع في مسألة كلام الله التي هي أخطر مسائل الخلاف في الاعتقاد بين أهل القبلة»([16])، وذكر في مقدمته للطبعة الثانية من الكتاب أن تناوله لهذه القضية «من باب الاشتغال بأداء الواجب في تصحيح عقائد المسلمين»([17])، بيد أن من أعظم ما حدا به لتأليفه كما قال: «ما رأيته من كثير من إخواننا من الحيرة في شأن أهل البدع، خاصة الأشعرية الذين ابتلينا بهم في هذا الزمان...؛ [إذ] صنفوا المصنفات، ونشروا الكتب، وفي ثناياها سمومهم التي تفتك بالعقيدة السلفية فتكا، وإخواننا في حيرة: الأشعرية من أهل السنة أم من أهل البدعة؟»([18])، فجاء الكتاب ليرفع الغمة ويزيل الإشكال، ويلقي بالأشاعرة جميعا في وادي الضلالة والبدعة، وقد شدد فيه «على الأشعرية خاصة أكثر من غيرهم...؛ لعموم البلوى باعتقادهم»([19])؛ والكتاب مؤلف من ثلاث أبواب كبيرة:
ـ الأول: في بيان مذهب الحنابلة -باسم العقيدة السلفية- في مسألة كلام الله.
ـ الثاني: في توضيح مسألة اللفظ بالقرآن، ورفع ما وقع بسببها من الإشكال.
ـ الثالث: في بيان عقائد الطوائف المبتدعة في كلام الله تعالى وكشف أباطيلها.
وهذا الباب الثالث هو أكبر أبواب الكتاب، وفي الفصل الثالث منه تعرض لنقد المذهب الأشعري في الباب، تحت عنوان: كشف تلبيس الأشعرية في إثبات صفة الكلام لله تعالى.
والكاتب لم يخرج في معالجة مسائل الكتاب عن المنهجية العامة للسلفيين الحنابلة؛ المطبوعة بالشدة والبغي على المخالف، وتضليله لأدنى سبب، وحضور لغة السب والتقذيع بكثافة في أسلوب الكتاب، والمبالغة في توليد اللوازم وتفريعها عن الأقوال، ثم تصييرها أقوالا للخصم إرادة التشنيع عليه وشين مذهبه تحقيقا للغلبة، والصدور عن اعتقاد جازم بأن اجتهادات الحنابلة في الاعتقاد هي حصرا عقيدة السلف، ومنهجهم هو الممثل على جهة الانفراد لمنهج أهل السنة والجماعة.
ويعيبه زيادة على ذلك عدم توثيق ما ينسبه للمخالفين من الآراء، بنقل ما يدل على انتحالها من كتبهم إلا نادرا، وكثيرا ما يعتمد على كلام ابن تيمية في نسبة الأقوال إلى المخالف وفي نقدها.
ومما يعيبه كذلك لغته القاسية في نقد الأشاعرة؛ بحيث يكاد يصرح بإخراجهم من ملة المسلمين، ورميهم بالكيد للإسلام وعقيدته.
وقد سجل على المذهب الأشعري المآخذ التالية:
1- وصفهم كلام الله بالكلام النفسي، وقولهم بقدمه.
2- نفيهم الحرف والصوت
3- قولهم بحدوث ألفاظ القرآن، ورجوع رأيهم فيه إلى رأي المعتزلة في المآل.
4- قولهم: إن القرآن عبارة عن كلام الله، وليس كلام الله على الحقيقة.
5- قولهم: إن ألفاظ القرآن من عبارة جبريل أو النبي صلى الله عليه وسلم.
6- قولهم: لفظي بالقرآن مخلوق، تغطية لمذهبهم في حدوث ألفاظ القرآن.
[1] الأشاعرة: عرض ونقض، عدد 113 من سلسلة تصدر عن مركز البحوث والدراسات، التابع لمجلة البيان، الرياض، (1430هـ)، ص: 124.
[2] نفسه، ص: 16.
[3] الأعداد: 627 – 628 – 629 – 630 – 631 – 646، وكلها صدرت سنة 1983م.
[4] منهج الأشاعرة في العقيدة: تعقيب على مقالات الصابوني، ط. الدار السلفية، الكويت، الطبعة.1، (1407هـ/1986م)، ص: 58.
[5] موقف ابن تيمية من الأشاعرة: 2/773.
[6] عبد القادر بن محمد عطا صوفي، "الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات والرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية+، ط. مكتبة الغرباء الأثرية، (8141هـ): 1/17.
[7] نفسه، ص: 18.
[8] نفسه.
[9] نفسه، ص: 19.
[10] درء تعارض العقل والنقل أو موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: عبد اللطيف عبد الرحمن، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، (1417هـ/1997م): 3/346.
[11] موقف ابن القيم من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والصوفية، ط. مطابع الفرزدق، الرياض، (1408هـ/1988م): 1/6.
[12] منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله، ط. مكتبة الغرباء، المدينة، الطبعة.1، (1416هـ/1995م): 2/693.
[13] عقيدة الأشاعرة: دراسة نقدية لمنظومة جوهرة التوحيد لبرهان الدين اللقاني، ط. دار التوحيد، الرياض، الطبعة.1، (1424هـ/2013م): ص: 10-11.
[14] نقض عقائد الأشاعرة والماتريدية، ط. دار أطلس الخضراء، الرياض، الطبعة.1، (1430هـ/2009)، ص: 5.
[15] نفسه، ص: 6.
[16] عبد الله الجديع، "العقيدة السلفية في كلام رب البرية وكشف أباطيل المبتدعة الردية"، ط. دار الإمام مالك، ودار الصميعي، الرياض، الطبعة.2، (1416هـ/1995م)، ص: 7.
[17] نفسه، ص: 10.
[18] نفسه، ص: 32.
[19] نفسه، ص: 10.
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقا تراه مشجعا أو مفيدا