القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المنشورات

أصول النقد الفقهي (jurisprudential criticism) : (معيار انضباط الفروع للأصول أنموذجا)

 

أصول النقد الفقهي

 (انضباط الفروع للأصول أنموذجا)

د. الحسين بودميع

النقد مدخل ضروري من مداخل الإصلاح في كل مجالات الحياة الاجتماعية والعلمية والسياسية...

وأشد ما تكون الحاجة إليه حينما يتعلق الأمر بتقرير أحكام الله في أفعال العباد؛ حيث يكون الخطأ إذا اشتد واستفحل مفضيا إلى إضلال عدد غير قليل من المكلفين، وإفساد دينهم؛ وهو أس كليات مصالحهم كما هو معلوم.

وأحسب أن الممارسة النقدية قد حظيت بالاهتمام في جل المجالات المعرفية؛ كالحديث النبوي والأدب والتاريخ والعلوم البحتة...؛ فقد وضعت في كل منها نظريات نقدية، ترسم ضوابط النقد فيه، وتقعد قواعده، وتؤصل أصوله.

أما النقد الفقهي فلم يحظ –على أهميته- بما يليق به من الاهتمام؛ حيث لم نر من اجتهد في صوغ نظرية نقدية تحدد أصول وضوابط الممارسة النقدية في مجال الفقه، مع ما له من أهمية في تمييز جيد الاستنباط من رديئه، وصائب الأحكام من خطئها، ما يجعل الوقوف على أصوله وضوابطه حاجة ملحة لطالب الفقه؛ فإن التراث الفقهي هو الوعاء الذي يضم أحكام الله منزلة على أفعال المكلفين، ولا مناص –من ثم- لمن أراد أن يعبد الله على بصيرة من الرجوع إليه والأخذ منه.

بيد أن الاستفادة من كتب التراث الفقهي يتطلب من المتفقه امتلاك ملكة نقدية يستطيع أن يقرأ على ضوئها هذه الكتب بعين فاحصة، تعصمه من الزلل في الفهم، ومن الوقوع في حبال أخطاء مؤلفيها.

وهذه المقالة محاولة للفت النظر إلى أصل من أصول النقد التي يستند إليها نقاد الفقهاء في نقدهم مخالفيهم؛ وهو ضرورة انضباط الأحكام الجزئية التي يقررها الفقيه عمليا للأصول الكلية المقررة في مذهبه نظريا.

وهي مؤلفة بعد هذه المقدمة من ثلاثة محاور:

E أولها: في تبيين المعنى المراد من (أصول النقد الفقهي).

E ثانيها: في تقريب المقصود بانضباط الفروع للأصول، ومعنى كونه من أصول النقد لدى الفقهاء.

E ثالثها: في عرض نماذج من الانتقادات المؤسسة على معيار انضباط الفروع للأصول، يتضح بها المراد من هذا البحث أكثر، ويحصل بها لمطالعها الاقتناع بحضور هذا المعيار بقوة لدى النقاد من الفقهاء.

 وسيديل المقال بخاتمة توجز أهم ما تمخض عنه البحث من النتائج.

أولا: مفهوم أصول النقد الفقهي

من معاني لفظ (النقد) في العربية: ذكر العيوب، والاستهجان، والتمييز، والاختبار.

قال الزمخشري: «نقد الدراهم: ميز جيدها من رديئها»([1]).

وقال ابن منظور: «النقد والتنقاد: تمييز الدراهم، وإخراج الزيف منها»([2]).

وفي المعجم الوسيط: «نقد الشيء نقدا: نقره ليختبره، أو ليميز جيده من رديئه، يقال: نقد الطائر الفخ، ونقدت رأسه بأصبعي، ونقد الدراهم والدنانير، وغيرهما نقدا وتناقدا: ميز جيدها من رديئها، ويقال: نقد النثر ونقد الشعر: أظهر ما فيهما من عيب أو حسن»([3]).

والنقد بمعناه العام: «عملية محاكمة وتقويم تهدف إلى التصحيح والترشيد، من خلال بيان مواطن الخطأ والصواب، بناء على مقاييس متفق عليها جلها أو كلها»([4]). 

وأكثر من استعمل كلمة (النقد) باعتباره مصطلحا الأدباء، وتعني عندهم: «التمييز بين الأصيل والدخيل من الشعر»([5])، أو «الملكة التي يستطيع الباحثون بها معرفة الجيد من النصوص والرديء، والجميل والقبيح»([6])، أو «دراسة الأعمال الأدبية بقصد  الكشف عما فيها من مواطن القوة والضعف، والحسن والقبح، وإصدار الأحكام عليها»([7]).

ويحضر المصطلح كذلك بكثافة، وإن بدرجة أقل عند المحدثين، ويعني عندهم: تمييز ثقات الرواة من ضعفائهم، ومقبول الروايات من مردودها؛ فـ«المرويات قد تكون نسبتها إلى من رويت عنه صحيحة وقد تكون غير صحيحة (...) وتبيين صحة نسبتها أو عدم صحة نسبتها هو النقد»([8]).

ولنا أن نقول –تأسيسا على التعاريف السابقة-: إن النقد الفقهي: عملية محاكمة لعمل أو أعمال فقهية ترمي إلى التمييز بين الجيد والرديء والصواب والخطأ مما حوته من الاجتهادات استنباطا واستدلالا. 

مدلول مصطلح "الأصول"

تدور مادة (أصل) في لغة العرب «حول معنى: الأساس الثابت، والقاعدة المبني عليها، والجميع الشامل»([9]).

قال الراغب في المفردات: «أصل الشيء: قاعدته التي لو توهمت مرتفعة لارتفع بارتفاعها سائره»([10]).

وجاء في اللسان: «الأصل: أسفل كل شيء، وجمعه: أصول...، وأخذ الشيء بأصَلَته وأصيلته؛ أي بجميعه، ولم يدع منه شيئا...، وأصيلة الرجل: جميع ماله»([11]).

وكلمة (الأصول) تستعمل في حقول علمية مختلفة مضافة إلى المجال العلمي المعني؛ مثل: (أصول النحو)، و(أصول الحديث)، و(أصول الفقه).. مرادا بها القواعد المجردة والقوانين الكلية التي يحتكم إليها لدى الحكم على أعيان الجزئيات في ذلك المجال.

معنى "أصول النقد"

تأسيسا على المعنيين السابقين لكلمتي "الأصول" و"النقد"، يمكن أن نعرف (أصول النقد) بأنها جملة المعايير والمقاييس التي يبني عليها الناقد أحكامه في تمييز الجيد من الرديء، والأصيل من الدخيل، والصواب من الخطأ، في المجال الذي يمارس فيه نقده؛ كاعتماد الأديب معايير: الطبع، وسلاسة اللفظ، وحسن المعنى.. لتمييز أصيل الشعر من دخيله، واعتماد المحدث مقاييس: اتصال السند، وثقة الرواة، وسلامة الخبر متنا وإسنادا من الشذوذ والعلة.. لتمييز مقبول الحديث من مردوده، واعتماد الناقد السياسي معايير العدل، والمساواة، والاستشارة، وحسن التدبير لتمييز حسن السياسات من سيئها...

فالطبع والسلاسة، - ويقابلهما: التكلف والتنافر- من أصول النقد الأدبي، وثقة النقلة واتصال السند – ويقابلهما: ضعف الرواة وانقطاع الإسناد- من أصول النقد الحديثي، والعدل والاستشارة، - وبقابلهما: الجور والاستبداد- من أصول النقد السياسي...، وهكذا.

معنى أصول النقد الفقهي

يبدو أنه قد تمهدت الطريق الآن بعد ما سبق لفهم معنى (أصول النقد الفقهي)؛ فبناء على التعريفات السالفة يمكن أن نعرفها بأنها: جملة القواعد والمعايير التي يحتكم إليها الفقيه الناقد لتمييز جيد الاجتهاد من رديئه، وصائب الأحكام من خطئها.

فهي مقاييس بواسطتها نستطيع أن نحاكم أي عمل فقهي، فنميز بين مواطن الصواب ومواطن الخطأ فيه.

ومن أصول النقد الفقهي: انضباط فروع الفقيه لأصول مذهبه، والتحري في إطلاق دعوى الإجماع، وربط فروع الفقه بأدلتها، والتجرد من الهوى المذهبي في تصحيح الأخبار وتضعيفها، والاقتصار عند الاستدلال بالسنة على الأخبار الثابتة...

وهذه الأصول لم يجردها النقاد من الفقهاء ولا شرحوها نظريا، ولا نصوا على أن على الفقيه أن يلتزمها وهو يقرر الأحكام الشرعية، ولكن يمكن رصد ذلك وملاحظته بتتبع محاججاتهم ومناظراتهم لمخالفيهم، وردودهم عليهم.

ورصد هذه الأصول وتتبعها في كتب نَقَدَة الفقهاء هو فكرة هذا البحث، وسأقتصر فيه على أصل واحد منها؛ وهو: لزوم انضباط الفروع للأصول؛ ببيان معناه، وعرض أمثلة يتضح منها المراد، ويحصل بها للواقف عليها الاقتناع باعتماد هذا الأصل معيارا حاكما في نقد الاجتهادات الفقهية، وتمييز صائبها من خاطئها، مرجئا بقيتها إلى مناسبات قابلة بإذن الله.

 

ثانيا: مفهوم انضباط الفروع للأصول

يراد بـ (الفروع) هنا: الأحكام الشرعية الجزئية العملية؛ كالحكم على فعل بعينه بالوجوب أو الندب أو الحرمة أو الإجزاء أو الصحة أو الفساد...، وبـ (الأصول): أدلة الفقه الإجمالية، أو القواعد الكلية التي يستند إليها المجتهد في استخراج الأحكام الفرعية من أدلتها التفصيلية.

ومعنى (انضباط الفروع للأصول) أن تكون فروع الفقيه على وفق أصول مذهبه؛ بحيث يلتزم عمليا في الفروع ما التزمه نظريا في الأصول؛ حتى إذا تقرر أن أصلا من أصول التشريع حجة في مذهبه لم يجز له أن يخالفه حين التفريع، وإذا تقرر أن أصلا منها مرفوض في مذهبه لم يكن له أن يحتج به؛ إذ إن «كل واحد فإنما يلزمه ما التزم»([12])، و«خلاف المرء لما يراه حجة قاطعة في الدين عظيم جدا»([13])، كما أن «من المقت احتجاج امرئ بما لا يراه..حجة»([14]).

والانطلاق من هذا المعيار في النقد ليس خاصا بمجال الفقه، بل إن جميع المعالجات النقدية تنطلق منه أيا كان مجالها، لذا نجد كل مخالف لمبادئه التي يعلن قناعته بها، وكل مناقض لأصوله التي يتأسس عليها منهجه أو مذهبه أو فكره يكون غرضا مستباحا لسهام الناقدين، كما نجد الملتزِم بمبادئه التي يؤمن بها، المحافظ على نسقية منهجه محلا للتقدير والإعجاب.

وانضباط فروع الفقيه لأصوله يتجلى في أمرين:

1- تطريده للأصول المعتبرة في مذهبه.

2- تركه الاحتجاج بما ليس حجة في مذهبه.

 

ثالثا: نماذج من الانتقادات المؤسسة على معيار انضباط الفروع للأصول

إن من يطالع التراث الفقهي ذا السمة الحجاجية والنَّفَس النقدي؛ مثل كتب الشافعي وابن حزم وابن العربي وابن عبد البر والقرافي وابن تيمية وابن القيم...، سيلحظ بكثرة حضور العبارات النقدية المتضمنة إنكار منافرة فروع المخالف لأصوله، باعتباره مظهرا من مظاهر التناقض عنده؛ من قبيل: (وقد ناقض فلان أصله هنا..)، (وقد كان يلزم فلانا على قاعدة مذهبه في كذا أن يقول بكذا..)، (لله العجب من فلان كيف يحتج بكذا، وهو ليس بحجة في مذهبه..)، (وهم أول من ناقض هذا الأصل..)، (وهذا موضع ناقض فيه أهل مذهب كذا أصولهم..)...، إلى غيرها من العبارات التي تدل بوضوح على أن انضباط الفروع للأصول معيار مسلم لدى العلماء، يحاكَم له الخصم في سياق محاججته والدلالة على مواطن الضعف والخطأ في استنباطه أو استدلاله، وهذه نماذج من الانتقادات المؤسسة على هذا الأصل يتضح منها معنى وصحة ما ذكر:

u إنكار ابن حزم على الحنفية والمالكية مخالفتَهم أصلَهم في الاحتجاج بالمرسل.

الحديث المرسل هو: ما رفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما سمعه من غيره([15])، وهو حجة في مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في رواية، إذا كان مرسله ثقة؛ كما تنقل كتب الأصول.

قال الحافظ ابن عبد البر: «وأصل مذهب مالك وجماعة من أصحابه أن مرسل الثقة تجب به الحجة، و يلزم به العمل، كما تجب بالمسند سواء»([16]).

وقال شهاب الدين القرافي: «المراسيل عند مالك وأبي حنيفة وجمهور المعتزلة حجة»([17]).

وفي أصول السرخسي: «مراسيل القرن الثاني والثالث حجة في قول علمائنا رحمهم الله»([18]).   

وقد أنكر ابن حزم على الحنفية والمالكية تركهم الاحتجاج بالمرسل في كثير من المواضع مع أنه حجة في مذهبهم، وذكر في موضع منها أن «مما يوجب المقت من الله تعالى أن يجعلوا المرسل حجة، ثم لا يأخذون به»([19]).

وألزم الحنفية في موضع آخر بجملة من المراسيل أوردها في مقدار الدية؛ فقال: «إن الحنفيين نقضوا هاهنا أصولهم أقبح نقض؛ لأنهم يقولون: المرسل والمسند سواء، وكلاهما أولى من النظر، وتركوا ههنا هذه المراسيل»([20])

ومما ذَكَر أن الحنفية والمالكية تركوا فيه المرسل: مسألة إشراك أهل الكتاب في المغانم إذا غزوا مع المسلمين؛ وهي مسألة مختلف فيها –حسبما ذكر ابن حزم- على قولين:

1- قول بالجواز؛ وقد حكاه عن الزهري والشعبي والأوزاعي وسفيان الثوري وقتادة، واستدل لأصحاب هذا القول بمرسل رواه من طريق وكيع، نا سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن الزهري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان يغزو باليهود فيسهم لهم كسهام المسلمين»([21]).

2- قول بعدم جواز إشراكهم، وهو الذي تبناه ابن حزم؛ فقال: «ولا يحضر مغازي المسلمين كافر، فإن حضر لم يسهم له أصلا»([22])، وحكاه عن أبي حنيفة ومالك والشافعي وداود([23]).

ثم قال –وهذا هو محل الشاهد-: «حديث الزهري مرسل، ولا حجة في مرسل، ولقد كان يلزم الحنفيين والمالكيين القائلين بالمرسل أن يقولوا: بهذا؛ لأنه من أحسن المراسيل»([24]).

ولا يعنينا هنا تقييم هذا الإلزام للحنفية والمالكية من ابن حزم، والنظر في مدى وجاهته، وهل مرسل الزهري المذكور في درجه ما يحتجون به من المراسيل؟ وإذا كان، ألا يمكن أن يكون لهم عذر في تركه؛ كأن يكون معارَضا بأرجح منه، أو يكون منسوخا، أو غير ذلك..؟ كل ذلك لا يعنينا هنا، والمقام لا يناسبه الاستطراد في مناقشته؛ لأن الغرض من إيراده إنما هو الاستشهاد به على صحة ما نحن بصدد بيانه؛ من انطلاق نقاد الفقهاء في نقدهم لمخالفيهم من معيار انضباط الفروع للأصول، وأن على الفقيه أن يحرص عل نسقية منهجه؛ بتطريد أصول مذهبه عند تفريع فروعه، ومثل هذا يقال في سائر الشواهد الآتية.

v إنكار القرافي على الشيرازي مخالفة أصل مذهبه في عدم الاحتجاج بمفهوم اللقب

مفهوم اللقب من صور مفهوم المخالفة، ومفهوم المخالفة في اصطلاح أهل الأصول: دلالة اللفظ على ثبوت نقيض حكم المنطوق للمسكوت عنه عند انتفاء قيد الحكم في المنطوق؛ كدلالة قوله صلى الله عليه وسلم: «مطل الغني ظلم»([25]) على أن مطل الفقير ليس ظلما.

ومفهوم اللقب عندهم: دلالة تعليق الحكم بلقب على انتفاء ذلك الحكم عما عداه.  

و(اللقب) في اصطلاحهم هو: «الاسم الجامد الشامل للعَلَم الشخصي واسم الجنس»([26])، ومثال العَلَم الشخصي: اسم (محمد) في قوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ)([27])، ومفهومه أن غير محمد ليس رسولا، ومثال اسم الجنس لفظ (الماء) في حديث: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء»([28])، ومفهومه أن غير الماء ليس طهورا.

ومفهوم المخالفة حجة بشروطه عند الجمهور بكل صوره ما خلا مفهوم اللقب؛ فإنه لم يقل به أحد سوى أبي بكر الدقاق من الشافعية، ونُسب كذلك إلى أبي بكر الصيرفي منهم، وابن خويز منداد والباجي وابن القصار من المالكية، على ما ذكر الزركشي في البحر المحيط([29]).

وبطلان القول بمفهوم اللقب غني عن البيان؛ لانتفاء الإشعار بالعلية في اسمي العلم والجنس؛ إذ لا مناسبة تبدو بين كل منهما وبين ما قد يعلق به من الأحكام؛ فأنت ترى أن ما أفاده المثالان السابقان بمفهومهما من انتفاء وصف الرسالة عن غير محمد، وانتفاء الطهورية عن غير الماء ليس له معنى معقول، بخلاف تعليق الحكم بالظلم على المطل –وهو التثاقل في تسديد الدين- بوصف (الغِنى) في حديث: (مطل الغني ظلم)؛ فإن المناسبة واضحة بين ذم المطل وكون المماطل غنيا؛ إذ لا يمنعه من تسديد الدين مع قدرته إلا إرادة الظلم، مما يقضي بسلامة الاستدلال بمفهومه على طرح التثريب عن المماطل الفقير.

ومع أن الشافعية على مذهب الجمهور في عدم حجيته، فقد استدلوا به في بعض المواضع؛ كما انتقد ذلك شهاب الدين القرافي على أبي إسحاق الشيرازي منهم بعد أن نبه إلى «أن جماعة ممن لم يقل به وقع فيه عند الاستدلال»([30])، فقال: «قال صاحب المهذب من الشافعية: التيمم بغير التراب لا يجوز؛ لقوله عليه السلام: (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا)، وفي [رواية] أخرى: (وترابها طهورا)([31])؛ ومفهوم قوله: (وترابها طهورا) أن غير التراب لا يجوز التيمم به، واستدلاله بذلك على مالك لا يصح؛ لأنه مفهوم لقب، ليس حجة عنده ولا عند مالك، لأن التراب اسم جنس، فقد استدل بما ليس بحجة عنده ولا عند خصمه»([32]).

w نقد ابن حجر للأحناف في أخذهم بخبرٍ عَمِل راويه بخلافه

إذا روى الراوي من الصحابة حديث آحاد، ثم صح عنه العمل بخلافه بعد روايته، فهل العبرة بروايته أم برأيه؟

للعلماء في ذلك قولان:

الأول: وجوب العمل بروايته لا برأيه، وهو مذهب الجمهور.

الثاني: أن العمل برأيه دون روايته، وهو مذهب الأحناف عدا أبي الحسن الكرخي منهم، وبعض المالكية.

قال الزركشي: «ولا يضره [يعني :خبر الواحد] عمل الراوي بخلافه، خلافا لجمهور الحنفية وبعض المالكية، حيث قدموا رأيه على روايته»([33]).

وفي تقرير مذهب الأحناف في ذلك يقول المنبجي الحنفي: «والراوي متى عمل بخلاف روايته، كان عمله دليلا على نسخ الحديث أو تخصيصه؛ لأن الصحابي رضي الله عنه لا يجوز أن يتعمد مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن مخالفته فسق، والصحابة رضي الله عنهم منزهون عن ذلك، فيحمل ترك استعماله للخبر على أنه قد علم نسخه أو تخصيصه.. »([34]).

وقد استدرك بعض العلماء على الأحناف مخالفتهم لهذا الأصل في مواضع؛ من ذلك ما حكاه الحافظ ابن حجر وقواه، عن بعضهم من إلزام الحنفية بترك رواية عائشة في لبن الفحل؛ إذ صح عنها العمل بخلافها؛ فكان يلزمهم الأخذ برأيها لا بروايتها.

والمراد برواية عائشة في ذلك: ما رواه البخاري وغيره عنها رضي الله عنها أنها قالت: «جاء عمي من الرضاعة [وهو أخو أبي القعيس] فاستأذن علي، فأبيت أن آذن له حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عن ذلك؟ فقال: إنه عمك، فأذني له، قالت: فقلت: يا رسول الله، إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه عمك فليلج عليك»([35]).

أما رأيها الذي خالفت فيه روايتها هذه فهو ما رواه مالك في الموطأ وغيره، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، أنه أخبره: «أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل عليها من أرضعته أخواتها وبنات أخيها، ولا يدخل عليها من أرضعه نساء إخوتها»([36]).

ووجه كون عملها هذا مخالفا لروايتها: أن حديثها في الإذن لعمها من الرضاعة أخي أبي القعيس في الولوج عليها بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يفيد أن لبن الفحل يحرم، وتركها الإذن لمن أرضعه نساء إخوتها يفيد أن لبن الفحل في رأيها لا يحرم؛ لأن عملها المذكور إنما يحمل على «أن الذين أذنت لهم رأتهم ذوي محرم منها، وأن الذين لم تأذن لهم لم ترهم ذوي محرم منها»([37]).

قال ابن حجر في الإلزام المذكور: «وألزم به بعضهم من أطلق من الحنفية القائلين: إن الصحابي إذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وصح عنه العمل بخلافه أن العمل بما رأى لا بما روى؛ لأن عائشة رضي الله عنها صح عنها أن لا اعتبار بلبن الفحل، ذكره مالك في الموطأ، وسعيد بن منصور في السنن، وأبو عبيد في كتاب النكاح بإسناد حسن، وأحذ الجمهور ومنهم الحنفية بخلاف ذلك وعملوا بروايتها في قصة أخي أبي القعيس، وحرموه بلبن الفحل، فكان يلزم على قاعدتهم أن يتبعوا عمل عائشة، ويعرضوا عن روايتها، ولو كان روى هذا الحكمَ غيرُ عائشة لكان لهم مغذرة، لكنه لم يروه غيرها، وهو إلزام قوي»([38]).

 ولعل الحافظ يقصد بالبعض الذي ألزم الأحناف بذلك الإمامَ ابن حزم؛ فقد أنكر في "محلاه" على الحنفية والمالكية أخذهم برواية عائشة دون رأيها خلافا لما تقرره أصولهم؛ فقال: «وأما الحنفيون والمالكيون([39]) فتناقضوا ههنا أقبح تناقض؛ لان كلتا الطائفتين تقول: إذا روى الصاحب خبراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروي عن ذلك الصاحب خلافُ ما روى، فهو دليل على نسخ ذلك الخبر...، وهذا خبر لم يروه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عائشة وحدها، وقد صح عنها خلافُه، فأخذواْ بروايتها، وتركواْ رأيها»([40]).

 نقد ابن حزم للحنفية والمالكية في مخالفة أصلهم في حجية الإجماع.

الإجماع في اصطلاح الأصوليين «هو اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في حادثة على أمر من الأمور في عصر من الأعصار»([41]).

وهو إن تحقق حجة؛ لا يحل الخروج عنه بلا خلاف.

بيد أن من اليسير رمي المخالف بالخروج عنه، لسهولة ادعاء الإجماع على خلاف قوله، ولكن دون إثبات تحققه من الصعوبة ما لا يخفى.

لا علينا، المقصود أن ابن حزم حين ينكر على مخالفيه ترك الإجماع، ينطلق من معيار انضباط الفروع للأصول، وأن تاركه مناقض لأصوله.   

ومما انتقد فيه على الحنفية والمالكية مخالفة الإجماع: مسألة الدية في شتر العين([42])؛ حيث حكى الإجماع على أن ديته ثلث الدية، وأنكر على المالكية والحنفية مخالفتهم لهذا الإجماع؛ إذْ «لا يرون في ذلك إلا الحكومة»([43]).

فقد روى بسنده عن عمر بن عبد العزيز أنه «كتب إلى أمراء الأجناد أن يكتبوا إليه بعلم علمائهم، قال: مما اجتمع عليه فقهاؤهم: في شتر العين ثلث الدية»([44])، ثم قال: «لو وجد المالكيون والحنفيون أقل من هذا لما ترددوا، وأي إجماع على أصولهم يكون أقوى من هذا الإجماع؟ بهذا السند الثابت إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز يكتب إلى أمراء الأجناد، يسألهم عن إجماعهم، وهو خليفة؛ لا يشذ عن طاعته مسلم في شيء من أقطار الأرض كلها أولها عن آخرها؛ من آخر الأندلس وطنجة، إلى بلاد السودان، إلى آخر السند، وآخر خراسان، وآخر أرمينية، وآخر اليمن، فما بين ذلك؛ يجمع له فقهاؤهم، على أن في شتر العين ثلث الدية، ولكن ما على المهولين بالإجماع مؤنة في خلاف هذا الإجماع فلا يرون في ذلك إلا الحكومة»([45]).

 إنكار ابن حزم على المالكية مخالفتهم أصلهم في الاحتجاج بعمل أهل المدينة    

عمل أهل المدينة من الأصول التي انفرد بها المذهب المالكي عن بقية المذاهب؛ وهو عند مالك «حجة مقدمة على خبر الواحد، وعلى أقوال سائر البلاد»([46]).

قال الإمام مالك: «إذا كان الأمر بالمدينة ظاهرا معمولا به، لم أر لأحد خلافه، ولا يجوز لأحد مخالفته»([47]).

وهو ما جرى به العمل في المدينة «فيما طريقه النقل، كمسألة الآذان، وترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ومسألة الصاع، وترك إخراج الزكاة من الخضروات، وغير ذلك من المسائل التي طريقها النقل، واتصل العمل بها في المدينة، على وجه لا يخفى مثله»([48]).

ومما أنكر فيه ابن حزم على المالكيين مخالفة عمل أهل المدينة: مسألة مقدار النصاب في زكاة البقر، ومعلوم أن جمهور العلماء ومنهم المالكية على أن النصاب فيها ثلاثون رأسا([49])؛ وقد حكى ابن حزم عن فقهاء المدينة أن نصاب البقر كنصاب الإبل، معلقا بأن المالكية يلزمهم على أصولهم الأخذ بقولهم، ولكنهم خالفوه؛ قال: «وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحكمه، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعمر بن عبد الرحمن بن خلدة، وسعيد بن المسيب، والزهري، وهؤلاء فقهاء أهل المدينة، فيلزم المالكيين اتباعهم على أصلهم في عمل أهل المدينة، وإلا فقد تناقضوا»([50]).  

 

 

إنكار ابن العربي على الشافعية مخالفتهم أصلهم في عدم الاحتجاج بشرع من قبلنا.

يراد بـ (شرع من قبلنا) عند أهل الأصول: ما تضمنته شرائع الأنبياء السابقين من فروع الأحكام، مما لم يرد شرعنا بنسخه، كدلالة قوله تعالى في قصة يوسف: (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ)([51]) على مشروعية الكفالة([52])، ودلالةِ حديث أصحاب الغار على صحة تصرفات الفضولي([53]).

وللعلماء في لزوم (شرع من قبلنا) لنبينا صلى الله عليه وسلم وأمته مذاهب؛ أشهرها مذهبان:

أحدهما: أنه شرع لازم لنا، وهو مذهب المالكية وأكثر الشافعية والحنفية.

الثاني: أنه ليس شرعا لنا، وهو قول بعض الشافعية والحنفية وابن حزم الظاهري.([54])

وقد نسب أبو بكر بن العربي هذا القول الثاني لأصحاب الشافعي بإطلاق، وبنى على ذلك نقده لهم في مخالفة أصلهم في عدم حجيته؛ إذ احتجوا بقول شيخ مدين عند تزويج موسى: (أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ) على أن عقد النكاح لا ينعقد إلا بلفظ (التزويج) أو (الإنكاح)، وهذا شرع من قبلنا، وهو –في ظن ابن العربي- ليس حجة عندهم؛ قال ابن العربي رحمه الله: «استدل أصحاب الشافعي رضوان الله عليه بقوله: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ)([55]) على أن النكاح موقوف على لفظ التزويج والإنكاح. وقال علماؤنا: ينعقد النكاح بكل لفظ. وقال أبو حنيفة: ينعقد بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد. ولا حجة للشافعي في هذه الآية([56]) من وجهين؛ أحدهما: أن هذا شرع من قبلنا، وهم لا يرونه حجة في شيء، ونحن وإن كنا نراه حجة فهذه الآية فيها أن النكاح بلفظ الإنكاح وقع، وامتناعه بغير لفظ النكاح لا يؤخذ من هذه الآية، ولا يقتضيه ظاهرها»([57]).

نقد ابن حزم للأحناف والشوافع والمالكية في مناقضة أصلهم في حجية قول الصحابي الذي لا يعرف له مخالف من الصحابة.

قال ابن القيم: «إذا قال الصحابي قولا، فإما أن يخالفه صحابي آخر، أو لا يخالفه (...) وإن لم يخالف الصحابيَّ صحابيُُّ آخر: فإما أن يشتهر قوله في الصحابة، أو لا يشتهر، فإن اشتهر، فالذي عليه جماهير الطوائف من الفقهاء أنه إجماع وحجة، وقالت طائفة منهم : هو حجة و ليس بإجماع، وقالت شرذمة من المتكلمين وبعض الفقهاء المتأخرين: لا يكون إجماعا ولا حجة»([58]).

وقال الباجي: «قول الصحابي أو الإمام إذا ظهر وانتشر بحيث يعلم أنه يعم سماعه المسلمين واستقر على ذلك، ولم يعلم له مخالف، ولا سمع له بمنكر، فإنه إجماع وحجة، وبه قال أكثر أصحابنا المالكيين»([59]).

وقد سجل ابن حزم على القائلين بحجية قول الصحابي إذا لم يعرف له مخالف من الصحابة، مخالفتهم لهذا الأصل في فروع كثيرة جدا يبلغ مجموعها في المحلى (250 مسألة)، بل قد ذكر في غير موضع منه أنه أفرد الموضوع  بالتأليف؛ كما في قوله: «وكم من قصة خالفوا فيها الجمهور من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف، وقد أفردنا لذلك كتابا ضخما»([60]).

وذكر في موضع حديثا عن بعض الصحابة، وقال: (ولا مخالف لمن ذكرنا يعرف من الصحابة رضي الله عنهم)، ثم قال: «وأما المالكيون والشافعيون فإنهم كثيرا ما يقولون في أصولهم وفروعهم: إن خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف منهم لا يحل، وهذا مكان نقضوا فيه هذا الأصل (...) فليقف على ذلك من أراد الوقوف على تناقض أقوالهم، وهدم فروعهم لأصولهم، و بالله تعالى التوفيق»([61]).

ومن المواضع التي لا حظ فيها على الأحناف والمالكية مخالفة هذا الأصل: مسألة موقف الإمام من جنازة المرأة([62])؛ حيث روى عن أنس أنه صلى على امرأة «فقام عليها عند عجيزتها (...) فقال له العلاء بن زياد: يا أبا حمزة، هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على الجنازة كصلاتك؛ يكبر عليها أربعا، ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟ قال: نعم»([63])، ثم علق منكرا على المالكية والحنفية مخالفتهم لأنس هنا مع أنه لا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة؛ فقال: «هذا مكان خالف فيه الحنفيون والمالكيون أصولهم؛ لأنهم يشنعون بخلاف الصاحب الذي لا يعرف له من الصحابة مخالف، وقد خالفوه»([64]).

وشبيه بهذا ما جاء في كتاب الأم للإمام الشافعي في محاججته رضي الله عنه لبعض مناظريه ممن لا يقبل إلا خبر العامة دون خبر الخاصة([65])، حيث سأله عن الوجه الذي يثبت به الخبر عنده، فأجاب بأن الخبر إذا نقله الصحابي ولم يعرف له من الصحابة مخالف كان إجماعا؛ فأورد عليه الشافعي حديثا من الأحاديث التي ينكرها مع أن راويه لا يعرف له مخالف من الصحابة، وألزمه الأخذ به على أصل مذهبه الذي أقره على نفسه؛ قال الشافعي رحمه الله: «وقلت له أو لبعض من حضر معه: فما الوجه الثالث الذي يثبت به [الخبر] عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: إذا روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواحد من أصحابه الحكم حكم به، فلم يخالفه غيره، استدللنا [بذلك] على أمرين؛ أحدهما: أنه إنما حدّث به في جماعتهم، والثاني: أن تركهم الرد عليه بخبر يخالفه إنما كان عن معرفة منهم...، فكان خبرا عن عامتهم، وقلت له: قد روى اليمين مع الشاهد([66]) عن النبي صلى الله عليه وسلم ابنُ عباس وغيره، ولم يحفظ عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلِمته خلافَها، فيلزمك أن تقول بها [باليمين مع الشاهد في القضاء] على أصل مذهبك وتجعلها إجماعا»([67]).  

إنكار ابن القيم على الأحناف مخالفة أصلهم في أن الزيادة على النص نسخ؛ فترد إن وردت عن طريق الآحاد.

اختلف العلماء في الزيادة على النص القطعي إن كانت غير مستقلة عن المزيد عليه؛ هل تعد نسخا للأصل، فترد إن وردت عن طريق الآحاد، أم لا تعد نسخا، فتقبل؟

وصورتها أن يرد نص قطعي بحكم أو مقدار، ويدل نص آخر أو قياس على أمر زائد عن مقتضى النص الأصلي؛ مثل زيادة (التغريب عاما) في حد الزاني البكر؛ فقوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)([68]) نص في أن عقوبة الزاني البكر مائة جلدة فحسب، وإضافة تغريبه سنة في قوله صلى الله عليه وسلم: «البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة»([69]) زيادة على النص القرآني.

ومذهب الأحناف «أن الزيادة على النص نسخ»([70])، فإذا كان الخبر الذي تضمن الزيادة من الآحاد لم يقبل عندهم؛ لأن الزيادة «لا تثبت إلا بما يثبت النسخ به، والنسخ لا يثبت بخبر الواحد»([71])؛ وإذا لم يصح التناسخ بين النصين مع تنافيهما رجح جانب القطعي منهما، وأهمل الآخر.

لهذا ردوا حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه «قضى باليمين مع الشاهد»([72])؛ لأنه تضمن زيادة على النص القرآني الذي يحصر الشهادة المأمور بها في صورتين: شهادة الرجلين، وشهادة الرجل والمرأتين، وهو قوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ)([73])؛ حيث فسر الشهادة «بنوعين: برجلين بقوله: (من رجالكم)، وبقوله: (فرجل وامرأتان)؛ ومثل هذا إنما يذكر لقصر الحكم عليه، ولأنه قال: (ذلك أدنى أن لا ترتابوا) ولا مزيد على الأدنى»([74])، وإذا ثبت أن ذلك هو كل المذكور في الآية «كان خبر القضاء بالشاهد واليمين زائدا عليه، والزيادة على النص كالنسخ»([75]).

وردوا حديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»([76])، لأنه زيادة على النص القرآني الآمر بقراءة ما تيسر من القرآن من غير تحديد، وبيانه: «أن فرْضية القراءة في الصلوات ثابتة [من غير تعيين] بدليل مقطوع به؛ وهو قوله تعالى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ)([77]) وتعيين الفاتحة ثابت بخبر الواحد»([78])، وخبر الواحد لا ينسخ القرآن، فتعين رده.

وقد حاجَّ الأحنافَ ابنُ القيم في هذا الأصل، وأخذ عليهم مناقضتهم له في كثير من الفروع، وأورد عليهم (33) مثالا مما عملوا فيه بخبر الآحاد المشتمل على الزيادة على نص القرآن؛ فبعد أن عرض وجهة نظر الحنفية في الموضوع، ودليلهم في اعتبار الزيادة على النص نسخا، وأنها لا تقبل إن كانت آحادا؛ قال: «فالجواب من وجوه أحدها: أنكم أول من نقض هذا الأصل الذي أصلتموه؛ فإنكم قبلتم خبر الوضوء بنبيذ التمر([79])، وهو زائد على ما في كتاب الله، مغير لحكمه؛ فإن الله سبحانه جعل حكم عادم الماء التيمم، والخبر يقتضي أن يكون حكمه الوضوء بالنبيذ..، وقبلتم خبر الأمر بالوتر([80]) مع رفعه لحكم شرعي؛ وهو اعتقاد كون الصلوات الخمس هي جميع الواجب..»([81]).


خاتمة

بعد جولة مضنية وممتعة في الآن ذاته بين كتب الفقه أصولا وفروعا، رصدا لمنطلقات النقد وأسسه لدى الفقهاء النقاد، أسفر البحث عن جملة من النتائج؛ أجملها فيما يلي:

-      النقد الفقهي –مثل النقد في كل المجالات- مدخل أساسي للإصلاح في مجال الفقه، والترقي بالممارسة الاجتهادية؛ برسم الطرق السليمة لاستمداد أحكام الله من أدلتها المعتبرة، كما أنه مظهر من مظاهر النصح لله ولدينه ولعامة المسلمين.

-      إن للنقد في مجال الفقه أسسا تحكمه، و أصولا تضبطه؛ لا يلتفت لنقد لا ينطلق منها ويحتكم إليها.

-      أصول النقد الفقهي: جملة من المعايير والموازين يحتكم إليها الفقيه الناقد في تقييم أي عمل فقهي؛ للتمييز بين خطئه وصوابه، والدلالة على مواطن قوته وضعفه، وهي متفق عليها بين أهل الفقه جلها أو كلها.

-      هذه الأصول لم يتصد أهل العلم لتجريدها وشرحها نظريا، ولكن يمكن ملاحظتها بالتتبع والرصد في مؤلفاتهم في الفقه، خاصة تلك التي كتبها مؤلفوها بحس نقدي ونَفَس إصلاحي، أو تلك التي كتبت لنصرة مذاهب مؤلفيها ومحاججة المخالفين.

-      من أهم أصول النقد حضورا في الممارسة النقدية لدى الفقهاء على اختلاف مذاهبهم: ضرورة انضباط فروع الفقيه لأصول مذهبه؛ حيث يعد الإخلال بذلك عندهم ضربا من التناقض، يجعل صاحبه غرضا لسهامهم؛ ويتجلى الإخلال به في:

·       ترك الاحتجاج بما هو حجة في المذهب.

·       الاعتماد في الاستدلال للرأي على ما ليس حجة في المذهب.

-          النقد الفقهي يحتاج إلى دراسة كاملة تستنبط أصوله وقواعده، وتعرض ضوابطه وآدابه، وتحدد مقاصده وفوائده، وفي القصد محاولة التصدي لذلك بحول الله، مع قلة الزاد وطول الطريق ووعورتها، والله المستعان.

 

 

 

                                  

قائمة المصادر والمراجع

& أبجديات البحث في العلوم الشرعية؛ لفريد الأنصاري، ط. دار الكلمة، المنصورة، مصر، الطبعة. 1، (2000م).

& أحكام الجنائز؛ لمحمد ناصر الدين الألباني، ط. المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة.4، (1406 هـ/1986م).

& إحكام الفصول في أحكام الأصول؛ لأبي الوليد الباجي، ط. دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة.2، (1986م).

& أحكام القرآن؛ للقاضي أبي بكر بن العربي المعافري، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة.1، (1424هـ/2003).

& اختلاف الأئمة العلماء؛ لأبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الشيباني، تحقيق السيد يوسف أحمد، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة.1، (1423هـ/2002م).

& الاختيار لتعليل المختار؛ لعبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي، تحقيق عبد اللطيف محمد عبد الرحمن، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة.3، (1426هـ/2005م).

& إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل؛ لمحمد ناصر الدين الألباني، ط. المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة.2، (1405 هـ/1985م).

& أساس البلاغة؛ لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، (1984م).

& الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار؛ لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، تحقيق سالم محمد عطا ، ومحمد علي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة.1، (1421هـ/2000م).

& إعلام الموقعين عن رب العالمين؛ لابن قيم الجوزية، دراسة وتحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، ط. مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، (1388هـ/1968م).

& البحر المحيط في أصول الفقه؛ لبدر الدين أبي عبد الله محمد بن بهادر الزركشي، تحقيق د. محمد تامر، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة.1، (1421هـ/2000م).

& تاريخ النقد الأدبي عند العرب؛ لإحسان عباس، ط. دار الثقافة، بيروت، الطبعة.1، (1971م).

& ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك؛ لأبي الفضل القاضي عياض بن موسى اليحصبي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة.1، (1418هـ/1998م).

& الثمر الدانى في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبى زيد القيرواني؛ للشيخ صالح عبد السميع الأبي الأزهري، ط. المكتبة الثقافية، بيروت، (دون تاريخ).

& الجامع الصحيح؛ لأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، مع شرح النووي، ط. دار المعرفة، بيروت، الطبعة.10، (1425هـ/2004م).

& الجامع الصحيح؛ لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، مع فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، ط. دار السلام (الرياض)، ودار الفيحاء (دمشق)، الطبعة.3 (1421هـ/2000م).

& سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها؛ لمحمد ناصر الدين الألباني، ط. مكتبة المعارف الرياض، (صدر عبر سنوات).

& سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ على الأمة؛ لمحمد ناصر الدين الألباني، ط. مكتبة المعارف الرياض، (صدر عبر سنوات).

& الشرح الكبير على مختصر خليل؛ لأبي البركات أحمد الدردير، ط. دار إحياء الكتب العربية، لعيسى البابي الحلبي وشركائه، مصر، (بلا تاريخ).

& شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في علم الأصول؛ لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي، ط. دار الفكر، بيروت، (1424هـ/2004م).

& فتح الباري بشرح صحيح البخاري؛ لأبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني، ط. دار السلام (الرياض)، ودار الفيحاء (دمشق)، الطبعة.3، (1421هـ/2000م).

& الفروق أو أنوار البروق في أنواع الفروق؛ لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق أحمد محمد سراج، وعلي جمعة محمد، ط. دار السلام، القاهرة، الطبعة.1، (1421هـ/2001م).

& فقه الزكاة: دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة؛ للدكتور يوسف القرضاوي، ط. مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، الطبعة.1، (1428هـ/2007م).

& في النقد الأدبي؛ لعبد العزيز عتيق،  ط. دار النهضة العربية، بيروت، (1972م).

& كتاب الأصول؛ لمحمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، تحقيق أبي الوفاء الأفغاني، ط. دار الكتب العلمية، الطبعة.1، (1414هـ/1993م).

& كتاب الأم؛ لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، ط. دار الفكر، بيروت، الطبعة.2، (1403هـ/1983م).

& كتاب السنن؛ لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، حكم على أحاديثه وعلق عليها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، واعتنى به أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، ط. مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة.1، (بلا تاريخ).

& كتاب السنن؛ لأبي عبد الله محمد بن ماجه القزويني، حكم على أحاديثه وعلق عليها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، واعتنى به أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، ط. مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة.1، (بلا تاريخ).

& كتاب السنن؛ لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، حكم على أحاديثه وعلق عليها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، واعتنى به أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، ط. مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة.1، (بلا تاريخ).

& كتاب المسند؛ لأبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني، تحقيق وتخريج وتعليق شعيب الأرنؤوط وآخرين، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة.1، (1420هـ/1999م).

& كتاب المصنف؛ لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، ط. المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة.2، (1403هـ).

& كتاب الموطأ؛ للإمام مالك بن أنس الأصبحي، مع شرح الزرقاني، تحيق طه عبد الرؤوف سعد، ط. مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة.1، (1424هـ/2003م).

& كنز الوصول إلى معرفة الأصول؛ لأبي الحسن علي بن محمد البزدوي الحنفي، ط. مطبعة جاويد بريس، كراتشي، (بلا تاريخ).

& اللباب في الجمع بين السنة والكتاب؛ لأبي محمد علي بن زكريا المَنْبَجي، تحقيق: الدكتور محمد فضل عبد العزيز المراد، ط. دار القلم، دمشق، الطبعة.2، (1414هـ/1994م).

& لسان العرب؛ لجمال الدين أبي الفضل محمد بن مكرم بن منظور الأنصاري، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة.1، (2005م).

& اللمع في أصول الفقه؛ لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، ط. دار الكتب العلمية، الطبعة.2، (1424هـ/2003م).

& المحصول في أصول الفقه؛ للقاضي أبي بكر بن العربي المعافري المالكي، تحقيق حسين علي اليدري، ط. دار البيارق، الأردن، الطبعة.1، (1420هـ/1999م).

& المحصول في علم الأصول؛ لمحمد بن عمر بن الحسين الرازي، تحقيق طه جابر فياض العلواني، ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، الطبعة.1، (1400هـ).

& المحلى بالآثار؛ لأبي محمد علي سعيد بن حزم الأندلسي، تحقيق عبد الغفار سليمان البنداري، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة.1، (2003م).

& المحيط البرهاني؛ لبرهان الدين مازه، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت، (دون تاريخ).

& المختصر؛ لخليل بن إسحاق الجندي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة.1، (1416هـ/1995م).

& المسند؛ لأبي داود سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي، تحقيق الدكتور محمد بن عبد المحسن التركي، ط. دار هجر للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة.1، (1419 هـ/1999م).

& المصطلح الأصولي عند الشاطبي؛ للدكتور فريد الأنصاري، ط. مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة.1، (1424هـ/2004م).

& المصنف في الأحاديث والآثار؛ لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، تحقيق كمال يوسف الحوت، ط. مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة.1، (1409هـ).

& المعجم الكبير لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق وتخريج حمدي عبد المجيد السلفي، ط. مكتبة ابن تيمية، القاهرة، (1404هـ/1983م).

& المعجم الوسيط؛ لإبراهيم أنيس ورفاقه، طبع ونشر مجمع اللغة العربية، القاهرة، (دون تاريخ).

& معجم مقاييس اللغة؛ لأبي الحسين أحمد بن فارس، ط. دار الجيل، بيروت، الطبعة.1، (1991م).

& المفردات في غريب القرآن؛ للراغب الأصفهاني، ط. مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ( 1961م).

 & منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوي، لصلاح الدين بن أحمد الإدلبي، ط. دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة.1، (1983م).

& المنهج المقترح لفهم المصطلح، لشريف بن حاتم العوني، ط. دار الهجرة، الرياض، الطبعة.1، (1416هـ1996م).

& النقد؛ لشوقي ضيف، ط. دار المعارف، بيروت، (دون تاريخ).

& النكت على كتاب ابن الصلاح؛ لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق ربيع بن هادي المدخلي، ط. عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، الطبعة.1، (1404هـ/1984م).

& النهاية في غريب الحديث والأثر؛ لأبي السعدات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري، تحقيق خليل بن مامون شيحا المالكي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة.1، (1422هـ/2001م).

 



[1]  أساس البلاغة، مادة (نقد).

[2]  لسان العرب، مادة (نقد).

[3]  المعجم الوسيط، مادة (نقد).

 [4] فريد الأنصاري، " أبجديات البحث في العلوم الشرعية "، ص : 99.

 [5] إحسان عباس، "تاريخ النقد الأدبي عند العرب"، ص : 9.

[6]  شوقي ضيق،"النقد "، ص: 9.

[7]  عبد العزيز عتيق، "في النقد الأدبي "، ص: 263.

[8]  صلاح الدين بن أحمد الإدلبي، "منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوي"، ص: 30.

[9]  فريد الأنصاري، "المصطلح الأصولي عند الشاطبي"، ص: 226.

[10]  مفردات غريب القرآن، مادة (أصل).

[11]  لسان العرب، مادة (أصل).

[12]  ابن حزم، "الإحكام لأصول الأحكام": 7/1327.

[13]  ابن حزم، "المحلى بالآثار": 7/217.

 [14] نفسه :1/370.

[15] زيادة عبارة (مما سمعه من غيره) في تعريف المرسل، اقتضاها –على ما حرره ابن حجر في النكت على كتاب ابن الصلاح: 2/246- الاحترازُ عما سمعه التابعي المخضرم من النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه حديث مسند لا مرسل.

والتابعي المخضرم من أدرك الجاهلية والإسلام، وأسلم، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، أولم يُسلم حتى مات صلى الله عليه وسلم، وهذا قد يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم حديثا حال كفره ويحدث به بعد إسلامه، وحديثه هذا يصدق عليه وصف (ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم)، والحال أنه متصل لا مرسل، إذ لا واسطة بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فاقتضى ذلك إضافة القيد المذكور.

[16] الزركشي، "البحر المحيط في أصول الفقه": 4/476.

[17] شرح تنقيح الفصول، ص: 295.

[18] أصول السرخسي: 1/360.

[19] المحلى: 1/260.

[20] نفسه: 10/290.

[21] نفسه: 5/398-399. والحديث أخرجه ابن أبي شيبة هكذا بهذا اللفظ مرسلا في المصنف، رقم (33164)، وعبد الرزاق في المصنف، رقم (9328)، وأخرجه الترمذي بلفظ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه)، في كتاب السير، باب ما جاء في أهل الذمة يغزون مع المسملين هل يسهم لهم؟، تحت رقم (1558). وقال ابن حزم في المحلى: 7/398: «رويناه عن الزهري من طرق كلها صحاح عنه»، وضعفه الشيخ الألباني بالإرسال والإعضال في سلسلة الأحاديث الضعيفة، رقم (6091). ونقل عن الحافظ ابن حجر قوله في تلخيص الحبير: 2/100: «والزهري مراسيله ضعيفة».

[22] المحلى: 5/397.

[23] كذا حكى هذا القولَ الشافعيُّ في الأم عن أبي حنيفة، ووافقه عليه؛ فقال: «قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى فيمن يستعين به المسلمون من أهل الذمة فيقاتل معهم العدو: لا يسهم لهم، ولكن يرضخ لهم (...) قال الشافعي رحمه الله تعالى: والقول ما قال أبو حنيفة». كتاب الأم: 7/361-362، وحكى الأزهري في الثمر الداني: 1/419 عن المالكية أن «الذمي لا يسهم له اتفاقا إن لم يقاتل، ولا إن قاتل على المشهور»، وإليه الإشارة بقول خليل في المختصر، ص: 92 بعد ذكر المستحقين للغنيمة؛ «لا ضدهم ولو قاتلوا...، ولا يرضح لهم»؛ يعني أن ضد المذكورين في قوله: «وقُسم الأربعة لحر مسلم عاقل بالغ حاضر»؛ وضدهم: العبد، والكافر، والمجنون، والصبي، والغائب، لا يقسم لهم من الغنيمة، ولا يرضخ لهم، ولو شاركوا في القتال. والرضخ لغة: العطية القليلة، كما في النهاية لابن الأثير، مادم (رضح)، وفي الشرح الكبير؛ للدردير: 2/192: «الرضخ: مال موكول تقديره للإمام محله الخمس كالنفل».

[24] المحلى: 7/399.

[25] أخرجه البخاري في كتاب الحوالات، باب مطل الغني ظلم، رقم (2270).

[26] شرح جلال الدين المحلي على جمع الجوامع مع حاشية البناني: 1/188.

[27] سورة الفتح: 29.

[28] أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب ما جاء في بئر بضاعة، رقم (66)، والنسائي في كتاب الطهارة، باب ذكر بئر بضاعة، رقم (326)، والترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء [أن] الماء لا ينجسه شيء، رقم (66)، وأحمد في المسند، رقم (11833)، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: «حديث صحيح بطرقه وشواهده»، وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل، رقم (14).

[29] البحر المحيط في أصول الفقه؛ للزركشي: 3/107.

[30] الفروق: 2/460.

[31] الحديث أخرجه مسلم في كتاب المساجد، رقم (1193) من حديث حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء»، وأخرجه بلفظ: (وجعلت الأرض لنا مسجدا وترابها طهورا) أبو داو الطيالسي في مسنده، رقم (418).

[32] الفروق: 2/460-461.

[33] البحر الحيط : 3/401.

[34] اللباب في الجمع بين السنة والكتاب: 1/88.

[35] أخرجه البخاري في كتاب النكاح ، باب ما يحل من الدخول والنظر إلى النساء في الرضاع، رقم (5239)

[36] الموطأ، كتاب الرضاع، باب رضاعة الصغير، رقم (1272).

[37] ابن حزم، "المحلى بالآثار": 10/183.

 [38] في الفتح : 9/190.

[39] حشْرُه المالكيةَ مع الحنفية في التناقض المذكور يحتاج إلى إثبات قولهم في المسألة بمذهب الأحناف، والتحقيق على ما حرره أصوليو المالكية أن أكثر أهل المذهب على أن الراوي إذا خالف روايته، فالعبرة بما روى لا بما رأى؛ قال ابن العربي: «وقال الشافعي ومالك: الحديث مقدم على فتواه، وهذا هو الصحيح». المحصول في أصول الفقه، ص: 89، وقال القرافي: «وهو مذهب أكثر أصحابنا». تنقيح الفصول مع شرحه، ص: 289.

 [40] المحلى: 10/182-183.

[41] البحر المحيط في أصول الفقه؛ للزركشي: 3/487.

[42] شتر العين: «هو قطع الجفن الأسفل، والأصل انقلابه إلى أسفل»، كما قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر: 1/842، ومنه الرجل الأشتر.

[43] المحلى: 11/36، قال ابن منظور: «معنى الحكومة في أرش الجراحات التي ليس فيها دية معلومة: أن يجرح الإنسان في موضع من بدنه بما يبقي شينة، ولا يبطل العضو، فيقتاس الحاكم أرشه،  بأن يقول: هذا المجروح لو كان عبدا غير مشين هذا الشين بهذا الجراحة،  كانت قيمته: ألف درهم، وهو مع هذا الشين قيمته تسعمائة درهم، فقد نقصه الشين عشر قيمته، فيجب على الجارح عشر ديته في الحر، لأن المجروح حر، وهذا وما أشبهه، بمعنى الحكومة التي يستعملها الفقهاء في أرش الجراحات، فاعمله». لسان العرب .مادة (حكم)، انظر النهاية لابن الأثير: مادة (حكم).

وهذا المعنى هو الذي عناه الإمام مالك بقوله: (ليس في ذلك إلا الاجتهاد) فيما جاء في الموطأ: «قال يحيى: وسئل مالك عن شتر العين وحجاج العين؟ فقال: ليس في ذلك إلا الاجتهاد، إلا أن ينقص بصر العين، فيكون له بقدر ما نقص من بصر العين». الموطأ مع شرح الزرقاني: 4/293.

قال ابن عبد البر في الاستذكار: 8/92: «نحو هذا قول أبي حنيفة والشافعي».

[44] المحلى: 11/36، والأثر أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح في المصنف، حديث رقم (17453).

[45] المصدر السابق نفسه.

[46] إحكام الفصول؛ لأبي الوليد الباجي، ص.481.

[47] جزء من رسالة مالك إلى الليث بن سعد، أوردها القاضي عياض في ترتيب المدارك: 1/21.

[48] إحكام الفصول؛ لأبي الوليد الباجي، ص: 481.

[49] قال الشيخ القرضاوي في فقه الزكاة، (ط. مؤسسة الرسالة في مجلد واحد)، ص: 142: «القول المشهور الذي أخذت به المذاهب الأربعة: أن النصاب [في البقر] ثلاثون، وليس فيما دون ثلاثين زكاة».

[50] المحلى: 4/92.

[51] سورة يوسف: 72.

[52] قال ابن العربي في أحكام القرآن: 3/64: «قال علماؤنا: هذا نص في جواز الكفالة».

[53] قصة أصحاب الغار مشهورة؛ أخرجها البخاري في كتاب البيوع، باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي، رقم (2215)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة، رقم (2743)، والشاهد فيها: قول أحد الثلاثة: (اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا بفَرَق من ذرة، فأعطيته، وأبى ذلك أن يأخذ، فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، حتى اشتريت منه بقرا وراعيها، ثم جاء فقال: يا عبد الله أعطيني حقي، فقلت: انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك)، والاستدلال بها على ما ذكر هو قصد البخاري من تبويبه عليها بقوله: (باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي). قال الحافظ ابن حجر في الفتح: 4/516-517: «هذه الترجمة معقودة لبيع الفضولي، وقد مال البخاري فيها إلى الجواز، وأورد فيه حديث ابن عمر في قصة الثلاثة الذين انحطت عليهم الصخرة في الغار...؛ فإن فيه تصرفَ الرجل في مال الأجير بغير إذنه، ولكنه لما ثمره له ونماه وأعطاه، أخذه ورضي».

[54] انظر التفاصيل في البحر المحيط في أصول الفقه؛ للزركشي: 4/348-353، واللمع في أصول الفقه؛ للشيرازي، ص: 63، والإحكام في أصول الأحكام؛ للآمدي: 4/147-148، ونهاية السول شرح منهاج الوصول؛ للإسنوي: 2/24-25، والإحكام لأصول الأحكام؛ لابن حزم: 5/149-174.

[55] سورة القصص: 27.

[56] في الأصل: (ولا حجة للشافعي في هذه المسألة الآتية من وجهين)، ولعله تصحيف مما أثبته. 

[57] أحكام القرآن: 3/496.

[58] إعلام الموقعين عن رب العالمين؛ لابن قيم الجوزية: 4/123.

[59] إحكام الفصول، ص: 473-474.

[60] المحلى: 1/272.

[61] نفسه: 1/197-198

[62] قال ابن هبيرة في كتاب اختلاف الأئمة: 1/187: «واختلفوا في موقف الإمام من الميت ذكرا كان أو أنثى؛ فقال أبو حنيفة: يقوم بحذاء الصدر منهما جميعا، وقال مالك: يقف من الرجل عند وسطه، ومن المرأة عند منكبيها، واختلف أصحاب الشافعي في الرجل على وجهين؛ أحدهما: عند صدره، والآخر: بحذاء رأسه، وهو الأظهر، والمرأة عند وسطها وجها واحدا، وقال أحمد: يقف الإمام عند صدر الرجل وعند وسط المرأة».

[63] المحلى:  2/162. والحديث رواه أبو داود في كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه؟ رقم (3194)، وصححه الألباني في أحكام الجنائز، ص: 109.

[64] المحلى: 2/162.

[65] استخلص الباحث شريف بن حاتم العوني في مقدمة كتابه: (المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس) التي طبعت مستقلة باسم: (المنهج المقترح لفهم المصطلح) من خلال تتبعه لهذين المصطلحين في كلام الشافعي أن معنى (خبر الخاصة) عنده كل خبر مسند، ولو بلغ حد التواتر، و(خبر العامة) ما تناقله المسلمون قرناً بعد قرن مما هو معلوم من الدين بالضرورة؛ كتناقلهم كون الظهر أربعا. انظر المنهج المقترح، ص: 102-119.

[66] يقصد حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قضى بيمين وشاهد». رواه مسلم في كتاب الأقضية، باب القضاء باليمين والشاهد، رقم (4447)، وأبو داود في كتاب الأقضية، باب القضاء باليمين والشاهد، رقم (3608)، وابن ماجة في كتاب الأحكام، باب القضاء بالشاهد واليمين، رقم (2370).

[67] كتاب الأم: 7/297-298.

[68]  سورة النور: 2.

[69]  أخرجه مسلم في كتاب الحدود،  باب حد الزنا، رقم (4390).     

[70]  أصول السرخسي: 1/112.                                         

[71]  نفسه.                                                                  

[72]  تقدم تخريجه.                                                           

[73]  سورة البقرة: 282.                                                  

[74]  أصول البزدوي، ص: 175.                                         

[75]  أصول السرخسي: 1/365                                                                                                     

[76]  أخرجه البخاري في كتاب صفة الصلاة  باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات، رقم (756).                       

[77]  سورة المزمل: 20.                                                                                                               

[78]  أصول السرخسي: 1/112.                                                                                                    

 [79] جاء في المحيط البرهاني؛ لابن مازه: 1/148: «وأما التوضؤ بالأنبذة؛ [فـ]اتفقوا على أنه لا يجوز حال وجود الماء، وأما حال عدم الماء، [فـ]قال أبو حنيفة رحمه الله: يجوز التوضؤ بنبيذ التمر»، وأخذ الحنفية في ذلك بحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله ليلة الجن: «ما في إداوتك؟» فقال: نبيذ، فقال: «تمرة طيبة وماء طهور»، قال: فتوضأ منه. رواه الترمذي في الطهارة، باب ما جاء في الوضوء بالنبيذ، رقم (88وأبو داود في الطهارة، باب الوضوء بالنبيذ، رقم (84وابن ماجه في الطهارة، باب الوضوء بالنبيذ، رقم (385وهو حديث ضعيف، ولو ثبت -فرضا- فهو منسوخ بآية الطهارة؛ قال ابن حجر في الفتح: 1/460: «هذا الحديث أطبق علماء السلف على تضعيفه، وقيل: -على تقدير صحته-: إنه منسوخ؛ لأن ذلك كان بمكة، ونزول قوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا)؛ [سورة النساء: 43]، إنما كان بالمدينة بلا خلاف».

[80] قال ابن مودود الموصلي الحنفي في كتاب الاختيار لتعليل المختار: 1/60: «الوتر واجب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله تعالى زادكم صلاة إلى صلواتكم الخمس، ألا وهي الوتر؛ فحافظوا عليها) ». وهذا الحديث أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، رقم (2124)، وأحمد في المسند، رقم (23902)، بألفاظ متقاربة، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: «إسناد صحيح؛ رجاله ثقات رجال الصحيح، غير علي بن إسحاق، -وهو الموزي-، فقد روى له الترمذي، وهو ثقة»، وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم (108).

[81] إعلام الموقعين عن رب العالمين: 2/312.

 

تعليقات

التنقل السريع