القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المنشورات

التصنيف العقدي للأشاعرة في الفكر "السلفي" (The Doctrinal Classification of Ash'ari in "Salafi" Thought

 



التصنيف العقدي للأشاعرة في الفكر "السلفي"

(The Doctrinal Classification of Ash'ari in "Salafi" Thought)

 

بقلم د. الحسين بودميع

                                                             

تبين بالبحث في الدراسات والمقالات والفتاوى السلفية المعاصرة الناقدة للفكر الأشعري أن مسألة: (هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة؟) قد شغلت وتشغل حيزا كبيرا من اهتمام السلفيين المنشغلين منهم بدراسة العقيدة وغيرهم؛ فتصنيف الأشاعرة مع أو خارج أهل السنة مما كثر السؤال عنه وبحثه عندهم؛ فلو دخلت بهذا السؤال في محرك البحث (Google) لطالعك البحث بعشرات من المواد المكتوبة والمسموعة التي تعنى بالجواب عنه؛ ما بين كتاب أو مقالة أو فتوى أو محاضرة مسجلة، ولقد ألفينا بالبحث أنه ما من أحد من الوجوه المعروفة من شيوخ السلفية المعاصرة إلا وقد استفتي في مسألة تصنيف الأشاعرة؛ فقد سئل عن ذلك الألباني، وابن باز، وابن عثيمين، وصالح الفوزان، وسفر الحوالي، والحويني، ومصطفى العدوي، ومحمد حسان، وسعيد رسلان، وغيرهم.

كما كُتِبتْ في الجواب عن السؤال مقالات عديدة، وألفت فيه كتب مفردة؛ مثل: كتاب التمييز في بيان أن مذهب الأشاعرة ليس على مذهب السلف العزيز، للشيخ حاي بن سالم الحاي، وكتاب تأكيد المسلمات السلفية في نقض الفتوى الجماعية بأن الأشاعرة من الفرقة المرضية، لعبد العزيز بن ريس الريس، وقد تمخض عن تتبع كلامهم في تصنيف الأشاعرة أنهم يصدرون في كلامهم عن قناعة راسخة بأن مذهب الحنابلة حق كله، ولا يتطرق الخطأ إلى اجتهاداتهم في باب العقائد البتة، لأنه هو الوريث الشرعي الوحيد لمذهب السلف وعقيدة أهل السنة والجماعة، وعليه فكل من خالفهم فقد خرج عن عقيدة أهل السنة والجماعة؛ إلا أنهم في تصنيف الأشاعرة على ثلاثة مراتب:

1 ـ مرتبة من يرى أن الأشاعرة لا حظ لهم من اسم أهل السنة والجماعة، وأنهم من الفرق البدعية الهالكة، ولا يجوز إدخالهم في الفرقة الناجية، وغالب من نحا منهم هذا المنحى الغالي في تصنيف الأشاعرة من الباحثين في العقيدة؛ كالدكتور سفر الحوالي، وعبد العزيز الريس، والشيخ حاي بن سالم الحاي، وفيصل بن قزار الجاسم، وخالد علي الغامدي، وهو منحى مصطفى العدوي أيضا.

قال الحوالي بعد أن عرض ما يراه مخالفات الأشاعرة لعقيدة السلف وتميزهم عنهم فكريا وتاريخيا: «هل بقي شك بعد هذه المخالفات المنهجية في أبواب العقيدة كلها، وبعد هذا التميز الفكري الواضح لمذهب الأشاعرة إضافة إلى التميز التاريخي([1]) هل بقي شك في خروجهم عن مذهب أهل السنة والجماعة الذي هو مذهب السلف الصالح؟»([2])

2 ـ مرتبة من يرى أنهم من أهل السنة في غير باب الصفات، وهو رأي شيوخهم الكبار ممن عرفوا بالاشتغال بعلوم الحديث والدعوة والإفتاء؛ كالألباني، وابن باز، وابن عثيمين، وصالح الفوزان، ومحمد حسان...

  قال ابن باز: «المتأول لبعض الصفات كالأشاعرة لا يخرج بذلك عن جماعة المسلمين ولا عن جماعة أهل السنة في غير الصفات...، إن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة في باب الأسماء والصفات...، وإن كانوا منهم في الأبواب الأخرى»([3]).

وقال صالح الفوزان: «أما كون الأشاعرة لم يخرجوا عن الإسلام نعم هم من جملة المسلمين، وأما أنهم من أهل السنة والجماعة في باب الصفات فلا، لأنهم يخالفون أهل السنة في ذلك...، نعم هم من أهل السنة والجماعة في بقية أبواب الإيمان والعقيدة وليسوا منهم في باب الصفات»([4]).

3 ـ مرتبة من يرى أن الحكم على الأشاعرة فيه تفصيل من وجهين:

الأول: اختلاف الحكم عليهم باختلاف من يساكنهم في البلاد التي ينتشرون فيها؛ فإن كانوا في بلاد ينتشر فيها المبتدعة من الروافض والمعتزلة فهم أهل السنة في تلك البلاد، وإن كانوا في بلاد ليس بها إلا أهل السنة فهم ليسوا منهم.

الثاني: اختلاف الحكم عليهم بحسب المعنى المراد بمصطلح (أهل السنة)؛ فإن قصد بالمصطلح أهلَ السنة بالمعنى العام، وهو ما يقابل الشيعة والروافض، فهم من أهل السنة، وإن أريد به أهلَ السنة بالمعنى الخاص، وهم المتبعون لمذهب السلف لم يكن الأشاعرة منهم، وممن اختار هذا الرأي عبد الرحمن المحمود في بحثه (موقف ابن تيمية من الأشاعرة)، وقد اختار هذا الرأي تبعا لابن تيمية في قوله عن الأشاعرة: «إنهم أقرب طوائف أهل الكلام إلى السنة والجماعة والحديث، وهو يعدون من أهل السنة والجماعة عند النظر إلى مثل المعتزلة والرافضة ونحوهم، بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم»([5]).

وأيا ما كان فرأي "السلفيين" في الأشعريين وإخراجهم إياهم من دائرة أهل السنة مطلقا أو بالتقييد أمر هين إذا استحضرنا قصدهم بأهل السنة والجماعة، واعتقادهم أن أهل السنة على مذهب واحد في الاعتقاد، هو مذهب الحنابلة، وأن «مذهب الحنابلة هو مذهب السلف»([6])، وتفسير مصطلح (أهل السنة) هو موضع النزاع، فلو اتفق معهم غيرهم في انحصار أهل السنة في الحنابلة لوافقهم من غير تردد في تصنيفهم المذكور للأشاعرة؛ إذ ما من شك في أن الأشاعرة مخالفون للحنابلة في كثير من آرائهم الاعتقادية خاصة في باب الإلهيات، ولكنه مجرد ادعاء لا يوافقون عليه، فقد درج أئمة الأشاعرة أيضا على اعتبار العقيدة الأشعرية الممثل الوحيد لعقيدة أهل السنة والجماعة، وأن الحنابلة مشبهة مجسمة؛ ولا حظ لهم في مسمى أهل السنة والجماعة؛ فما الذي جعل تغني السلفيين الحنابلة وصلا بليلى أهل السنة أولى وأصح من ادعاء الأشاعرة؟

ثم إن للأشاعرة - وهم السواد الأعظم من المسلمين - أن يحتجوا بحديث أبي أمامة قال: سمعت رسول الله ع يقول: «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تَزِيدُ عَلَيْهِمْ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ السَّوَادَ الأَعْظَمَ»([7]).

وأساس خطأ السلفيين الحنابلة في إقصائهم الأشاعرة والماتريدية من دائرة أهل السنة، هو عين ما تأسس عليه حيف المؤتمرين في مؤتمر كروزني([8]) عليهم إذ اعتبروا السلفيين الحنابلة العصريين خارجين عن أهل السنة؛ لأنهم انطلقوا من مسلمة حصر أهل السنة في الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث المفوضة، كما انطلق السلفيون في إقصائهم من مسلمة حصر أهل السنة في الحنابلة.

ولكن إذا علم أن أهل السنة من سلف الأمة وخلفها اختلفوا في الأصول كما اختلفوا في الفروع، وأنهم ليسوا في باب العقيدة على رأي واحد، علم أن سلامة الرأي مع من يرى أن الأشاعرة والحنابلة والماتريدية مدارس فكرية مختلفة داخل مذهب أهل السنة والجماعة.

ومما يرشد إلى بغي الحنبلية المعاصرين على الأشاعرة في هذا التصنيف: أنهم خالفوا حتى أصحابهم الحنابلة في ذلك؛ فهذا ابن تيمية الذي لا يخرجون عن قوله يصف أعلام المذهب الأشعري بـ (نظار السنة)، أو (نظار أهل السنة) في غير موضع من كتبه؛ كقوله في درء تعارض العقل والنقل: «وأما عدمه [يعني الممكن] فقد قيل: إنه أيضا لا بد له من علة، وهو قول ابن سينا وأتباعه المتأخرين...، وقيل: لا يحتاج عدمه إلى علة، وهو قول نظار السنة المشهورين؛ كالقاضي أبي بكر [يعني الباقلاني]، وأبي المعالي [الجويني]، والقاضي أبي يعلى، وابن عقيل»([9]).

وتكلم شيخ الإسلام إسماعيل الصابوني صاحب كتاب عقائد السلف –وهو من أئمة الحنابلة- في إمام الحرمين بكلام لو قرأه من لا يعرف الصابوني من "السلفية" الوهابية لصنفه من غير تردد ضالا مبتدعا.

روى ابن النجار البغدادي عن أبي نصر بن هارون، قال: حضرت مع شيخ الإسلام إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بعض المحافل، فتكلم إمامُ الحرمين أبو المعالي في مسألة؛ فأجاد الكلام كما يليق بمثله، فلما انصرفنا مع شيخ الإسلام سمعته يقول: «صرف الله المكاره عن هذا الإمام؛ فهو اليوم قرة عين الإسلام، والذاب عنه بحسن الكلام»([10]).

ونجد أبا العون السفاريني –وهو حنبلي جلد شديد على الأشاعرة- يعد «أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل رضي الله عنه، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله، والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي»([11]).  

وبه يعلم أن ما خالف فيه الأشاعرة الحنابلة في العقيدة هو ما تستنكره السلفية المعاصرة عليهم وتعده خروجا من الأشاعرة عن مذهب أهل السنة والجماعة؛ فما هي مآخذ السلفيين الحنابلة تفصيلا على العقيدة الأشعرية؟ هذا ما ستتكفل بالإجابة عنه المقالات اللاحقة من هذا القسم؛ وهو قسم النقد في أصول الدين وعلم الكلام.

 



[1]  فهمت التميز الفكري، ولكن مصطلح (التميز التاريخي) في هذا المقام لا أظن أحدا سيدرك المعنى الذي قصده به الكاتب.

[2]  منهج الأشاعرة في العقيدة: تعقيب على مقالات الصابوني، ص: 59.

[3]  مجموع فتاوى ابن باز، ط. دار القاسم للنشر، الرياض، الطبعة.1، (1420هـ): 3/74.

[4]  تعقيبات على مقالات الصابوني في الصفات، مقال منشور بمجلة المجتمع الكويتية، عدد 646، صفر 1404هـ/ نونبر 1983، ص: 36، انظر فتاوى أخرى لبعض من قال بهذا القول من شيوخهم المذكورين في: كتاب "التمييز في بيان أن مذهب الأشاعرة ليس على مذهب السلف العزيز"، للحاي بن سالم الحاي، ط. دار غراس للنشر والتوزيع، الكويت، الطبعة.1، (1248هـ/2007م)، ص: 254-261.

[5]  بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، تح رشيد حسن ط. مجمع الملك فهد، المدينة (1426هـ): 3/538.

[6]  أبو العون السفاريني الحنبلي، "لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية"، ط. مؤسسة الخافقين، دمشق، الطبعة.2، (1402هـ/1982م): 1/107.

[7]  رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه وفيه أبو غالب وثقه ابن معين وغيره، وبقية رجال الأوسط ثقات وكذلك أحد إسنادي الكبير. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: 7/ 196، رقم (12096).

[8]  هو مؤتمر استضافته مدينة غروزني عاصمة جمهورية الشيشان يوم25  أغسطس  2016م، تحت عنوان: (من هم أهل السنة والجماعة؟ بيان وتوصيف لمنهج أهل السنة والجماعة اعتقادًا وفقهًا وسلوكًا، وأثر الانحراف عنه على الواقع)، بحضور شيخ الأزهر، وجمع من المفتين، وعلماء شرع من أنحاء مختلفة، تحت رعاية الرئيس الشيشاني رمضان قديروف.

وقد خلص المؤتمرون إلى أن «أن أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية، ومنهم أهل الحديث المفوضة في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علماً وأخلاقاً وتزكية على طريقة سيد الطائفة الإمام الجنيد ومن سار على نهجه من أئمة الهدى».

[9]  درء تعارض العقل والنقل أو موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: عبد اللطيف عبد الرحمن، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، (1417هـ/1997م): 3/246.

[10]  ذكره ابن النجار البغدادي في ذيل تاريخ بغداد، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر يحيى، ط. دار الكتاب العربي، الطبعة.1، (1417هـ/1997م): 1/93.

[11] لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية: 1/73.

تعليقات

التنقل السريع