القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المنشورات

نبوءات نهاية العالم (End of the world prophecies) في مصادر الإسلام مقارنة بالنبوءات التوراتية والإنجيلية ورصد لآثارها على الصراع في فلسطين

 

 

Zone de Texte:

 

ملخص بحث لنيل شهادة الدكتوراه في موضوع:

 

 

 

نبوءات آخر الزمان في مصادر الإسلام

مقارنة بالنبوءات التوراتية والإنجيلية

ورصد لآثارها على الصراع في فلسطين

دراسة مقارنة نقدية

 

 

 

إعداد الطالب:  الحسيـن بودميع                   إشراف: الدكتور سعيد شبار

 

رقم التسجيل: 2011/05

 

الموسم الجامعي: 2013/2014

 

 

 

لجنة المناقشة

 

تألفت لجنة مناقشة البحث من السادة:

ـ الدكتور سعيد شبار؛ مشرفا ومقررا.

ـ الدكتور سعيد خالد الحسن، رئيسا.

ـ الدكتور عبد الرحمن العضراوي، عضوا.

ـ الدكتور سعيد كفايتي، عضوا.

ـ الدكتور إبراهيم رضا، عضوا.


 مقدمة

كان النبي e يحدث أمته ببعض الأخبار الآتية استجابة لما ركز في الفطر من التطلع إلى المستقبل واستشراف أخباره، وتحذيرا للمؤمنين من قادم الفتن، وتبشيرا لهم بما يحيي جذوة الأمل ويقطع بوادر اليأس والقنوط في نفوسهم، وترسيخا للإيمان بصدق نبوته وحتمية انقضاء العاجلة والإيقان بالآخرة في عقولهم.

وقد اعتنى أهل العلم من هذه الأمة بالنبوءات المستقبلية في الأحاديث النبوية؛ لأهميتها في تربية الإيمان في النفوس، بما تمثله من أعلام على صدق نبوته e؛ حين تقع الحوادث على وفق ما نبأ به النبي e، وما تشحن به النفوس المؤمنة من همة الاستعداد للآخرة، والإيقان بفناء الدنيا العاجلة؛ فتناولها المصنفون في جمع السنة تحت عنوان: (الفتن وأشراط الساعة) من مصنفاتهم، وتتبعها المصنفون في دلائل النبوة؛ كالبيهقي، والأصفهاني، والفريابي...، وأفردوا لها أبوابا من مؤلفاتهم، وتعرض لها أرباب العقائد في كتبهم، وجعلوا التصديق بما صح به الخبر منها من أصول الإيمان، وخصت بمصنفات مفردة تحمل في الغالب عنوان: (أشراط الساعة).

بيد أن التنبؤ بالمستقبل ليس مما تفردت به ملتنا، بل هو مما تواردت عليه الملل السماوية كلها، وقد صح عن النبي e أن جميع الأنبياء بشروا أممهم بمن ياتي بعدهم من الرسل، وكلهم قد حذر أمته الدجال مثلا؛ ومع هذا فإن نبوءات آخر الزمان في السنة النبوية - وتسمى أحاديث الفتن- قد نالها كثير من الإنكار ـوكثير من التأويل الآيل إلى الإنكار.    

ولا يخفى أن  إنكار هذه الحقائق - مع صحة الخبر بها عن رسول الله e وورود أكثر أحاديثها في الصحيحين، بل وتواترها - منطويا على تجاوز منهج المحدثين في نقد الروايات، وإهدار جهودهم الضخمة في ذلك.

ويقابل هذه النزعة عكسيا  نزعة أخرى لا تقل خطرا عنها إن لم تكن أشد خطرا منها؛ وهي النزعة الخرافية التي تستند إلى الأساطير والأخبار الموضوعة في بناء التصورات والعقائد؛ فترى أهلها قد فتحوا عقولهم لكل واردة وشاردة؛ من غير تمييز ولا تمحيص، خاصة في مجال النبوءات المستقبلية؛ حيث يكثر الوضع والاختلاق، وينتعش النشاط الوعظي للقصاص.

فوجب توجيه سهام النقد لهذا المسلك مثلما وجب التصدي لسابقه تقريرا للمنهج الوسط في التعامل مع السنة من حيث الثبوت؛ والمنبني على التحري في قبول ما ينسب إلى النبي e، والحذر في رده.

وقد تبين بالبحث أن المصادر اليهودية والنصرانية - على ما دخلها من التحريف- تتفق مع السنة النبوية في التنبؤ بكثير من أحداث آخر الزمان؛ مما يرشد إلى أن هذه المصادر ما زالت تحتفظ ببعض الوحي المنزل على أنبياء بني إسرائيل، وإن كان ما أقحمه فيها أتباعها مما تشتهيه أنفسهم هو الغالب فيها.

فكان كل هذا باعثا على جعل دراسة أحداث آخر الزمان كما تنبأت بها السنة النبوية، وتتبع ما ورد بشأنها في المصادر اليهودية والمسيحية أطروحة للبحث.

ثم ظهر بعد مراحل من البحث ما لنبوءات آخر الزمان عند اليهود والنصارى من أثر جوهري في نشوء الصهيونية والتبني الغربي لها نشأة وتأسيسا وحماية، كما لاحظ الباحث - بعد المقارنة بين ما تنبأت به الملل الثلاث بشأن الأحداث الثلاثة المذكورة وتوابعها - محورية أرض فلسطين فيها، باعتبارها المسرح المركزي الذي ستجري فيه أحداثها.

ففي النبوءات الإسلامية نجد أن جل معارك المهدي ستكون بالشام، وسينتهي به الأمر إلى فلسطين إماما للمسلمين، وأن الدجال إذا خرج وطاف الأرض، سيحاصر في آخر الأمر جماعة المسلمين مع إمامهم المهدي في بيت المقدس، وستكون نهايته عند باب لد بفلسطين، وأن عيسى سينزل في دمشق، ثم يسير إلى فلسطين، ويصلي هناك خلف المهدي صلاة الصبح، وفيها سيقتل الدجال، وعلى أرضها سيقاتل المسلمون مع عيسى عليه السلام اليهودَ (أتباع الدجال)، ويهزمونهم «حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ»، وإليها سيتجه ياجوج وماجوج عند خروجهم، ويشربون ماء بحيرة طبرية، وفيها ستكون إبادتهم بدعاء نبي الله عيسى ومن معه.

وفي النبوءات التوراتية نجد أن فلسطين هي قلب "أرض الميعاد" التي "وُعِد" بها بنو إسرائيل وآباؤهم، وهي "صهيون" التي تنبأ "الأنبياء" بعودة الإسرائيليين إليها بعد الشتات، وفي أورشليم (القدس) سيُبْنَى "هيكل الرب" بعد العودة من المنفى، وهي عاصمة الدولة اليهودية العالمية التي سيرأسها الملك اليهودي المنتظر.

وفي النبوءات الإنجيلية نجد أن (ضد المسيح النهائي) وهو المسيح الدجال، سيجلس على هيكل أورشليم مدعيا أنه إله، وفي فلسطين - حيث سينزل المسيح -سيلقى حتفه، وأن نزول المسيح في "مجيئه الثاني" سيكون في فلسطين، وعلى أرضها سيخوض مع "أعداء الله" معركة الهرمجدون؛ فـ (مجيدو) الذي هو مكان المعركة قرية فلسطينية كما سلف، وإياها تقصد جموع (جوج وماجوج) بقيادة الشيطان لحرب المسيح، وفيها ستكون نهايتهم، ومن القدس سيحكم المسيح العالم إذا نزل لمدة ألف سنة، وفيها ستتم الدينونة (الحساب)، وربما الجزاء أيضا.

وهكذا نجد النبوءات في كل من المصادر الإسلامية واليهودية والمسيحية، قد تواردت على أن فلسطين هي النقطة التي ستتجه إليها الأنظار في آخر الأيام، باعتبارها البلاد التي سيتم فيها الخلاص، والأرض التي ستتحقق فيها الآمال، وستجري عليها أحداث نهاية الزمان.

هذا إضافة إلى أبعاد دينية أخرى؛ منها أنها بالنسبة للمسلمين مسرى نبيهم صلى الله عليه وسلم، وحاضنة المسجد الأقصى الذي يعد أولى القبلتين وثالث الحرمين، وأحد المساجد الثلاثة الكبرى التي لا تشد الرحال إلا إليها، وهي بالنسبة لليهود الأرض التاريخية التي عاش فيها "أجدادهم" كما زعموا، ومركز مملكة داود وسليمان، وهي بالنسبة للمسيحيين مولد المسيح، وفيها عاش، وفيها "صلب" حسب معتقدهم، ومنها صعد إلى السماء، ومنها خرجت الديانة المسيحية إلى سائر بلاد العالم.

وهذا ما جعل فلسطين في وجدان أتباع الشرائع الثلاث كلها أرضا غير عادية، أرضا مقدسة، وجعلها مهوىً لأفئدتهم جميعا؛ مما يسمح بالقول: إن الصراع على فلسطين صراع ديني بالأساس، ومواقف الأطراف المتدخلة في الصراع تنبع أساسا من إيمانهم بما لفلسطين من المكانة الدينية في الماضي والحاضر والمستقبل، وإن كان للأبعاد الأخرى كالأبعاد السياسية والاستراتيجية من أثر، فهو أثر ثانوي مفضول ومرجوح أمام البعد الديني.

وتَشَكُّل مواقف أطراف الصراع استنادا إلى المكانة المركزية التي تحتلها فلسطين وما سيجري عليها من أحداث في آخر الزمان، ودورها في "خطة الخلاص" حسب النبوءات الدينية، هو المقصود في الباب الثاني من البحث بأثر النبوءات على الصراع في فلسطين، وقد حاولت رصد هذه الآثار من خلال:

-         تبَيُّن آثار النبوءات في تبني الغرب للمشروع الصهيوني، وانحيازه لـ "إسرائيل".

-         كشف الارتباط بين نبوءات مجيء المسيح ونشوء الصهيونية المسيحية.

-         بيان اعتماد الحركة الصهيونية على توظيف النبوءات لتبرير مواقفها وسلوكاتها.

-         إبراز ما قد يكون للنبوءات الإسلامية من آثار في انسحاب بعض المسلمين من الصراع، اتكالا على قدوم المخلص، وانتظارا للخلاص القدري المرتقب.   

 فتوجهت الرغبة إلى ضم التنقيب عن جذور الصراع في فلسطين في النبوءات الدينية إلى البحث؛ فكان أن تألف البحث من بابين:

·          أولهما علمي يرمي إلى دراسة أحداث آخر الزمان في السنة والمصادر الكتابية، وتلمس مواطن الوفاق والخلاف بين عقيدة المسلمين وعقائد أهل الملتين بشأن نهاية العالم وسوابقها الممهدة لها.

·          والثاني سياسي يهدف إلى رصد آثار تلك العقائد على الصراع القائم في فلسطين، وفي توجيه مواقف الأطراف الفاعلة في الصراع سلبا وإيجابا.

هيكل البحث

وهذا تصميم عام للبحث

    مقدمة

الباب الأول:  نبوءات آخر الزمان في السنة النبوية والمصادر الكتابية

الفصل الأول: نبوءات العودة إلى الأرض الموعودة

الفصل الثاني: نبوءات ظهور الدجال.

الفصل الثالث: نبوءات مجيء المسيح المنتظر.

الباب الثاني: أثر النبوءات على الصراع في فلسطين.

الفصل الأول: أثر النبوءات في الانحياز الغربي لـ "إسرائيل".

الفصل الثاني: الصهيونية اليهودية وتوظيف النبوءات.

الفصل الثالث: أثر النبوءات في مواقف المسلمين من الصراع في فلسطين.

خاتمة.

دواعي اختيار الموضوع

ويستمد البحث في هذا الموضوع أهميته من نواح عدة؛ أهمها:

u- ما تقدم من ضرورة مدافعة آراء منكري أحاديث الفتن، لما لانتشار هذه الآراء من نتائج غير محمودة على السنة وثقة الأمة بحجيتها، وضرورة التصدي لظاهرتي التأويل المتسيب والاختلاق في مجال أشراط الساعة؛ لما لهما من خطر شيوع الخرافة وحشو عقول العامة بما يفسد عقائدهم من الأساطير والموضوعات.

- أن التعاطي مع المأساة الفلسطينية الناشئة عن الاحتلال الصهيوني، بهدف العمل على تجاوزها، يستدعي الفهم التام لها، ولا يمكن ذلك إلا بالوعي بجذور الفكرة الصهيونية، ويتبين من دراسة تاريخ نشأتها بين المسيحيين خلال القرن السادس عشر، أن جذورها تتصل بالنبوءات الدينية المتعلقة بأحداث آخر الزمان، التي ستجري فصولها حسب تلك النبوءات على ساحة فلسطين، والوعي كذلك بسبب نجاح المشروع الصهيوني واستمراره، العائد أساسا إلى تبني الغرب المسيحي له نشأة وتنفيذا واستمرارا، مما يستدعي البحث عن الجذور الدينية لتبني الدول الغربية للمشروع الصهيوني، قصد نقدها وكشف زيفها.

w- أن شرائح لا بأس بها من المسلمين تراهن في حل المشكلة الفلسطينية على ما تبشر به نبوءات آخر الزمان، ولا يبعد أن يكون هذا الرهان من الجذور النفسية لتلكؤ بعض المسلمين عن الإعداد المطلوب لتحرير فلسطين؛ مما يستدعي بيان خطأ الاتكال على ما جاء في نبوءات آخر الزمان، وتجلية انتفاء الصلة بين ما تبشر به من الانتصارات وبين الصراع القائم في فلسطين.

x- أن الدراسة المقارنة لنبوءات آخر الزمان في الملل الثلاث، ورصد آثارها على مواقف أطراف الصراع في فلسطين، موضوع لم يبحث على هذا النحو من قبل - حسب علمي- على أهميته، والدراسات التي أنجزت بهذا الصدد؛ منها ما يتناول النبوءات دون رصد لآثارها، ومنها ما يتتبع الآثار دون عرض للنبوءات، والتي تناولت النبوءات، غالبا ما تقتصر على النبوءات في ملة واحدة، دون أن تقارنها بما في الملتين الأخريين، والتي تبحث آثارها اقتصرت على رصد آثار النبوءات التوراتية والإنجيلية على الحركات الأصولية المسيحية، المسماة بالصهيونية المسيحية.

المنهج المتبع في البحث

وقد اتبعت في بحث الموضوع المنهج الحواري في أبعاده الثلاثة:

-         البعد المقارن، المعتمَد في المقابلة بين النبوءات في الأديان الثلاثة؛ قصد إبراز مواطن الائتلاف والاختلاف بينها.

-         البعد النقدي، المتبع في مساءلة نصوص النبوءات ثبوتا وتأويلا.

-         البعد الجدلي التجاوزي، المتجلي في مناقشة الآراء والمواقف التي يراها البحث خاطئة لتجاوزها.

 

تفصيل موضوع الأطروحة

وتتألف الدراسة كما سلف وكما يقتضي عنوانها من بابين:

³ أولهما في عرض ومقارنة ونقد النبوءات الدينية المتعلقة بآخر الزمان في الملل الثلاث.

³والثاني في رصد آثارها على مواقف المؤمنين بها من الصراع في فلسطين، مفتتحة بمقدمة في إشكال البحث وأهميته ومنهجه، ومذيلة بخاتمة تضم أهم ما توصل إليه البحث من النتائج.

 وقد انتظم كل من البابين في ثلاثة فصول.

¦ فالفصل الأول من الباب الأول يتضمن الحديث عن دعوى الحق اليهودي في أرض فلسطين، ومستنداتها التاريخية والدينية عرضا ونقدا، حيث عرضت الدراسة مستندات الدعوى ومرجعيتها النصية، (وتتضمن أساسا: الوعود التوراتية لإبراهيم وإسحاق ويعقوب ونسلهم بتمليكهم أرض فلسطين، والنبوءات التوراتية المتعلقة بعودة بني إسرائيل إلى الأرض بعد الشتات)، ثم حاولتْ نقدها في ضوء الأحداث التاريخية والمسلمات الدينية والحقائق العلمية، وانتهى الفصل إلى أن اليهود لا حق لهم في أرض فلسطين لا دينيا ولا تاريخيا ولا قانونيا.

¦ وتناول الفصل الثاني نبوءة ظهور المسيح الدجال، كما هو في عقائد كل من المسلمين واليهود والنصارى، وتم الحديث فيه عن صفات الدجال، وعلامات ظهوره، ومكانه، وما يكون بعد خروجه حتى نهايته، وتعرض البحث أثناء الحديث عن ظهور الدجال في عقيدة المسلمين لآراء من ينكر ظهوره أو يؤوله عرضا ومناقشة، وخلص إلى أن الدجال حقيقة غيبية تواترت الأحاديث بظهوره في آخر الزمان، وأن إنكار من ينكره عائد إما إلى الاستخفاف بالسنة، وعدم الاعتداد بها مصدرا مستقلا معادلا للقرآن في حجيته، أو إلى الإيمان بطردية السنن الكونية طردا مطلقا، مما يتنافى مع ما تضمنته أحاديث الدجال وغيره من أشراط الساعة من الخوارق. 

¦ أما الفصل الثالث فيتضمن الحديث عن نبوءة مجيء المسيح في آخر الزمان في الملل الثلاث، حيث عَرَض حدث مجيء المسيح المنتظر بسوابقه ووقائعه ولواحقه، كما هو في عقيدة الإسلام واليهودية والمسيحية، وتعرض لآراء المسلمين المختلفة بشأنه، والمترددة بين التسليم والإنكار والتأويل، بأدلتها ومناقشتها، وعَرَض المرجعية النصية للنبوءة عند كل من اليهود والنصارى على موازين النقد، وانتهى الفصل إلى أن مجيء المسيح ابن مريم في آخر الزمان كما في اعتقاد المسلمين والنصارى حقيقة دينية في الجملة، ولكن في تفاصيلها بعض الخرافات من زيادات البشر، أملتها الأهواء والرغبة في الخلاص من شدائد الدهر على النحو الأمثل، وتعليق الآمال على مجيء المسيح في تحقيق ما عجز المنتظرون عن تحقيقه واقعا.

وبعد عرض ونقد نبوءات آخر الزمان في الباب الأول، جاء الباب الثاني ليرصد آثار الإيمان بحتمية حدوثها في مواقف المؤمنين بها من الصراع الجاري في فلسطين، وقد انكسر إلى ثلاثة فصول، أفرد كل منها للحديث عن موقف طرف من الأطراف الثلاثة المشاركة في الصراع، وصلته بالنبوءات.

¦ فعقد الفصل الأول للحديث عن أثر النبوءات الدينية في تبني الغرب للمشروع الصهيوني، وانحيازه اللامشروط لدولة "إسرائيل"، ودعمه لها ماليا وعسكريا ودبلوماسيا، وقبل التدليل على أن جذور الانحياز المذكور دينية، تتصل أساسا بالنبوءات، عرض البحث ثلاث مقولات أخرى يتبناها البعض في تفسيره؛ وهي:

Û مقولة أن المصالح الاستراتيجية التي تتحقق للدول الغربية من دعمها لـ "إسرائيل"، وتحالفها معها، هي الباعث الأساسي لها على هذا الانحياز.

Û  مقولة أن قوة اللوبي الصهيوني في الغرب، وسيطرته على المؤسسات المالية والإعلامية، ونفوذه في مواقع صناعة القرار؛ هو الذي يقف وراء هذا الانحياز.

Û مقولة أن تفسير الانحياز الغربي لـ "إسرائيل" يكمن في الالتزام الأخلاقي للغرب تجاه اليهود ودولة "إسرائيل"، ويرجع هذا الالتزام إلى أمرين أساسين: (الأول): أن اليهود عانوا طويلا، وتعرضوا للتمييز والاضطهاد كثيرا في الغرب؛ فاستحقوا بذلك أخلاقيا أن يعاملوا معاملة خاصة. (الثاني): أن "إسرائيل" واحة للديمقراطية في بيئة دكتاتورية، فوجب على الغرب أخلاقيا دعمها وفاء بما التزم به من نشر مبادئ الديمقراطية وحراستها.

وقد عرضت كل مقولة مع أدلتها ومناقشتها، وخلص البحث إلى أن العقائد الدينية البروتستانتية النبوئية المرتبطة بنهاية الزمان، والمتضمنة قداسة "الشعب الإسرائيلي"، وضرورة تجمع اليهودي في أرض فلسطين بصفته مقدمة ضرورية لقدوم المسيح الذي سيتحقق على يديه "الخلاص المسيحي" ... هي الدوافع الحقيقية التي تقف خلف تبني الغرب للمشروع الصهيوني وانحيازه لـ "لإسرائيل". 

  ¦وبعد عرض موقف نصارى الغرب من القضية الفلسطينية في الفصل الأول، عقد الفصل الثاني لبيان أن الحركة الصهيونية التي أسسها نفر من يهود الغرب بزعامة تيودور هرتزل في أواخر القرن التاسع عشر، حركة علمانية ملحدة، معادية ومحتقرة للعقائد والشرائع الدينية، ومع ذلك ألجأتها الحاجة لتعبئة يهود العالم لتبني المشروع الصهيوني والانخراط فيه، إلى توظيف الدين اليهودي، وخاصة منه ما يتعلق بالوعود التوراتية بالأرض، ونبوءات الخلاص والعودة من "المنفى" إلى "أرض الميعاد"، مؤسسة ذلك على أساطير اختلقتها بشأن الوحدة العرقية لليهود، و"الاختيار الإلهي" لهم.

وقبل الحديث عن هذا التوظيف وتجلياته، كان لا بد أن أعرف بالصهيونية وأعرض نبذة عن ظروف ووقائع نشأتها بين اليهود، فانتظم الفصل في مبحثين: أحدهما في تعريف الصهيونية ونشأتها بين اليهود، وثانيهما في دواعي وتجليات الاستغلال السياسي للدين في الخطاب الصهيوني.

¦ وخلص البحث في فصله الأخير إلى أن من المسلمين من بات مقتنعا بأن انتهاء مأساة فلسطين، لن يتحقق إلا على يد منقذ ممن تبشر النبوءات بظهورهم في آخر الزمان، ثم بين منشأ ذلك، ووهم من أسس عليه هذا الاعتقاد، وأن ذلك فرع عن مأساة الأمة مع الفكر التبريري التواكلي؛ الذي يتنكر لقانون السببية عمليا وإن آمن به نظريا، ويربط الفشل أو الهزيمة دائما بعوامل خارجية، ويراهن في تحقيق النجاح أو الانتصار على ما ستجري به الأقدار.

أهم نتائج البحث

بعد جولة مضنية وممتعة في الآن ذاته، بين صفحات الكتب والصحف، وما نشر عبر الوسائط الجديدة التي أصبحت تفرض نفسها على الباحث، لكثرة ما يلجأ إليها الناس لنشر أفكارهم ومعتقداتهم، وتتبع للبرامج الإعلامية، والتعاطي من كل ذلك مع المواد التي تناولت القضية الفلسطينية في أبعادها التاريخية والدينية والسياسية، اقتباسا وتحليلا ومقارنة ونقدا، أسفر البحث عن جملة من النتائج، يمكن إجمالها في الآتي:

أولا: التطلع إلى معرفة المستقبل أملا فيما قد يحمله من الخير، أو حذرا فيما قد يأتي به من الشر، فطرة إنسانية راسخة في النفس البشرية؛ ما جعل التنبؤ بالمستقبل استجابة لهذه الحاجة، يشغل مساحة لا بأس بها من الأديان؛ وضْعيِّها وسماويها، وهو ما يسمى النبوءات الدينية.

ثانيا: من النبوءات الدينية ما استُغل سياسيا للترويج لدعاوى معينة، وأبرز مثال على الاستغلال السياسي للنبوءات: الادعاء الصهيوني بحق اليهود في تملك فلسطين، بناء على أن الله قد "وعد" بها بني إسرائيل وآباءهم، وأن أنبياءهم تنبأوا بأنهم سيعودون إلى أرض فلسطين بعد إجلائهم منها، وقد نجحت الصهيونية في إيهام عدد غير قليل من الناس بصحة هذه الدعوى؛ والحال أنها دعوى زائفة، بنيت على أساطير ومغالطات لا تروج على من له أدنى اطلاع على مصادر اليهود وتاريخهم والتكوين العرقي لجماعاتهم؛ وقد بين البحث زيف هذه الدعوى وأثبت أن لا حق لليهود في أرض فلسطين لا تاريخا ولا دينا؛ استنادا إلى ما يلي:

1-  مصادر "الوعود الإلهية" المزعومة لبني إسرائيل بالأرض، لا يُسَلم النقاد بأنها وحي من الله كلها، وإذا صح أن فيها بعض ما ليس من الوحي، تطرق منا الشك إلى جميعها، فيتطرق إلى نصوص الوعد احتمال أن يكون اليهود هم من أقحموها في كتبهم لتحقيق مطامعهم في الأرض، ويعزز هذا الاحتمالَ ما فيها من التناقض حول مساحة الأرض الموعودة، وكون الوعود لم تحقق لأصحابها؛ فلا إبراهيم ولا إسحاق ولا يعقوب ولا بني إسرائيل، ملكوا في يوم أرض ما بين النيل والفرات كما وعدت به بعض النصوص.

2- لو افترضنا جدلا أن نصوص الوعد ونبوءات العودة وحي من الله؛ فإنها لا تنطبق على يهود العصر الحالي، لأن تلك النصوص تتحدث عن بني إسرائيل، ويهود اليوم ليسوا في معظمهم من سلالة بني إسرائيل بشهادة العلماء المؤرخين والأنثروبولوجيين من الغرب، بل ومن اليهود؛ فحسب نتائج أبحاث هؤلاء العلماء يرجع ما لا يقل عن   90%من يهود اليوم إلى أصول خزرية تركية، والنسبة المتبقية منهم تتوزعها مع السلالة الإسرائيلية الأعراق اليهودية الأخرى؛ كاليهود العرب، والأمازيغ، والفلاشا، والفرس، والصينيين..، وهذا المستند يقضي أيضا على دعوى الحق التاريخي، المستندة إلى أن بني إسرائيل قد استوطنوا أرض فلسطين فترة من التاريخ؛ فإنه لو صح هذا سندا لمطالبة أحفادهم بفلسطين، فإن يهود اليوم ليسوا من أحفاد من استوطنها قديما من بني إسرائيل.  

3- نبوءات عودة بني إسرائيل إلى الأرض بعد الجلاء، قد تحققت ومضت حين عاد بنو إسرائيل من الأسر البابلي إلى فلسطين بإذن من الإمبراطور (قورش) الفارسي؛ لانطباق ما جاء في النبوءات على تلك العودة، إذ كان العائدون من السلالة الإسرائيلية الخالصة، وعادوا كما تنص النبوءات تحت قيادة ملك من نسل داود، وهو (زربابل بن شالتيئيل)، وبنوا الهيكل من جديد، واستأنفوا عباداتهم وحياتهم كما كانت قبل الجلاء.     

ثالثا: تتفق مصادر المسلمين والنصارى على ظهور مسيح دجال، يدعى الألوهية، ويعيث في الأرض فسادا قبل أن يبيده المسيح عند نزوله.

وتلتقي مصادر الملل الثلاث في التنبؤ بقدوم مخلص منقذ، يَعقد بعض أهل كل ملة الأملَ على مجيئه ليخلصهم مما هم فيه؛ فالمسلمون يترقبون ما تنبأت به النصوص من ظهور خليفة من آل البيت يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، وهو المهدي، متبوعا بنزول عيسى الذي سيخلص الناس من شر فتنة المسيح الدجال، ويُظهر الله به دينَ الإسلام على بقية الملل.

 واليهود ينتظرون ظهور مسيح مخلص تنبأت أسفار العهد العتيق بظهوره، ليخلص جماعة إسرائيل، ويجمعهم من "الشتات"، ويردهم إلى "أرض الميعاد"، وقد ظل هذا الحلم يداعب خيال اليهود حتى ظهور رواد الحركة الصهيونية، فدعوا اليهود إلى التحرر من عقيدة الانتظار هذه، واتخاذ الأسباب المادية سبيلا لتحقيق حلم الخلاص، والعودة إلى (صهيون)، فبدأ التخطيط لاحتلال فلسطين.

والنصارى يترقبون نزول السيد المسيح من السماء، كما تنبأت به الأناجيل، ليخلصهم من شقاء الدنيا، ويأخذهم إلى الجنة، بعد أن يلقي بالشيطان والمسيح الدجال وكاهنه (النبي الكذاب)، وباقي الأشرار في "بحيرة النار" (جهنم)، وبعضهم يعتقد أنه سيقيم قبل ذلك مملكة سعيدة في الأرض تمتد لألف سنة، ويقودها من محل عرشه في القدس.

رابعا: حرص هذا البحث على الدفاع عن نبوءات ظهور المهدي وخروج الدجال ونزول عيسى، ليس المقصودَ منه أصالة إثباتُ هذه القضايا، وإنما القصد منه الدفاع عن منهج المحدثين في نقد الروايات، ومعاييرهم في قبول أو رد ما ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخبار؛ فإن تجاوز هذا المنهج في الاجتهاد في نصوص السنة من حيث الثبوت -كما يحاول البعض-، فتح لباب الفوضى في التعامل مع السنة والاحتجاج بها؛ إذ من شأن ذلك أن يفسح المجال لجعل الذوق وهوى النفوس معيارا حاكما في التصحيح والتضعيف، والقبول والرد، مما يحمل المتلقي على الشك في كل ما يضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وناهيك بذلك من معول هادم لأصل من أصول استمداد أحكام الدين وعقائده، وهو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد لوحظ من منهج من ينكر النبوءات المذكورة التساهل في رد السنن، مع استعظامه الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحال أن إنكار السنن الثابتة لا يختلف في حكمه عن وضع الحديث ونسبته إلى رسول الله كذبا؛ لأن الكذب عليه -الذي حذر منه بقوله المتواتر: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»([1]) - لا ينحصر في نسبة ما لم يقله إليه، بل يشمل أيضا نفي ما قاله عنه، وعليه فكما يجب الحذر في قبول الحديث، يجب الحذر أيضا في رده.  

خامسا: أزعم أن باب فهم القضية الفلسطينية موصد دون من يقصي الأبعاد الدينية للقضية من تحليله، زاعما أن الصراع في فلسطين صراع على النفوذ وعلى المصالح الاقتصادية والاستراتيجية فحسب؛ فإن مأساة فلسطين ذات جذور دينية، تتصل أساسا بالنبوءات الدينية المتعلقة بما سيجري على ساحة فلسطين من أحداث آخر الزمان.

سادسا: إن ما انغرس في الذاكرة الجماعية لمسيحيي الغرب شعوبا وقادة (وفي ذاكرة الأمريكيين خاصة) من الدور المحوري الذي سيكون لليهود وفلسطين فيما يعتبرونه "الخطة الإلهية للخلاص المسيحي"، وما ترتب عن ذلك من التزام اعتقادي تجاه "إسرائيل" إنشاء ومسارا، هي الأسباب الحقيقية لتبني الغرب للمشروع الصهيوني وانحيازه اللامشروط للدولة "الإسرائيلية".

وتتصل الجذور الدينية لتبني الغرب للمشروع الصهيوني بنشوء الاعتقاد بين المسيحيين البروتستانت بعد ما سمي (الإصلاح الديني) بحق اليهود تاريخيا ودينيا في أرض فلسطين، بعد إعادة الاعتبار للعهد العتيق في الحياة الدينية للمسيحيين، وبتصورات مستمدة من النبوءات التوراتية والإنجيلية تقضي بأن التجمع اليهودي في فلسطين شرط لازم لعودة المسيح، وتحقق "الخلاص المسيحي".

تلك هي البواعث الحقيقية لانحياز مسيحيي الغرب لـ "إسرائيل"، وإن كان للأبعاد الإستراتيجية والاقتصادية، ولضغوط اللوبي اليهودي في الغرب من دور في هذا الانحياز، فهو دور ثانوي مفضول أمام الاعتبارات الدينية.

سابعا: الصهيونية باعتبارها فكرة تقضي بتجميع اليهود في فلسطين، عقيدة دينية خالصة نشأت بين المسيحيين في الغرب عقب "الإصلاح الديني" في القرن السادس عشر، وهي باعتبارها هيئة سياسية منظمة، تهدف إلى تنفيذ هذه الفكرة، حركة علمانية إلحادية، تأسست بين اليهود بقيادة تيودور هرتزل في أواخر القرن التاسع عشر، أي قبل ثلاثة قرون من نشوئها فكرة بين المسيحيين، وتهدف حركة هرتزل إلى تجميع اليهود في فلسطين، ولكن لا لأهداف دينية كما هو الحال عند المسيحيين، بل لأهداف استعمارية، لأن حركته لا تنطلق من الدين، بل لا تؤمن به، ومع ذلك ألجأتها الحاجة لتوظيف المفاهيم والرموز الدينية لليهودية؛ لإضفاء المشروعية الدينية على احتلالها أرض فلسطين، وحشد يهود العالم لتبني ودعم المشروع الصهيوني.

ثامنا: ما يبني عليه بعض المسلمين توقعاتهم بشأن مآل الصراع في فلسطين، وزوال إسرائيل من النبوءات، لا صلة له بالصراع الدائر الآن في فلسطين.

 فآيات سورة الإسراء المخبرة بأن الله قضى على بني إسرائيل أن سيفسدوا في الأرض مرتين، وسيهلكهم بعد كل إفساد، تتحدث عن مرتين ماضيتين من إفساد بني إسرائيل بإجماع المفسرين، وهي قبل ذلك حديث عن سلالة بني إسرائيل، ولا صلة لليهود المحتلين الآن أرضَ فلسطين بالعرق الإسرائيلي.

وحديث قتال المسلمين اليهود، حتى يتوارى اليهودي وراء الحجر والشجر..إلخ، لا يتحدث عن اليهود الموجودين الآن في فلسطين المحتلة، ولا عن معركة ستجري معهم، وإنما عن يهود أصبهان الذين سيتبعون الدجال ويقاتلون معه المسلمين، والذين سيناديهم الحجر والشجر، هم نبي الله عيسى ومن معه.

أما حديث الشيعة عن ظهور إمامهم الثاني عشر "الغائب"، ليقيم دولة الشيعة العالمية، ويحرر القدس وفلسطين، فحديث خرافة، بُني على أساطير نسجها سدنة المذهب لتجاوز مأزق موت إمامهم الحادي عشر (الحسن العسكري)، دون أن يعقب خلفا، لإنقاذ مذهبهم - الذي لا يجيز خلو الأرض من الإمام - من الانهيار، حماية لمصالحهم؛ فادعوا أن للحسن العسكري ولدا غائبا عن الأنظار، اسمه محمد، وهو الإمام الثاني عشر، وسيظهر بعد حين.

هذا آخر ما يسر الله تقييده من هذا العمل.

والحمد لله رب العالمين.

 

 

 



[1] أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب: ما يكره من النياحة على الميت، رقم (1291).

تعليقات

التنقل السريع