القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المنشورات

مآخذ "السلفيين" على العقيدة الأشعرية: مدخل عام (The "Salafis"' Obstacles to the Ash'ari School)

 



مآخذ "السلفيين" 

على العقيدة الأشعرية:

 مدخل عام

(The "Salafis"' Obstacles to the Ash'ari School)

 

بقلم د. الحسين بودميع

الحمد لله الذي نصّب رسوله للخلق دليلا على مراشد الحق، وجعل الخلاف في فهم بعض حقائق وحيه سنة جارية بين عقلاء عباده؛ لحِكَم ندرك بعضها، ويعزب عن الإدراك كثيرها، وحذر هذه الأمة من معتاد سنته في إحلال الهلاك بالأمم قبلها، إن هي تفرقت في الدين كما تفرقوا، والصلاة والسلام على إمام الأمة وقدوتها؛ محمد سفير الحق إلى الخليقة إنسها وجنها، أنبأ أمته بأن الافتراق في الدين سنة مطردة، خلت في سالف الأمم، وسينال هذه الأمة منه نصيبها بإرادة الله الكونية - وإن أراد منا مجانبة أسبابه بإرادته الشرعية؛ حين قال: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم). [سورة آل عمران: 105] -؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً»([1]). وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه دعا الله أن يعصم هذه الأمة من الخِلل الثلاث التي حذرها سبحانه منها في قوله: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ). [سورة الأنعام: 65]، فاستجاب له في التنثين الأوليين دون الثالثة، فكان قدر هذه الأمة أن تختلف على شيع، ويذوق بعضها بأس بعض، وقد جرى هذا القدر حتى على أهل السنة؛ فافترقوا في باب الاعتقاد إلى ثلاث طوائف:

1- الحنابلة؛ أتباع أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل (ت 241هـ).

2- والأشاعرة؛ أتباع أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (ت 324هـ).

3- والماتريدية؛ أتباع أبي منصور محمد بن محمد الماتريدي (ت 333هـ).

وإذا كان المذهب الأشعري على وفاق شبه تام مع المذهب الماتريدي، بما قرب الشقة بين أتباعهما، وأذهب البأس بينهما، فإن ما بين الأشاعرة والحنابلة من الاختلافات المنهجية، طالما أوقد نار الفتنة بينهما، وحفز سعي كل فريق إلى كسب المعركة بتضليل الفريق الآخر، وأحيانا بتكفيره، وكان الصراع بين المذهبين سجالا، كما كان يخمد أحيانا وتُوقد ناره أحيانا أخرى.

وقد كان لظهور مدرسة الإمام محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية واتخاذها مذهب الحنابلة مذهبا في الفروع والأصول، مع الغلو في التعصب له واعتباره الممثل الشرعي الوحيد لمنهج السلف الصالح أثرا بالغا في إحياء الصراع مع خصوم المذهب من داخل أهل السنة، وهم الأشاعرة أساسا.

فكان من البدهي أن نجد نقد الفكر الأشعري أصولا وعقائد ومناهج وأعلاما يشغل حيزا كبيرا من الدراسات والاهتمامات الأكاديمية وغير الأكاديمية للباحثين والشيوخ ذوي التوجه الحنبلي في العقيدة الموسومين باسم "السلفيين"؛ فقد أنجزت وصدرت من قبل منسوبي هذه المدرسة بحوث ومؤلفات تعد بالعشرات في سبيل نقد وتقويم العقيدة الأشعرية، وغالبها ينحو إلى النقد السلبي لها، ويرمي إلى تضليل وتبديع الأشاعرة، وتصنيفهم خارج دائرة أهل السنة والجماعة –بعد حصر الانتساب للسنة والجماعة والفرقة الناجية في الطائفة الحنبلية-، حتى غدا الانتساب إلى الفكر الأشعري عندهم ضربا من الزيغ والانحراف العقدي، وانسلاكا في سلك الفرق الهالكة.

بل لقد غلا بعضهم فنسب إلى الأشاعرة ومنهجهم في العقيدة كثيرا مما حل بالأمة من الدواهي؛ مثل:

ـ دعوى أن تأويل الأشاعرة لمتشابه النصوص فتح الباب أمام فرق الباطنية للسعي لهدم بنيان الإسلام بتأويلاتهم المنحرفة؛ كما ردده سفر الحوالي في (منهج الأشاعرة)، وفيصل الجاسم في (الأشاعرة في ميزان أهل السنة والجماعة).

ـ ربط انتشار ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي، بما أفضى إليه من تعطيل شرائع الإسلام في مجتمعات المسلمين، وتملص كثير منهم من تكاليفه  بتفسير الأشاعرة للإيمان بأنه التصديق القلبي فقط، وقد كان إبراز هذا الزعم من أهداف أطروحة الحوالي للدكتوراه: (ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي).

ـ دعوى أن تفسيرهم للتوحيد بأنه فقط توحيد الربوبية أدى إلى انتشار الشرك والقبورية، كما سطره عبد الرحمن آل محمود في رسالته للدكتوراه (موقف ابن تيمية من الأشاعرة).

ـ زعم أن "انحرافهم+ أدى إلى التحالف مع الغزاة مثل هولاكو مما نجم عنه اجتياح التتر للعالم الإسلامي؛ كما ادعاه الحوالي في (منهج الأشاعرة في العقيدة).

 فكان كل هذا النقد المتشدد الذي صبه "السلفيون" على خصومهم الأشعريين صبا مما أثار ويثير في أوساط المتدينين تساؤلات ملحة حول منشأ هذا الموقف المتشنج من الأشعرية والأشاعرة، وحول المآخذ التي يؤاخذونها على العقيدة الأشعرية، وفيم "انحرف" الأشاعرة عن "منهج الحق" في العقيدة عندهم؟ وفيم أنصف السلفيون وفيم أجحفوا في نقدهم للأشاعرة؟

وقد كان كاتب هذه الأحرف ممن طال انشغالهم بهذه الأسئلة وغيرها، والتطلع لمن يبسط أجوبتها بمنهج علمي مستقل؛ متحرر من وطأة العصبية المذهبية، خارج عن ربقة التقليد، متشح بوشاح الإنصاف، غير موجه برغبة مسبقة في تقرير نتائج محددة سلفا، جاعلا الهوى تبعا لما يفضي إليه الدليل؛ فكان انصرافُ الهمة لانشغالات أخرى، واستصعابُ ركوب خطر المغامرة في مثل هذه الطريق الطويلة والشائكة، ضمن عوائق أخرى تحول بيني وبين المحاولة كلما همت النفس بها، حتى فرغ البال بعض الفراغ، وانشرح الصدر للخوض في غمار هذا البحث، وذهبت من الرُّوع هيبةُ ركوب بحره، أخذت في تتبع ما انتشر منه في مظانه، حتى ارتسمت الخطة في الذهن؛ فكان الشروع في العمل.

والعمل عبارة عن مقالات ودراسات تتغى -كما تبين- رصد المآخذ التي يؤاخذها الحنابلة المعاصرون المعروفون في الوقت الحالي بـ "السلفيين" على العقيدة الأشعرية، مع محاولة إبراز مواطن التسامح والإنصاف ومواطن التحامل والإجحاف في نقدهم الأشعرية وأعلام الفكر الأشعري، وقد حُصِر نطاقُ البحث غالبا في الدراسات الأكاديمية من رسائل الدكتوراه والماجستير التي أنجزها الباحثون السلفيون في تخصص العقيدة حول نقد العقيدة الأشعرية وأعلامها؛ لما تتسم به الأطاريح الجامعية في الغالب -بحكم ما تفرضه الأعراف الأكاديمية- من بعض التجرد في النقد والتحري في النقل .

وقد تبين أن تحقيق الإحاطة على قدر الإمكان بموضوع (مآخذ السلفيين على العقيدة الأشعرية) يقتضي تناول المحاور التالية:

1- تصنيف الأشاعرة: هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة؟

2- أخذ الأشاعرة بأصول علم الكلام في تقرير العقائد.

3- الأشاعرة وتقديم العقل على النقل عند توهم تعارضهما.

4- موقف الأشاعرة من الاحتجاج بخبر الآحاد في باب العقائد.

5- هل الأشاعرة يرون أن دلائل النقل لا تفيد اليقين؟

6- سلوك الأشاعرة مسلكي التأويل و"التفويض المعنوي" في التعامل مع النصوص المتشابهة.

7- دعوى أن الأشعريين ينفون عن الله ما لم ينفه عن نفسه.

8- الأشاعرة واعتماد دليل حدوث الأجسام لتقرير وجود الصانع.

9- موقف الأشاعرة من التحسين والتقبيح العقليين.

10- دعوى ارتباط المذهب الأشعري بالتصوف.

11- هل خلط الأشاعرة علم الكلام بالفلسفة؟

12- دعوى اعتداد الأشاعرة بخلاف الفلاسفة في قضايا العقيدة.

13- دعوى مخالفة متأخري الأشاعرة لمقالات إمام المذهب.

14- دعوى اختلاف آراء الأشاعرة واتحاد مذهب الحنابلة.

15- التحقيق في دعوى ندم أئمة الأشاعرة وتراجعهم عن المذهب.

16- قول الأشاعرة: إن المعرفة أو النظر هو أول واجب على المكلف، وما نشأ عنه من القول ببطلان إيمان المقلد، ومن ثم التوسع في التكفير.

17- دعوى أن الأشاعرة يحصرون دلالة التوحيد في توحيد الربوبية.

18- دعوى أن الأشاعرة ينفون "الصفات الاختيارية".

19- دعوى "انحراف" مذهب الأشاعرة في باب الكلام والقرآن.

20- حصر الأشعريين حقيقة الإيمان في التصديق القلبي المجرد.

21- موقف الأشاعرة من مسألة الاستثناء في الإيمان.

22- هل الأشاعرة يقولون بالتكليف بما لا يطاق.

23- السببية في مذهب الأشاعرة.

24- نظرية الكسب والعادة عند الأشاعرة.

25- هل الأشاعرة ينفون الحكمة والتعليل.

26- فكرة التجويز العقلي عند الأشاعرة:

أ- قولهم: إرسال الرسل من الجائز العقلي.

ب-  تجويزهم معاقبة المطيع وإثابة العاصي على الله.

27- هل يحصر الأشاعرة دلائل النبوة في المعجزات.

28- عصمة الأنبياء عند الأشاعرة.   

وستنشر هذه المحاور بحول لله في هذه المدونة تباعا مع مراعاة هذا الترتيب ما أمكن.                

 



[1]  رواه أبو داود، في كتاب السنة، باب شرح السنة، رقم (4596)، والترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق الأمة، رقم (2640)، وقال: «حديث حسن صحيح»، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم (203).

 

تعليقات

التنقل السريع